قبل ساعات من انطلاق أولمبياد باريس، المزمعة اليوم الجمعة، انتشر مقطع فيديو لما بدا أنه مسلح ينتمي لحركة حماس الفلسطينية، وهو يهدد بـ "بحور من الدماء" في شوارع العاصمة الفرنسية باريس.
لكن أدلة جمعتها بي بي سي تشير إلى أن الفيديو، ربما كان صناعة روسية بهدف التشويش على الحدث الرياضي الكبير (الأولمبياد).
ويظهر في الفيديو شخص يُفترض أنه مسلح فلسطيني ملثّم ويهدد بالانتقام من فرنسا لدعمها إسرائيل.
وفي نهاية الفيديو، يعرض الرجل ما يبدو أنه رأس ماريان (تمثال نصفي يصوّر إلهة الحرية التي تعتبر شعارا وطنيا للجمهورية الفرنسية) ملطخا بالدماء.
ولكن رأس ماريان الظاهر في الفيديو يبدو مزيفا، وكذلك الفيديو نفسه.
تباينات واضحة في الأسلوب واللغة
لم ترِد في الفيديو إشارة صريحة إلى حماس، رغم أن الحسابات التي نشرته عبر منصة إكس (تويتر سابقا) نسبته إلى الحركة الفلسطينية، فيما أعلنت القيادة السياسية لحماس أن الفيديو مُفبرك.
فريق بي بي سي من جهته، تحقق من الفيديو، حيث رصد اختلافات عديدة سواء في اللغة أو في المظهر بين هذا الفيديو من جهة، والفيديوهات الرسمية الكثيرة التي تنشرها حركة حماس من جهة أخرى.
ولحماس قنوات نشطة عبر منصة تليغرام، تبث عبرها بيانات وفيديوهات بشأن الحرب في غزة.
على سبيل المثال، اللكنة التي ينطق بها المسلح في الفيديو، ليست فلسطينية. ناهيك عن أن هذا المتحدث في الفيديو لا يمتلك الفصاحة التي يمتلكها المتحدثون باسم حماس.
كما أن الزي الأسود الذي يلبسه المسلح في الفيديو، لا يتطابق مع الزي التقليدي الذي يظهر به المتحدث باسم كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة حماس.
أيضا، موضع شارة العلم الفلسطيني ليس في مكانه المعتاد؛ فعادة ما يلبسه المتحدث العسكري لحماس على الكُمّ (الذراع)، بينما يرتديه المتحدث بالفيديو على الصدر.
فيديو آخر لـ"حماس"
يتشابه هذا الفيديو الذي يستهدف أولمبياد باريس مع فيديو آخر سابق، نُشر في أكتوبر/تشرين الأول وحقق انتشارا واسعا عبر الإنترنت وهو أيضا منسوب بالباطل لحركة حماس.
وفي فيديو أكتوبر/تشرين الأول، يظهر أفراد يُفترض أنهم ينتمون لحركة حماس ويوجهون الشكر للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي على "دعمهم بالأسلحة" – وهو اتهام باطل لأوكرانيا.
وكان ذلك في إطار حملة معلومات مضللة يرعاها الكرملين، بحسب باحثين من جامعة كليمسون في ولاية كارولاينا الجنوبية، والذين فنّدوا الفيديو.
ولاحظ فريق بي بي سي لتقصي الحقائق أن الأصوات، والزيّ، وإحداثيات موقع التصوير في الفيديوهين (فيديو أكتوبر والفيديو الأخير) تبدو متطابقة.
في كلا الفيديوهين تظهر نفس الخلفية من حائط رماديّ اللون، فضلا عن رداءة التصوير في كلاهما.
ويتناقض ذلك مع الفيديوهات الرسمية التي تبثّها حركة حماس منذ تسعة أشهر، والتي تتميز بجودة عالية في التصوير، فضلا عن أن الخلفية فيها فارغة، أو مميزة.
من يقف إذن وراء هذا الفيديو؟
كثيرون علّقوا على الفيديو الأخير، متّهمين إسرائيل بالوقوف وراء إنتاج الفيديو، لكن دون أن يقدّموا دليلا.
لكن الطُرق التي استُخدمت لفحص الفيديو تشير بأصابع الاتهام إلى الكرملين، بحسب خبراء.
