بعد يومين من تحديد الرئيس التونسي قيس سعيّد السادس من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل موعدا للانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد، أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بوعسكر، مساء الخميس الماضي، أن الهيئة ستفتح باب قبول طلبات الترشح، اعتبارا من صباح التاسع والعشرين من شهر تموز (يوليو) الجاري، وحتى مساء السادس من آب (أغسطس).

وشدد بوعسكر على أن خلو ملف المترشح من السوابق القانونية، يمثل أحد أبرز شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، وأن على الراغب في خوض المنافسة الانتخابية، تقديم كل الوثائق التي حددتها الهيئة، وإلا اُعتبر ترشحه لاغيا.

ورغم أن الرئيس سعيّد لم يكشف حتى الآن عما إذا كان يعتزم الترشّح لولاية ثانية في الانتخابات أم لا؛ فإن هناك مؤشرات عدة توحي بأنه سيعلن قريبا اعتزامه خوض المنافسة، إذ عبّر في تصريحات سابقة، عن عزمه مواصلة مشواره، مؤكدا أنه "ثابت على العهد"، وأنه "لن يتراجع للوراء"، في إشارة إلى نيته الاستمرار في منصبه.

قيس سعيد.. الرئيس التونسي يبكي بعد تغطية العلم التونسي بخرقة قماش

تعديل وزاري مفاجئ قبيل الانتخابات الرئاسية، والاعتقالات تطال محامين ونشطاء بارزين، فما الذي يحدث في تونس؟

ومنذ ربيع العام الماضي، يقبع عدد من أبرز المعارضين السياسيين في تونس خلف القضبان، وعلى رأسهم زعيم حزب حركة النهضة راشد الغنوشي، ورئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي.

كما يواجه الأمر نفسه، ما يزيد على 40 شخصا آخرين، من بينهم وزراء سابقون ورجال أعمال، يُتّهمون بـ "التآمر على أمن الدولة"، بجانب ثمانية من المعارضين السياسيين لسعيَّد.

وفي وقت توجّه فيه منظّمات حقوقيّة تونسيّة ودوليّة انتقادات لحكم الرئيس التونسي، قائلة إنه يعمد إلى تضييق الخناق على المعارضة، تشدد السلطات في البلاد، على أن الحريات مكفولة، وأنه لا يوجد ترصد للمعارضين، أو استخدام لسلاح الملاحقات القضائية ضدهم.

ومنذ اتخاذ الرئيس التونسي، ما وُصِفَ بـ "إجراءات استثنائية"، استحوذ بموجبها على غالبية الصلاحيات والسلطات في 25 تموز (يوليو) 2021، قاطعت المعارضة الاستحقاقات الانتخابية، التي شهدتها البلاد.

وفي حين يرى معارضون تونسيون تلك الإجراءات "انقلابا على الديمقراطية وتكريسا للحكم الفردي"، تعتبرها قوى مؤيدة لسعيّد "تصحيحا" لمسار ثورة عام 2011، التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

من هم أبرز المترشحين المحتملين؟

مؤتمر للإعلان عن روزنامة الانتخابات الرئاسية التونسية
BBC

بالإضافة إلى الترشح المحتمل للرئيس سعيَّد، أعرب ما يقرب من 10 من الساسة التونسيين المعارضين عن نيتهم خوض الانتخابات، من بينهم أمين عام حزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي، الذي كان قياديا في حركة النهضة، قبل أن يؤسس حزبه السياسي الجديد.

وتلقى المكي استدعاءً للمثول أمام تحقيق سيُجرى في 12 من شهر تموز (يوليو) الجاري، في إطار ما يُعرف إعلاميا بقضية "الجيلاني الدبوسي"، وهي القضية المتعلقة بوفاة نائب سابق يحمل الاسم نفسه، كان قد فارق الحياة في سجنه عام 2014 خلال حكم حركة النهضة وحلفائها للبلاد. ووصف المكي هذا الاستدعاء، بأنه يمثل محاولة لإبعاده عن سباق الرئاسة.

