إيلاف من بيروت: "كان شهر يوليو، والجيش الروسي يقف على أبواب كييف. يلقي زيلينسكي خطابًا طارئًا ليكرر تحديًا أعلنه أول مرة في فبراير 2022، حين قال إنه لا يحتاج إلى الخروج من أوكرانيا، بل يحتاج إلى سلاح للبقاء والصمود في وجه الروس".
بهذه الكلمات يبدأ الصحافي البريطاني ايان مارتن مقالته في "التايمز" البريطانية، مضيفًا: "لو أن الغرب استمع وبذل المزيد من الجهد عندما كان الأوكرانيون الشجعان يناشدون المساعدة، فربما كان ذلك ليحدث فارقًا في هذه الحرب. وبينما يتشاجر الحلفاء وقدمت الولايات المتحدة مساعدات بقيمة 60 مليار دولار، وفيما يتحول الربيع إلى صيف، اخترقت قوات بوتين الخطوط في الجنوب والشرق، ولم تتمكن القوات الأوكرانية المنسحبة إلا من إبطاء تقدم الروس. وعندما أطبقوا على العاصمة، فرت موجة جديدة من اللاجئين من أوكرانيا بحثًا عن الأمان".
سيناريو مرعب
هذا هو السيناريو - الكابوس الذي يفكر فيه صناع السياسة الغربيون الآن، فيما تجبر الأحداث القادة العسكريين والمدنيين في لندن وواشنطن وباريس وبروكسل على رسم خريطة للانهيار الكارثي للقوات الأوكرانية التي حرمت من الأسلحة والذخائر. وبحسب مارتن، على النقيض من وجهة النظر السائدة بأن هذا "صراع مجمد" دائم، في ضوء عجز الطرفين عن تحقيق الفوز الحاسم، "فإن خط المواجهة يشهد منافسة مريرة، وهناك خطر حقيقي في دفع القوات الأوكرانية إلى الخلف، وعلى قادة الناتو أن يأملوا في ألا تخيم الهزيمة الأوكرانية على اجتماعهم في واشنطن في يوليو المقبل ليحتفلوا بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس الحلف"، كما يحذر مارتن.
قبل عام واحد فقط، كان الأمر مختلفًا، وكان الأمل آنذاك هو شن هجوم ربيعي أوكراني من شأنه استعادة الأراضي. لكن ذلك لم ينجح، ويستعيد مارتن كلمات مجلة "فورين أفيرز" الأميركية: "أوكرانيا تنزف. وبدون مساعدة عسكرية أميركية جديدة، قد لا تتمكن القوات البرية الأوكرانية من الصمود في مواجهة هجوم روسي بلا هوادة". يقول: "واضح أن الحكومات التي تدعم أوكرانيا تشعر بالقلق وتفكر حتى في أسوأ السيناريوهات".
فقد أصدرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين عدة تحذيرات من أن أموال أوكرانيا تنفد، وحثت الكونغرس على إقرار مشروع قانون المساعدات العالق، لأن الولايات المتحدة تخاطر بأن تكون مسؤولة عن هزيمة أوكرانيا.
يضيف مارتن: "وواضح أيضًا أن التقدم الروسي سيكون كارثيا على الأوكرانيين. فهل يرسل الحلفاء قوات للدفاع عن كييف؟ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استشعر الخطر ويحاول توجيه الغرب نحو نهج أكثر قوة من خلال طرح إمكانية إرسال قوات برية. تعترض دول أخرى، مثل ألمانيا، بشدة. متى يمكن حقًا فهم الرسالة التي مفادها أن لا سلام في أوروبا إلا إذا ضمنته القوة؟ أعندما تسقط أوكرانيا وينتقل بوتين إلى تهديد دول البلطيق أو بولندا أو فنلندا أو السويد أو النرويج؟ لا يريد أي من مؤيدي حق أوكرانيا في تقرير مصيرها ضد الهمجية الروسية أن يصبح هذا السيناريو الكابوس حقيقة. مع ذلك، المخاطر مرتفعة، وعلينا أن ندرك الثمن الباهظ للهزيمة".
الدعم أو الكارثة
يؤيد مارتن الحد الأقصى من الدعم العسكري من منطلق أن على أوكرانيا أن تفوز في هذه الحرب، وأن العواقب المترتبة على هزيمتها الجزئية أو الكاملة ستكون كارثية، "لكننا اعتدنا في الغرب، بعيداً عن خط المواجهة الأوروبي في شرق أوكرانيا وجنوبها، العيش في وهم الأمنيات وعدم الاستعداد للمفاجآت السيئة"، كما يقول، مضيفًا: "فاجأ الغزو الروسي أوكرانيا أغلب البلدان. قامت الحكومتان الأمريكية والبريطانية بحملة عامة في الفترة التي سبقت ذلك لتحذير حلفائهما. ولم يستمع إلا القليل، باستثناء فنلندا وبولندا ودول البلطيق التي تعرف ماذا يعني العيش بجوار روسيا التوسعية. وفي أماكن أخرى، كان مألوفًا رفض هذا الأمر لأن الأميركيين والبريطانيين يخطئون مرة أخرى. فهل تتذكرون العراق؟".
بحسبه، فشلت إدارة بايدن قبل أوكرانيا في توقع الانهيار الفوري للحكومة الأفغانية في أغسطس 2021 عندما غادرت القوات الأميركية. ثم أنتجت المراحل الأولى من الحرب مفاجأة غير عادية أخرى: "أظهر رفض زيلينسكي مغادرة كييف قوة الفرد في التاريخ ليكون مثالاً للمقاومة التي يتبعها مواطنوه، وتلك ثلاث مفاجآت هائلة في أقل من ثلاث سنوات ويمكن أن تحدث مرة أخرى. مع ذلك، يبدو أن الرأي العام الغربي المرهق قد استقر على وجهة نظر مفادها أنه على الرغم من أننا نساعد الأوكرانيين في الدفاع عن وطنهم، إلا أنهم عالقون في مأزق مستحيل الخلاص منه إلا باتفاق سلام". فاستطلاعات الرأي التي أجراها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في يناير في 12 دولة تشير إلى أن 10 في المئة فقط من الناخبين يعتقدون أن أوكرانيا قادرة على الفوز، فيما يظن نحو 37 في المئة أن التوصل إلى تسوية هو الأرجح، ويرى 19.5 في المئة أن روسيا ستفوز في النهاية.
يختم مارتن مقالته في "التايمز" بالتأكيد أن ثمة سيناريوهات أخرى غير الهزيمة العسكرية: "ربما يحصل انقلاب في روسيا، أو ربما يسعى ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض لفرض وقف إطلاق نار واستسلام أوكراني بحكم الأمر الواقع، وربما تصمد أوكرانيا وتستعيد أوروبا قوتها مستخدمة نفوذ ناتج محلي إجمالي أكبر عشر مرات من نظيره في روسيا. إننا نواجه خطر إغفال أحد الدروس الرئيسية المستفادة من حرب أوكرانيا، فالعودة إلى حقبة الرضا عن الأمن الأوروبي في ما بعد الحرب الباردة ليس خياراً، وعلينا أن نفكر بشكل مختلف تماما بشأن خطورة التهديدات التي تواجهها أوروبا، وأن نسلح أنفسنا وفقا لذلك، ونستعد للأسوأ".
التعليقات