وكان الفيديو المهدِّد لأولمبياد باريس قد نُشر في يوم 21 يوليو/تموز الجاري على حساب عبر منصة إكس يحمل اسم "حماس فايتر" (مقاتل من حماس). وكان هذا الحساب قد دأب على نشر صور مصممة بالذكاء الاصطناعي، وقد تم تعليق هذا الحساب.
بعد ذلك، نُشر الفيديو عبر وسائل إعلام عربية وأفريقية ناطقة بالفرنسية صديقة للكرملين، قبل أن يُنشر عبر منصة تليغرام، بحسب الباحث دارين لينفيل من جامعة كليمسون.
ومن أوائل قنوات تليغرام التي شاركت الفيديو، قناة ناطقة بالإنجليزية تعرف باسم أوزي كوساك " Aussie Cossack" والتي تبثّ محتواها من سيدني ويقوم عليها الدعائي الروسي سيمون بويكوف ويتابعها نحو 80 ألف شخص، وقناة ناطقة بالروسية وموالية للكرملين تعرف باسم "غولوس موردورا" (صوت موردور) ويتابعها نحو 170 ألف شخص.
وفي غضون ساعات معدودة، أعيد نشر نفس النَص مترجماً إلى الروسية ومضافا إلى الصور على حسابات روسية أخرى عليها آلاف المشتركين عبر تليغرام.
يقول البروفيسور دارين لينفيل: "انتشر الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي على حسابات موالية لروسيا، دأبت عناصر موالية للكرملين على استخدامها. ولا جديد في هذا الخصوص، إنهم لا يغيرون إلا أشياء بسيطة في كل مرة".
وعلى مدى شهور، حذّر مسؤولون فرنسيون من حملة معلومات مضللة تقودها روسيا لتقويض أولمبياد باريس.
وفي أبريل/نيسان، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن موسكو كانت تحاول الترويج لفكرة أن فرنسا غير قادرة على استضافة دورة الألعاب الأولمبية، أو أنه ستكون هناك مخاطر حال استضافتها.
من جانبه، نفى الكرملين هذه المزاعم، قائلا إنها "غير مقبولة".
وبسبب الحرب ضد أوكرانيا، حُظرت روسيا وبيلاروسيا من إرسال فريق رسمي إلى أولمبياد باريس. وفي ظل ذلك، سيكون بمقدور عدد محدود من الرياضيين من هاتين الدولتين أن ينافس، ولكن تحت عَلم محايد.
"نشْر المخاوف"
عزى مركز مايكروسوفت لتحليل المخاطر هذا الفيديو، الذي يحمل تهديدا لأولمبياد باريس، إلى مجموعة روسية يطلق عليها اسم "ستورم-1516".
وبحسب الباحثين في مايكروسوفت، ترتبط المجموعة الروسية المذكورة بالجهاز الإعلامي لمجموعة فاغنر للمرتزقة الروس التي كان يتزعمها يفغيني بريغوزين، كما ترتبط المجموعة بمركز بحثي يتخذ من موسكو مقراً له.
وتستهدف المجموعة الروسية "إضعاف الدعم الغربي بالعتاد والمساعدات إلى أوكرانيا"، بحسب ما صرّح مركز مايكروسوفت لتحليل المخاطر لبي بي سي.
وقال المركز: "من حين لآخر، يقومون بعمليات تستهدف تعزيز النفوذ الروسي، مثل تشويه سمعة شخصيات في المعارضة المحلية، وفي حالتنا هذه، يستهدفون التشويش على أولمبياد باريس 2024 عبر نشر المخاوف".
ويرى كيفين ليمونيه، الباحث المتخصص في الشؤون الروسية لدى المعهد الفرنسي للدراسات الجيوسياسية، أن التشويش على أولمبياد باريس يستهدف فرنسا على المستويين الدبلوماسي والعسكري اللذين اكتسبا زخماً في دعم أوكرانيا.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تنشر فيها روسيا أباطيل بشأن دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس.
ففي 2023، بثّت قنوات موالية للكرملين عبر تليغرام سلسلة من الأفلام التي تنتقد الأولمبياد، وقد نسب مركز مايكروسوفت لتحليل المخاطر هذه الأفلام إلى مجموعة روسية دعائية.
وقتذاك، نفى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بسكوف اتهامات مايكروسوفت، قائلا إنها "بلا أي أساس من الصحة".
التعليقات