كما سبق أن أعلن الحزب الدستوري الحر، أنه سيرشح زعيمته عبير موسي، التي تقبع في السجن منذ تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، بتهمة "معالجة بيانات شخصية وعرقلة الحق في العمل والاعتداء بقصد إثارة الفوضى". ويعتبر حزبها أن سجنها يمثل "محاولة من السلطة لاختلاق أسباب أو موانع قانونية، لإزاحتها من المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة".

ومن بين الأسماء المزمع إعلان ترشحها أيضا، أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي، القابع خلف القضبان منذ عام ونصف العام بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، وهي التهمة ذاتها التي وجهتها السلطات في تونس لشخصيات معارضة، أبرزها الغنوشي.

كما أعلن أمين عام حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي، اعتزامه الترشح للانتخابات. وقد أصدر قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية بتونس يوم الجمعة، قرارا بحبس المرايحي، وهو أحد أبرز منتقدي الرئيس سعيّد، على ذمة الاشتباه في تورطه في قضايا غسل أموال، وفتح حسابات بنكية بالخارج، دون ترخيص من البنك المركزي.

بالإضافة إلى ذلك، أعلن الكاتب الصحفي الصافي سعيد، نيته الترشح للانتخابات الرئاسية لهذا العام، إلا أنه يواجه بدوره ملاحقة قضائية، إذ صدر ضده حكم غيابي بالسجن لمدة أربعة أشهر، بسبب اتهامه من جانب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بـ "تدليس التزكيات الخاصة بالانتخابات الرئاسية لسنة 2014"، وفقا لما أفادت به تقارير محلية.

وفي السياق نفسه، يواجه منذر الزنايدي، وهو وزير سابق في نظام بن علي يقيم في باريس، كان قد أعلن بدوره نيته الترشح للسباق الرئاسي، يواجه ملاحقة قضائية بشبهة فساد مالي، حسبما قال محامون.

أيضا أعلن الناشط المستقل نزار الشعري، ورئيسة حزب "الجمهورية الثالثة" ألفة الحامدي، نيتهما الترشح للانتخابات المقبلة.

سجال محتدم يسبق الاقتراع

مؤتمر للإعلان عن روزنامة الانتخابات الرئاسية التونسية
BBC

في نظر معارضين تونسيين، يشير تحريك دعاوى قضائية ضد عدد ممن أعلنوا اعتزامهم الترشح للانتخابات الرئاسية، إلى محاولة لفتح الطريق أمام ضمان فوز الرئيس التونسي بالاقتراع، في حين ينفي أنصار سعيّد ذلك، ويقولون إن القانون فوق الجميع مهما كانت صفتهم السياسية.

ويقول أمين عام حزب "مسار 25 جويلية" الداعم للرئيس، محمود بن مبروك، لـ "بي بي سي" إن منصب رئيس الجمهورية ليس بالمنصب السهل، الذي يمكن لأي شخص الترشح له. ويضيف قائلا إن من توجد بحقه قضايا جزائية، "لا يمكنه تقديم طلب بالترشح"، مشيرا إلى أنه يمكن فيما بعد انتقاد طريقة وصول هذا الشخص إلى السلطة، إذا فاز بالانتخابات.

ويشير بن مبروك، إلى أنه يعارض ترشح من قال إنهم يُتهمون بالتورط في قضايا، تتصل بـ "التآمر على أمن الدولة"، معتبرا أنه من غير المعقول "بعد هذا المسار الذي سلكناه، أن نعود إلى حقبة ما قبل 25 يوليو/تموز، ومن المفروض ألا يترشح هؤلاء مطلقا، بل من الممكن ترشيح أشخاص آخرين من قبل هذه الأحزاب، حسب مبدأ تمرير السلطة، والتداول على الكرسي" وفقا لتعبيره.

ومضى قائلا "يمكن لهذه الأحزاب، تقديم وجوه جديدة عوضا عن السابقة، التي تلاحقها مشاكل قضائية، كما أن الرئيس ليس منفردا بالسلطة، ولو كان كذلك لما دعا الناخبين إلى الانتخابات، وأعتقد أن الكثيرين سيقدمون ترشيحاتهم حسب الشروط التي حددتها الهيئة، والساحة مفتوحة لعموم التونسيين، وهنالك ممن هم غير معروفين سيقدمون طلبات ترشحهم".

