ميلووكي: يبدو أنّ الرئيس السابق دونالد ترامب، المعروف بتصرّفاته غير المتوقعة والمثيرة للجدل، بات يعتمد نوعاً من الرقابة الذاتية في محاولة لتوسيع دائرة ناخبيه لتشمل من هم أكثر اعتدالاً، في سياق استراتيجية متكاملة تمهيداً لانتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

ومن هذا المنطلق، ارتأى الملياردير البالغ من العمر 78 عاماً تخفيف حدّة خطابه بشأن قضايا رئيسية مثل الهجرة والإجهاض، في تكتيك يقول محلّلون إنّه مدعوم بثقته في ولاء قاعدته المحافظة، وبإدراكه أنّ النهج المتشدّد لا يحظى بدعم أغلبية الرأي العام خصوصاً في ما يتعق بالإجهاض.

وفي الأيام الأخيرة، بات برنامج الحزب الجمهوري الذي يتبنّاه ترامب في خطاباته يتمثّل في ترك مسألة الإجهاض للولايات والتخلّي عن الدعوة لحظره على مستوى البلاد.

"مشروع 2025"
من جهة أخرى، ندّد ترامب الذي سيصبح رسمياً مرشحاً للحزب الجمهوري في مؤتمر الحزب الأسبوع المقبل، بوثيقة "مشروع 2025" التي يُنظر إليها على أنّها خريطة طريق للحكم صاغتها مؤسسة بحثية محافظة تضمّ عدداً من حلفائه المقرّبين.

ويأتي ذلك في ظلّ تعرّض هذه الوثيقة المؤلّفة من 900 صفحة، لانتقادات حادّة بسبب ما حملته من دعوات إلى الترحيل الجماعي للمهاجرين وإضعاف المؤسسات الفدرالية.

ورغم أنّ ترامب نفسه دافع عن مثل هذه الأفكار، إلّا أنّ ذلك لم يمنعه من انتقاد المقترحات الواردة في الوثيقة، واصفاً إياها بأنها "سخيفة تماماً وفظيعة"، من دون أن يحدّد أيّاً منها يقصد.

إضافة إلى ذلك، يكرّر ترامب لكلّ من يستمع إليه أنّه يجسّد "حزب المنطق السليم"، في ما يعتبر دعوة متعمّدة لاستمالة الناخبين من جميع المشارب.

"عدد أكبر من المؤيّدين"
تبدو استراتيجية المرشّح السبعيني واضحة.

ويقول ماثيو كوتينيتي من معهد الأبحاث "أميركان انتربرايز إنستيتيوت" (American Enterprise Institute)، إنّ "ترامب يستغلّ هذه اللحظة لجذب عدد أكبر من المؤيدين من خارج قاعدته المحافظة المعتادة".

وصل الملياردير إلى السلطة في العام 2016 عبر استراتيجية اعتمدت على عناصر عدّة، أبرزها عملية إغراء متقنة لليمين الديني الذي قدّم له العديد من الانتصارات. وعلى الرغم من هزيمته في العام 2020، ظلّت هذه الفئة من الناخبين موالية له إلى حدّ كبير.

من الآن فصاعداً، "بات بإمكانه البدء في طرح برنامج وشخصية يمكّناه من جذب ناخبين من الائتلاف الديموقراطي"، وفقاً لماثيو كوتنيتي.

ضبط نفس غير عادي
بعيداً عن الجوهر، أظهر دونالد ترامب قدراً كبيراً من ضبط النفس في الشكل على الأقل. فقد حافظ الجمهوري المعروف بأسلوبه وتصريحاته التحريضية، على مسافة من النقاشات المرتبطة بحالة الرئيس جو بايدن الصحية والذهنية.

حتّى في خطاباته البارزة بشأن الهجرة، بدت نبرة دونالد ترامب متناقضة مع تلك التي اتسمت بها الأشهر الأخيرة عندما قال عن المهاجرين إنّهم "يسمّمون دماء بلدنا".

ولكن بالنسبة إلى جوليان زيليزر الأستاذ في جامعة برينستون، ينبغي أن لا ينخدع أحد.

ويؤكد المتخصّص في علم السياسة، أنّ "ليس هناك سبب للاعتقاد بأنّ دونالد ترامب غيّر مواقفه بشكل جوهري".

ويضيف لوكالة فرانس برس أنّ "استراتيجيته تتمحور حول الفوز. ولكن نتائج ولايته هي التي يجب أن تحدّد" هذا الفوز من عدمه.