إيلاف من واشنطن: تتواصل المفاجآت، وترتفع حدة الغموض الذي يحيط بملف "تفجيرات البيجر" والأجهزة اللاسلكية، والتي نتج عنها موجة من التفجيرات غير المسبوقة في لبنان الثلاثاء والأربعاء، فقد زعم تقرير صدر الخميس أن شركة مجرية كانت على ما يبدو تزود حزب الله بأجهزة استدعاء تم إنشاؤها سرا من قبل جواسيس إسرائيليين.

العملية واسعة النطاق بدا أنها بلغت ذروتها هذا الأسبوع عندما انفجرت الأجهزة، مما أسفر عن مقتل عدة أشخاص وإصابة الآلاف من عملاء حزب الله وغيرهم في لبنان وسوريا.

وزعمت صحيفة نيويورك تايمز أنه بدلاً من مجرد التلاعب بالأجهزة في مرحلة ما من إنتاجها أو توزيعها، فإن إسرائيل في الواقع "صنعتها كجزء من خدعة استخباراتية متقنة".

وكان التقرير هو الأحدث في سلسلة من التقارير التي تكشف النقاب عن ما يعتقد على نطاق واسع بأنها عملية إسرائيلية سرية خرجت إلى العلن يوم الثلاثاء عندما انفجرت آلاف الأجهزة في معاقل حزب الله.

ثم يوم الأربعاء، انفجرت مئات من أجهزة الاتصال اللاسلكية التي تستخدمها جماعة حزب الله، مما أثار مخاوف جديدة في جميع أنحاء لبنان وأكد على مدى ما لا يزال مجهولاً بشأن الاختراق الواضح.

شركات وهمية تعود لشخصيات استخباراتية
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن ثلاثة ضباط استخبارات لم تكشف هوياتهم على دراية بالعملية، أن شركة BAC Consulting كانت جزءا من واجهة أنشأها شخصيات في الاستخبارات الإسرائيلية، وتم إنشاء شركتين وهميتين أخريين للمساعدة في إخفاء الصلة بين شركة BAC والإسرائيليين، وفقًا للتقرير.

تم إدراج الشركة في المجر كشركة ذات مسؤولية محدودة في آيار (مايو) 2022، على الرغم من أن موقع الويب الخاص بشركة BAC Consulting تم تسجيله رسميا قبل عامين تقريبًا، في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، وفقًا لسجلات نطاق الإنترنت.

اعتبارا من نيسان (أبريل 2021) قدم موقع الشركة على الإنترنت استشارات سياسية وتجارية، مع تغيير الشركة للعناوين وتوسيع عروضها ثلاث مرات على الأقل بحلول عام 2024، وفقًا لأبحاث أرشيفية أجرتها صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

بطاريات تحتوي على مواد متفجرة
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، قامت الشركة بتزويد شركات أخرى بأجهزة استدعاء أيضا، على الرغم من أن الأجهزة التي تم نقلها إلى حزب الله فقط كانت مزودة ببطاريات تحتوي على مواد متفجرة تعرف باسم PETN.

وبدأت الأجهزة في الوصول إلى لبنان لأول مرة في عام 2022، وفقًا للصحيفة، مع تكثيف الإنتاج بعد أن حذر زعيم حزب الله حسن نصر الله باستخدام الهواتف المحمولة بسبب مخاوف من إمكانية تعقبها من قبل إسرائيل.

وفي شباط (فبراير)، قال نصر الله لأنصاره: "الهاتف الذي بين يديك، وفي يد زوجتك، وفي يد أولادك هو العميل... ادفنه. ضعه في صندوق حديدي وأغلقه"، كما أشار تقرير صحيفة نيويورك تايمز، وأضاف: "لقد رأى مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية فرصة".

ومع اعتماد حزب الله بشكل متزايد على الأجهزة المحملة بالمتفجرات، اعتبرها ضباط الاستخبارات الإسرائيلية بمثابة "أزرار" يمكن الضغط عليها في أي وقت، مما أدى إلى الانفجارات التي هزت لبنان يوم الثلاثاء.

وكانت أجهزة النداء (البيجر) التي انفجرت في لبنان تحمل شعار شركة تايوانية تدعى جولد أبولو، والتي قالت إن شركة بي أيه سي مصرح لها باستخدام علامتها التجارية. إلا أنها قالت إن "تصميم وتصنيع المنتجات من مسؤولية شركة بي أيه سي وحدها".

الإيطالية الغامضة كريستينا


قالت كريستيانا بارسوني أرسيداكونو، الرئيسة التنفيذية لشركة BAC، لشبكة NBC الإخبارية ، إن الشركة، التي أغلقت موقعها الإلكتروني يوم الأربعاء، ليس لها أي علاقة بتصنيع أجهزة الاستدعاء.

وقالت الأربعاء: "أنا لا أصنع أجهزة النداء، أنا مجرد وسيط. أعتقد أنك أخطأت".

وأشارت تقارير صحافية عالمية إلى أن "الإيطالية الحسناء" ظهرت على نحو مفاجئ، ثم اختفت بنفس الطريقة المفاجئة.

لا علاقة للمجر بالأجهزة
وقال متحدث باسم الحكومة المجرية أيضا إن أجهزة الاستدعاء لم تكن موجودة في المجر قط، وإن شركة BAC Consultants كانت مجرد وسيط.

