كييف: يستقبل ماكسيم ليفكيفسكي ببزة أنيقة وفنجان قهوة في يده الزبائن في مكاتب تليق بأي شركة ناشئة. لكن في هذا المبنى في منطقة كييف الذي يبقى موقعه سريا، تنتج شركته طائرات مسيّرة لصالح الجيش الأوكراني.

ويقول هذا المسؤول في شركة "سكايتون" (Skyeton) إن "الروس يتمتعون بتفوق هائل في العديد والدبابات والطائرات والأموال". ويضيف "بالنسبة لنا، الطريقة الوحيدة للفوز هي الحصول على تفوق تكنولوجية".

ويرى مدير الشركة أندريه فيالكوفسكي أن الحرب التي اندلعت قبل أكثر من عامين هي "حرب طائرات مسيّرة".

وتعتزم أوكرانيا تعزيز صناعتها الدفاعية، في خطوة تبدو ضرورية في ظل النقص في المساعدات الغربية. لكن تحقيق هذا الأمر يتطلب وقتا وكلفة.

ويسهل نسبيا تصنيع طائرات بدون طيار وغالبا ما يكون ذلك غير مكلف. وحدد الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي يدرك ما يمكن لهذا السلاح أن يوفره لجيشه، هدفًا يتمثل في إنتاج مليون طائرة في 2024.

ويقول مسؤولو "سكايتون" إنها مسألة استقلالية وكفاءة.

في مجال التسلح، يؤكد فيالكوفسكي أن "أوكرانيا هي للأسف أكبر ساحة في العالم" والجبهة تتطور باستمرار. لذلك، "لا أحد" في وضع أفضل من الأوكرانيين لفهم ما يحتاج إليه الجنود، على حد قوله.

تسعى "سكايتون" لتوظيف محاربين قدامى للاستفادة من خبرتهم، مثل ليفكيفسكي الذي سبق أن خدم في بالجيش.

خطر الاستهداف
قبل توظيف أي شخص، تدقّق الشركة في ملفه الشخصي للحد من مخاطر تسرب معلومات. وهذه الخشية الأمنية حتمية لدى منتجي الطائرات المسيّرة الأوكرانية الذين يشكلون هدفا للهجمات الروسية.

ويوضح ليفكيفسكي الذي يعتبر الأمن من التحديات الرئيسية التي تواجه هذه الصناعة "نحن معرضون دائما لاحتمال الاستهداف بضربات".

ولا يضم المبنى الذي زارته وكالة فرانس برس سوى جزء من خط إنتاج شركة سكايتون الموزع على مواقع عدة لتقليل خطر تعرضها للاستهداف، وهو أمر شائع في هذا القطاع.

وتحت أضواء بيضاء كان حوالى عشرة موظفين يقومون بتجميع طائرات مسيرة. وفي إجراء احترازي إضافي، يمنع تصوير وجوههم. غير بعيد منهم، يقوم آخرون باختبار هذه الطائرات: فمن الضروري التأكد من إمكانية تحضيرها بسرعة لأن كل دقيقة تمر في إعدادها للإطلاق، تعرّض الجنود لنيران العدو.

ينتج هؤلاء العاملون لصالح الجيش الأوكراني، طائرات الاستطلاع المسيّرة "رايبيرد" (Raybird) التي يمكنها التحليق لمسافة تصل إلى 2500 كيلومتر للتجسس على مواقع العدو، في ما يسمى بوضع "غير متصل"، أو 120 كلم في حال الإبقاء على الاتصال بمشغّلها.

"مثل الفطر"
منذ الأشهر الأولى للغزو الروسي في 2022، تضاعف عدد الشركات الأوكرانية المصنّعة للطائرات المسيّرة، حسب السلطات التي تحصي نحو مئتي شركة.

ويقول فاديم إيونيك، رئيس الرابطة الوطنية لمصنّعي الطائرات بدون طيار والمؤسس المشارك لشركة "آي اس آر ديفنس" (ISR Defense) "حصلت طفرة في العام الماضي، ونمت (الشركات) مثل الفطر".

لكن إيونيك يعترف في الوقت نفسه بأنه "من المستحيل حاليا تجميع طائرة مسيّرة أوكرانية بنسبة 100٪"، لأنه يجب استيراد البطاريات أو الدوائر الدقيقة أو الرقائق.

وتنتج جميع هذه الشركات أجهزة ذات وظائف متنوعة من الطائرات المسيّرة الهجومية الرخيصة إلى الأجهزة المتطورة التي تتمتع بالقدرة على التكيف مع أوضاع مختلفة.

أبرز هذه الطائرات "آر18" التي تنتجها "آي اس آر ديفنس" يمكنها إسقاط متفجرات ونقل ذخيرة أو إمدادات للجنود عندما يكون النقل برا ينطوي على خطر كبير.

أما "فامباير" ("مصاص الدماء")، وهي مسيّرة قتالية قوية تنتجها شركة أوكرانية تحمل الاسم نفسه، فقد تمكنت من إيصال أدوية ومواد غذائية لسكان المناطق التي غمرتها الفيضانات بعد انفجار سد كاخوفكا في حزيران/يونيو 2023 في جنوب أوكرانيا.

ويقول المنتجون الأوكرانيون إنهم يخوضون سباقا مع نظرائهم الروس.

وقال الناطق باسم شركة "فامباير" طالبا عدم كشف اسمه لأسباب أمنية "إنهم يتعلمون كيفية إخفاء طائراتهم المسيّرة بشكل أفضل، ونحن نتعلم كيفية التعرف عليها وتحييدها بشكل أفضل".

وبما أن السرية أمر أساسي لهذه الصناعة، لا تتحدث الشركات عن التطورات الجديدة التي تعمل عليها.

لكن "سكايتون" تنوي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتطوير طائرات أو تحسين ملاحتها أو اكتشاف مواقع العدو.

ويأمل إيونيك في أن تسمح هذه الابتكارات لبلاده بتعويض نقاط ضعفها.

ويقول "يمكننا أن نرى أن أوروبا حتى لو أرادت المساعدة، يمكنها فقط أن تقدم لنا الأسلحة، ولن يقدم لنا أحد رجالاً"، مشيرا إلى أنه "يمكن أن يكون لدينا مستودع مليء بالأسلحة. لكن إذا لم يكن هناك أحد ليقوم بإطلاق النار، فهي لا تفيد في شيء".

ويرى إيونيك أنه يمكن للطائرات المسيّرة أن تعيد خلط الأوراق، لأن "شخصا واحدا يمكنه السيطرة على سرب من المسيّرات... لهذا السبب يجب علينا أن نوظّف كل قوتنا في هذا الأمر".