ينتخب التونسيون، الأحد، رئيسهم الجديد من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، الذي يتهمه معارضون بـ"الانجراف السلطوي"، في أعقاب حملة انتخابية خلت من حماس التونسيين.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9,7 ملايين، الإدلاء بأصواتهم في الثامنة صباحا بالتوقيت المحلي (السابعة بتوقيت غرينيتش) في أكثر من خمسة آلاف مركز اقتراع، لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة.

انتخابات الرئاسة في تونس 2024: هل تعكس تنافساً حقيقياً أم إنها "مجرد إجراء شكلي"؟

استقطاب يهيمن على المشهد السياسي في تونس قبل انتخابات الرئاسة

"القيام بالواجب"

تونسيون يصوتون في انتخابات الرئاسة
EPA

وكان غالبية الناخبين في عدد من مكاتب الاقتراع في العاصمة من الكهول والشيوخ الذين يمثلون نحو نصف الناخبين، وفق الوكالة الفرنسية للأنباء.

وفي مركز اقتراع بالعاصمة، قال النوري المصمودي (69 عاما): "جئت مع زوجتي لدعم قيس سعيّد، العائلة بأكملها ستصوت له".

وعلى مسافة قريبة منه، قالت فضيلة (66 عاما)، إنها جاءت "من أجل القيام بالواجب ورداً على كل من دعا إلى مقاطعة الانتخابات".

وفي مكتب آخر، أعرب حسني العبيدي (40 عاما) عن خشيته من حصول عمليات تلاعب بالتصويت، لذلك "قدمت للتصويت حتى لا يتم الاختيار بالنيابة عني".

وأدلى قيس سعيّد بصوته رفقة زوجته في مكتب اقتراع بمنطقة النصر بعد نحو ساعة من افتتاحه.

وأشار رئيس الهيئة العليا للانتخابات فاروق بوعسكر في مؤتمر صحفي بعد فتح المراكز إلى "توافد بأعداد ملفتة".

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية "على أقصى تقدير" الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

ويتنافس قيس سعيّد (66 عاما) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاما)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس (47 عاما) والمسجون بتهم "تزوير" تواقيع تزكيات.

ولا يزال سعيّد، الذي انتُخب بما يقرب من 73 بالمئة من الأصوات وبنسة مشاركة بلغت 58 بالمئة في عام 2019، يتمتّع بشعبية كبيرة لدى التونسيين حتى بعد أن قرّر احتكار السلطات وحلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور خمس سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين ومن منظمات المجتمع المدني، لأنه كرّس الكثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، وخصوصا حزب النهضة الإسلامي المحافظ الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي في عام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية وأجنبية، بـ"الانجراف السلطوي" في بلد مهد ما سُمّي "الربيع العربي"، من خلال تسليط الرقابة على القضاء والصحافة والتضييق على منظمات المجتمع المدني واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين.

وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية العام 2022 وبداية 2023، حوالي 12 بالمئة فقط.

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى "موعد مع التاريخ"، قائلا "لا تتردوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات"، لأنه "سيبدأ العبور، فهبّوا جميعا إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد".

"حملة باهتة"

الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد
EPA

في المقابل، حذّر الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحفي في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات: "إيّاكم والعبث بصوت التونسيين".

وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين مثلما كانت عليه الحال في عام 2019.

ويرى الخبير في منظمة "الأزمات الدولية" مايكل العيّاري أن الرئيس سعيّد "وجّه" عملية التصويت لصالحه، "ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات"، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب النهضة إلى التصويت لصالح زمال.

أما المتنافس الثالث، زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، فكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات.

وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت الى حدّ اتهام الهيئة بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قرارا قضائيا بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس الجمعة للتنديد بـ"القمع المتزايد".

وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، رافعين لافتات تصفه بـ"الفرعون المتلاعب بالقانون" وسط حضور أمني كثيف.

وتشير إحصاءات منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "أكثر من 170 شخصا هم بالفعل محتجزون لدوافع سياسية أو لممارسة الحقوق الأساسية" في تونس.