"بكيت كثيراً المرة الماضية أثناء ركوب الحافلة التي حملتني إلى القرية الأولمبية. كنت أشاهد مقاطع فيديو وصوراً لطفلتي. بعدما وصلت إلى هناك، لم أستطع النوم بدونها".
عندما توجهت عداءة الماراثون أليفين تولياموك، للمشاركة في أولمبياد طوكيو عام 2021، كان هناك شيء واحد واضح وجليّ لا رجعة فيه بالنسبة لها: فهي لن تقبل السفر بدون ابنتها، زوي، البالغة من العمر ستة أشهر.
ثم أقيمت بطولة أولمبياد طوكيو التي تم تأجيلها من 2020 في ظل ظروف استثنائية في خضم وباء كوفيد-19 العالمية، ووقع الاختيار على مدينة سابورو شمالي اليابان لاستضافة سباقات الجري.
كان هذا الموقع يعني أنه يمكن السماح لأفراد أسرة تولياموك بمرافقتها، لكن ليس في ليلتها الأولى في اليابان التي أمضتها في قرية الرياضيين في العاصمة طوكيو، حيث تم حظر اصطحاب الأطفال.
نتيجة لذلك، انفصلت عن طفلتها - التي كانت ترضعها رضاعة طبيعية - ليلة كاملة.
"في القرية، نمت لأول مرة بعيداً عن زوي منذ قدومها. مكثت طفلتي مع زوجي في فندق. كان ذلك صعباً حقاً"، على حدّ ما روته تولياموك لبي بي سي سبورت.
"تورم جسدي بسبب تراكم الحليب. كنت أقوم بسحبه وأفكر بأن "طفلتي ليست هنا بجواري" - أمسكت الهاتف لتفقدها ووالدها ووجدت ابنتي تبكي بحرقة وقد جن جنونها من شوقها لأمها التي لم تفهم أو تُقدر سبب غيابها.
تلك التجربة هي السبب في تهليل العداءة الأمريكية من أصول كينية فرحاً بالتسهيلات المؤمنة للأمهات الرياضيات، سواء المرضعات أو الحاضنات، لرعاية أطفالهن في ألعاب باريس 2024، وقد تضمن ذلك تفعيل مساحة لاستقبال الأطفال داخل القرية الرياضية.
"أنا سعيدة للغاية، لأنه بعد أربع سنوات فقط من عدم تمكني من التواجد مع طفلتي، تطور الأمر الآن إلى حدّ تخصيص مرافق للأطفال، هذا أمر لا يصدق".
ما الذي حصلت عليه الأمهات الرياضيات في باريس 2024؟
تعد مسألة الفِطام من الأمور الشاغلة لتولياموك ومن هن في وضعها، إذ تتجاذبهن أفكار متصارعة بشأن الوقت المناسب لإيقاف الرضاعة.
توصي منظمة الصحة العالمية مع صندوق الأمم المتحدة للطفولة بضرورة إرضاع الأطفال حصرياً بدون مكملات حتى عمر ستة أشهر، ثم الاستمرار في الرضاعة الطبيعية مع إضافة الأطعمة الصلبة المكملة حتى عمر السنتين وأكثر.
أوضحت تولياموك: "كنت في البداية سأُرضعها لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر، وهو ما يتيح لي حوالي شهرين ونصف الشهر قبل خوض الألعاب الأولمبية".
"لكن بمجرد ولادة ابنتي، أدركت أن التوقف عن الرضاعة الطبيعية ليس وارداً بالنسبة لي. لقد كان أمراً أحببته كثيراً".
دفعت نماذج على غرار تولياموك وأخرى مشابهة المجلس التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية ومنظمي باريس 2024، إلى تخصيص تلك المساحة الصديقة للأطفال لأول مرة في تاريخ البطولة.
وقالت إيما تيرهو، رئيسة لجنة الرياضيين التابعة للجنة الأولمبية الدولية، لبي بي سي: "نحن نتعلم الكثير من الدروس من طوكيو والدورات السابقة، ونريد أن نعمل باستمرار على تحسين تجربة الرياضيين المشاركين في الأولمبياد".
وأضافت: "المزيد والمزيد من الرياضيين لديهم أطفال في سن مبكرة جداً، وهناك أمهات رياضيات يعدن لمزاولة التمارين ونشاطهن بعد الولادة مباشرة".