مؤتمر للإعلان عن روزنامة الانتخابات الرئاسية التونسية
BBC

على الجانب الآخر، تقول الصحفية التونسية أميرة محمد لـ "بي بي سي" إن "الطريق مغلقة منذ مدة من قبل السلطة أمام المعارضين". وتضيف أن ما تعتبره "إغلاقا" من جانب هيئة الانتخابات للطريق أمام هؤلاء المعارضين، أمر "سنكتشفه لاحقا من خلال المعاملات في الوثائق.. وتعامل الإدارة وتعامل القضاء مع المترشحين، فإذا لم يتعاملوا بنفس الطريقة مع كل المترشحين، فلن نضمن توفر انتخابات نزيهة وشفافة، تعتمد على تكافؤ الفرص".

وتمضي الصحفية التونسية ذات التوجهات المعارضة للرئيس سعيَّد قائلة إن "إغلاق الطريق أمام المعارضة قد بدأ منذ مدة من قبل السلطة، بإطلاق اتهامات تحت شعارات كبرى كالتآمر على أمن الدولة والهدف منه إخلاء الساحة السياسية من المعارضة، من الصحفيين الناقدين ومن ممثلي المجتمع المدني ممن يمكن أن يعبروا عن آراء قد تحرج السلطة الحالية، وإغلاق الباب أمام معارضي الرئيس سواء كانوا مرشحين محتملين أو يرغبون في الترشح".

وتعتبر أميرة محمد أن المناخ الانتخابي في تونس "للأسف سيء للغاية.. ولا يمكن أن يوفر شروط الموضوعية لانتخابات نزيهة وديمقراطية، لهذا من المهم جدا تنقية المناخ الانتخابي قبل اقتراع السادس من تشرين الأول (أكتوبر)، وهذا لم يحدث ولا أعتقد أنه سيحدث".

وتقول إنه "لا يمكن الحديث عن عملية انتخابية وسط غياب حياد هيئة الانتخابات والإدارة والإعلام والتعامل مع الجميع على قدم المساواة، فكل الشروط غير متوفرة للحديث عن أن موعد 6 أكتوبر/تشرين الأول سيكون موعدا ديمقراطيا، ويمكن أن تتجه الأوضاع نحو الأسوأ.. بما سيكون له انعكاسات سلبية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي" حسب وصفها.

وسبق أن قالت المعارضة التونسية في أكثر من مناسبة، إنه لا يمكن إجراء انتخابات نزيهة وذات مصداقية، ما لم يتم إطلاق سراح السياسيين المسجونين، والسماح لوسائل الإعلام بالقيام بعملها بحرية دون ضغوط من الحكومة. ويشير المعارضون إلى ما يصفونه بـ "حملة توقيفات" نُفِذَت منذ الحادي عشر من فبراير/شباط العام الماضي، شملت قادة وناشطين في المعارضة.

ومن جهته، قال المحلل السياسي التونسي سرحان الشيخاوي إن المناخ الانتخابي الحالي في بلاده، تشوبه الكثير من التعقيدات، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى عزوف شرائح كبيرة من الناخبين، عن التصويت في الاقتراع الرئاسي.

وأشار الشيخاوي لـ "بي بي سي" إلى أن المواطنين التونسيين، ربما لا يكونون مهتمين بشكل كاف بالاقتراع المقبل، مشددا على أنهم منشغلون على الأرجح بقضايا أخرى حياتية، بعيدة كل البعد عن السباق الرئاسي المنتظر.

وقال الشيخاوي إن ذلك قد يؤدي إلى أن تُسجل نسبة تصويت أقل من تلك التي رُصِدَت في الاستفتاء الذي أُجري على إقرار دستور جديد لتونس عام 2022، ولم يتجاوز عدد من أدلوا بأصواتهم فيه 13% ممن يحق لهم ذلك، في حين كان الإقبال على التصويت أكثر كثافة في الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها البلاد في السنوات التالية للإطاحة بـ "بن علي" في مطلع 2011.