"أكدت السلطات أن الشركة المعنية هي وسيط تجاري، وليس لها موقع تصنيع أو تشغيل في المجر. ولديها مدير مسجل في عنوانها المعلن، ولم تكن الأجهزة المشار إليها في المجر أبدًا"، هذا ما نشره زولتان كوفاكس يوم الأربعاء على موقع X. ولم يذكر مكان تصنيع أجهزة النداء.

بلغاريا تدخل على الخط
وفي الوقت نفسه، قالت بلغاريا إنها ستحقق مع شركة ثالثة مرتبطة ببيع أجهزة النداء. وقالت وكالة الأمن القومي البلغارية في بيان إنها تعمل مع وزارة الداخلية للتحقيق في دور شركة مسجلة في بلغاريا، دون أن تسميها.

وزعمت تقارير إعلامية بلغارية أن شركة مقرها صوفيا تدعى نورتا جلوبال المحدودة سهلت بيع أجهزة النداء. ولم تتمكن رويترز على الفور من تأكيد الصلة بنورتا، ولم يستجب مسؤولو الشركة على الفور لطلبات التعليق. ولم يستجب محام سجل الشركة في مبنى سكني في صوفيا لأسئلة رويترز.

ورفضت إسرائيل التعليق على انفجارات أجهزة النداء أو أجهزة اللاسلكي.

ماذا حدث الثلاثاء والأربعاء؟
قالت السلطات اللبنانية إن 12 شخصا قتلوا وأصيب نحو ثلاثة آلاف آخرين في انفجارات أجهزة الاتصال اللاسلكي التي استهدفت حزب الله على ما يبدو لكنها أسفرت أيضا عن إصابة كثيرين ممن كانوا في محيطها.

وقُتل ما لا يقل عن عشرين شخصا وأصيب مئات آخرون في انفجار أجهزة الاتصال اللاسلكي يوم الأربعاء والتي بدا أنها كانت تحتوي على متفجرات أكبر حجما.

اليابان وعلاقتها بالقضية
وأظهرت صور أجهزة الاتصال اللاسلكية المنفجرة ملصقات تحمل اسم شركة الاتصالات اللاسلكية والهاتف اليابانية ICOM 6208.T وتشبه جهاز طراز IC-V82 الذي تنتجه الشركة.

وقالت الشركة، التي تقول إنها تصنع جميع أجهزة الراديو الخاصة بها في اليابان، يوم الخميس إن الطراز تم تصنيعه وشحنه إلى الشرق الأوسط من عام 2004 إلى عام 2014، لكن الشركة لم تشحنه منذ ذلك الحين. وأضافت أن بطاريات الأجهزة لم تعد تُصنع أيضًا.

وقال مصدر أمني إن حزب الله اشترى أجهزة الراديو المحمولة قبل خمسة أشهر، أي في نفس الوقت تقريبا الذي اشترى فيه أجهزة النداء.

وقالت الشركة التي يقع مقرها في أوساكا إن جميع منتجاتها اللاسلكية تم تصنيعها بواسطة فرع واحد في واكاياما، باستخدام أجزائها الخاصة فقط، دون إنتاج خارجي.

وحذرت الشركة في وقت سابق من وجود نسخ مقلدة من أجهزتها متداولة في الأسواق، وخاصة النماذج التي توقف إنتاجها.

وقالت الشركة في إشارة إلى الأجهزة التي انفجرت الأربعاء: "لم يتم وضع ختم الهولوغرام للتمييز بين المنتجات المقلدة، لذا فمن غير الممكن تأكيد ما إذا كان المنتج قد تم شحنه من شركتنا".

ووعدت بتقديم المزيد من المعلومات بعد التحقيق.

هل هي الحرب الشاملة؟
وقد أدت موجات الانفجارات المزدوجة إلى تفاقم المخاوف من احتمال اقتراب إسرائيل وحزب الله من حرب شاملة، بعد ما يقرب من عام من المناوشات المحدودة عبر الحدود والتي أجبرت المدنيين على الفرار من شمال إسرائيل وجنوب لبنان.

أصدر القادة الإسرائيليون سلسلة من التحذيرات في الأسابيع الأخيرة بأنهم قد يزيدون من العمليات ضد حزب الله في لبنان، وقالوا إنهم يجب أن يتمكنوا من استعادة الأمن والسماح للسكان بالعودة إلى منازلهم بالقرب من الحدود.

مرحلة جديدة صوب الشمال
وقال وزير الدفاع يوآف غالانت، في حديثه للقوات، الأربعاء، إن إسرائيل "في بداية مرحلة جديدة في الحرب - وهي تتطلب الشجاعة والتصميم والمثابرة".

ولم يشر نتانياهو إلى العبوات الناسفة، لكنه أشاد بعمل الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن، قائلا إن "النتائج مثيرة للإعجاب للغاية".

خلال زيارة إلى القيادة الشمالية يوم الأربعاء، حذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي بشكل غامض من أن إسرائيل لديها المزيد مما يمكنها فعله ضد حزب الله.

وأضاف "لدينا العديد من القدرات التي لم نستخدمها بعد، وقد رأينا بعض هذه القدرات قيد الاستخدام، ويبدو لي أننا مستعدون بشكل جيد ونقوم بإعداد هذه الخطط للمضي قدما".