وتوضح: "إن فكرة وجود مرفق في الجوار في الأولمبياد مجهز لاستقدام الأطفال مع توفير الرعاية يدعم خطوة الإنجاب ويضمن فرصة تركيز بشكل أفضل على المنافسة".
لكن ما هي أهم المميزات التي استفادت منها الرياضيات وسط مسؤوليات الأمومة في باريس 2024؟
وفرت روضة الأطفال مساحة وخصوصية للمرضعات، اللواتي تمكن بحرية من ضخ وتخزين حليبهن لأطفالهن.
كان هناك أيضاً مناطق للألعاب وتغيير الحفاضات.
وتم توفير مكان للإقامة الليلية خارج قرية الرياضيين، يستلزم المبيت به الحصول على إذن من اللجان الأولمبية الوطنية لتغطية التكاليف.
تقول تيرهو، وهي رياضية سابقة في الأولمبياد الشتوية، كان هناك نظام حجز لمن هم في أمس الحاجة إليه.
وتابعت: "أردنا التأكد من وجود هذه المساحة حيث يمكن للمتسابقات أن يحظين بهدوء وخصوصية، مع الاستمرار في التركيز على أبرز ما في مشوارهن الاحترافي".
لكن ماذا عن المواقع الأولمبية الأخرى؟
من ذكريات مشاركتها في اليابان، تقول لنا تولياموك إن الموقع الذي أُختير لماراثون أولمبياد 2021 في مدينة سابورو لم يكن مجهزاً للأمهات المرضعات. وأكملت أنه تم تغيير موعد انطلاق السباق آنذاك بسبب الحرارة، ولم تتمكن من ضخ حليبها في الفندق.
وأفادت اللاعبة البالغة من العمر 35 عاماً بأنها "وصلت إلى منطقة خط البداية حيث كانت توجد خيمة لفريق الولايات المتحدة، لكن لم يكن هناك مكان من هذا القبيل للرضاعة الطبيعية أو للقيام بضخ الحليب".
"كي أقوم بالضخ كان عليّ الذهاب إلى الحمام، لكن لم يكن هناك الوقت الكافي لذلك".
"كان الأمر سيبدو حتماً جيداً إذا ما أتيح مكان خاص لهذا الغرض، لكن لم يكن أحد يفكر في وجود رياضيات يقمن بفعل الرضاعة الطبيعية".
دوافع التغيير المؤثرة
تشرح تيرهو أن وصول تلك المبادرة للنور، هو بفضل التعاون بين لجنة الرياضيين التابعة للجنة الأولمبية الدولية ونظيرتها في باريس (لجنة الرياضيين في دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024) بمساعدة العدّاءة الأولمبية المتقاعدة الآن أليسون فيليكس من الولايات المتحدة، المتخصصة في سباق الجري لمسافة 200 متر للسيدات ألعاب القوى، والتي وصفتها بأنها "القوة الدافعة" للتغيير الذي حصل في أولمبياد باريس. كما دخلت على الخط بطلة الجودو الفرنسية كلاريس أجبجنينو، التي صعدت على منصة التتويج الأولمبية سابقاً مرتين.
وقد دعت تلك الأخيرة كي تحظى نسخة الأولمبياد المقامة في بلدها بظروف أفضل، وذلك على ضوء إرضاعها هي الأخرى طفلتها التي تحمل اسم أثينا. وصرحت أجبجنينو لموقع Olympics.com بقولها: "يؤلمني سماع الناس يرددون 'لا يمكننا تحمل فعل شيئين في الوقت نفسه'، أو 'لا يمكنك التطور في وظيفتك' أو 'لا يمكنك أن تكوني رياضية رفيعة المستوى' بينما تكونين أماً".
وهناك من تلاقوا معهما في الأهداف والرؤى.
العداءة الأمريكية للمسافات المتوسطة أليسيا مونتان هي مؤسسة مجموعة (Mother&) أو "الأم مع"، التي تنشط لتوفير ظروف وتعاقدات ورعاة أفضل للأمهات الرياضيات، وفيليكس هي عضو في مجلس إدارة هذه المجموعة.
اشتهرت مونتانو بالركض في بطولة الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2014 في ساكرامنتو وهي حامل في الشهر الثامن.
قالت مونتانو لبي بي سي سبورت: "أخشى أننا لم نر ما يمكن أن يكون الوضع عليه بالنسبة للمرأة في مجال الرياضة، أن نضعها تحت المجهر وهي حامل، وهي تنجب الأطفال بينما تواصل مسيرتها الاحترافية، لذلك سأتكفل بذلك الجانب".
بعد بضعة أشهر من الولادة، وبسبب ارتباطها بعقد من شأنه أن يفقدها دخلها المعيشي إذا ما قدمت للحصول على أي إجازة أمومة، اضطرت مونتانو إلى ربط بطنها بعد الولادة حتى تتمكن من متابعة التدريب.
كان إيجاد طرق لمواصلة الرضاعة الطبيعية أثناء السفر أيضاً تحدياً.
أوضحت: "فزت بالبطولة الوطنية بعد ستة وعشرة أشهر من الولادة".
"ثم أحرزت ميدالية ذهبية في بطولة دولية. وقد حطمنا الرقم القياسي الأمريكي السابق آنذاك بالتوازي مع التوصل لطرق لضخ حليب الثدي وتعبئته وإعادته إلى ابنتي في الولايات المتحدة عندما أسافر".
وأدركت أنه ما من خطوط دعم بالفعل في ذلك الوضع، وأننا لم نحظ بها. "ولهذا السبب فإن الأمر صعب للغاية".
لذلك تعتبر مونتانو تجربة باريس 2024 خطوة في الاتجاه الصحيح، وهي تأخذ في ذلك بعين الاعتبار ليس العوامل الشخصية فحسب، بل أيضاً خبرات نساء أخريات قامت بدعمهن.
"لقد كنا من صحابات الصوت العالي ومن أشد المدافعين عما ينبغي أن يحصل، جنباً إلى جنب مع التزامنا إزاء دعم جميع الرياضيين الأولمبيين، مع العلم أن هذه مرحلة مفصلية للعالم بأسره تفيده في التعرف على ما يبذل وعلى إدارة مخططات النجاح".
سابقة في أولمبياد باريس - هل من مزيد؟
وكان من أكبر العقبات التي واجهت الأمهات المرضعات اللواتي سعيْن إلى الاستفادة من الإقامة الليلية خارج القرية الرياضية هي إقناع اللجان الأولمبية الوطنية بتمويل التكلفة.
عن ذلك أجابت تيرهو، بالنيابة عن اللجنة الأولمبية الدولية، إن هناك تطلعا إلى مراجعة هذا الأمر خلال دورات الألعاب الأولمبية القادمة، مع الأخذ في الاعتبار ما شهدته أولمبياد باريس.
أما بالنسبة للناشطين على غرار مونتانو، فهم يشيرون إلى وجود حاجة للمزيد من الخطوات قبل أولمبياد لوس أنجلوس 2028.
قالت مونتانو: "أود أن أرى أن الملاعب آمنة مع أماكن إقامة محترمة للرضاعة الطبيعية على المضمار، وفي منطقة الإحماء، مع وجود مساحة بها كهرباء لتكوني قادرة على ضخ حليب الثدي ومعرفة أن هناك مساحة آمنة لكِ لتخزينه".
"لا يزال من دواعي سروري أن أتمكن من توفير مربية أو شخص يمكنه أن يكون معكِ لمدة 14 يوماً في الخارج".
"نود أن نرى العمل الذي نقوم به في إندماج وظيفي مع الهيئات المعنية الوطنية لدعم الأسر في تلك الأوقات."
تتطلع تولياموك، التي غابت عن باريس 2024 بسبب الإصابة، أيضاً إلى لوس أنجلوس 2028، على أمل أن تحصل على الدعم الذي تحتاجه إذا ما أقدمت على خطوة استقبال طفل آخر بحلول ذلك الوقت.
وقالت: "إن إنجاب طفلك حينذاك سيطمئنك بأن وقع التغيير لن يكون مزلزلاً وأنك سيمكنك أن تخطو للأمام وأنت في أفضل حال لك".
"لقد رأينا ما يمكن للأمهات فعله عندما يتم دعمهن بنسبة 100 بالمئة. دعونا نستمر في القيام بذلك."
التعليقات