حافظت سوريا وإيران على علاقات قوية منذ عام 1979 في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران، مدفوعة بمزيج من المصالح الاستراتيجية والأيديولوجية والجيوسياسية. وكان التحالف أكثر وضوحا في معارضتهما لخصوم إقليميين مشتركين مثل إسرائيل والعراق (في عهد رئيسها الراحل صدام حسين)، وقد تعززت العلاقة بشكل أكبر خلال الحرب الأهلية السورية، عندما لعبت إيران دورا حاسما في دعم حكومة الأسد.
وتنحاز الحكومة السورية بشكل علني إلى إيران وحزب الله اللبناني، وخاصة من خلال مشاركتها في ما يسمى بـ "محور المقاومة"؛ وهو تحالف يهدف إلى مواجهة النفوذ الإسرائيلي والغربي في منطقة الشرق الأوسط.
وتنظر سوريا إلى إسرائيل باعتبارها عدواً، وخاصة بعد احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية في عام 1967، فضلاً عن أن دمشق تشترك في مصالح استراتيجية مشتركة مع إيران وحزب الله.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن علاقاها بهذه الجهات الفاعلة معقدة وتتشكل وفقاً لمصالحها. ففي حين تعتمد على دعم طهران في حربها ضد فصائل المعارضة السورية التي تشكلت بعد عام 2011، والتي لا تزال تسيطر على محافظات ومدن كبيرة في شمالي البلاد، ومناطق أخرى متفرقة، كانت هناك مؤشرات على أن سوريا تحاول التنقل بين هذا التحالف وبين تحسين علاقاتها مع بعض الدول العربية، وخاصة في السنوات الأخيرة، بعد أن أعلنت جامعة الدول العربية في العام الماضي، أنها اتخذت قراراً باستعادة سوريا عضويتها واستئناف مشاركتها في اجتماعات مجلس الجامعة وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، اعتبارا من 7 مايو/ أيار 2023. ما يشير إلى أنه في حين تظل سوريا متحالفة مع إيران وحزب الله، فقد تكون منفتحة على إعادة تقييم موقفها اعتمادا على التطورات والضغوط الإقليمية أيضاً.
فهل تعيد سوريا النظر في علاقاتها مع إيران وحزب الله، وما يسمى بـ "محور المقاومة" أم تعود إلى حضن الجامعة العربية والدول العربية التي علقت علاقاتها مع سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية فيها كطريقة للنأي بنفسها عن الغوص في الحرب الإيرانية الإسرائيلية؟
- نظام ثاد الصاروخي: هل سيحمي إسرائيل من صواريخ إيران؟
- ماذا بعد مقتل حسن نصر الله الذي قاد الحزب لأكثر من ثلاثين عاماً؟
- "هل غيرت إيران خطها الأحمر في الشرق الأوسط" - جيروزاليم بوست
تقول نسرين أختر، الباحثة في الدراسات السورية في جامعة سانت أندروز الاسكتلندية، والتي نشر لها مركز كارنيغي للشرق الأوسط عدة أبحاث عن علاقات سوريا مع حزب الله وحماس منذ منتصف الثمانينات وحتى الوقت الحاضر - لبي بي سي عربي، إنه منذ بداية الحرب "فشل النظام السوري في تنظيم أي مسيرات واسعة النطاق لدعم المقاومة الفلسطينية في أي من المناطق الخاضعة لسيطرته، بل ورفض طلب وفد من قوات الحشد الشعبي العراقي بشن هجمات ضد إسرائيل من الأراضي السورية، بعد شهر واحد فقط من العملية العسكرية التي شنتها حماس على إسرائيل، وهو ما كان من شأنه أن يفتح جبهة ثالثة ضد إسرائيل في مرتفعات الجولان، الأمر الذي كان سيخفف من الضغط على حماس إلى حد كبير".
وتضيف أختر: "الشيء الأكثر إثارة للدهشة، أن الأمر استغرق يومين كاملين قبل أن يصدر النظام السوري بيان تعزية رسمياً في أعقاب اغتيال زعيم حزب الله المخضرم حسن نصر الله، الذي قُتل في قصف إسرائيلي على الضاحية الجنوبية، في سبتمبر/أيلول، نظراً لأن النظام السوري يولي الأهمية لبلاده أولاً".
هل باتت حكومة الأسد أقل اهتماما بعلاقاتها مع حزب الله وإيران؟
كانت حكومة الأسد تروج لنفسها منذ زمن طويل باعتبارها "القلب النابض للعروبة" والمدافع الرئيسي عن القضية الفلسطينية، لكنها لم يحرك ساكناً تجاه ما يحصل في غزة، فما السبب؟
تقول أختر، "لفهم صمت سوريا، لا بد من الاشارة أولاً إلى أن النظام السوري لا يزال مستاء من حماس بسبب دعمها للمعارضة السورية المناهضة للأسد، ويعدها خيانة من قبل الحركة. فبعد أن وفر قاعدة للمكتب السياسي لحماس في سوريا، في أعقاب طردها من الأردن، انحازت حماس نحو المعارضة السورية ودعمتها، ورغم المصالحة بين الجانبين بوساطة إيران وحزب الله في أكتوبر/تشرين الأول 2022، إلا أن بشار الأسد أشار في مقابلة تلفزيونية إلى تصرفات حماس باعتبارها "خيانة ونفاقا"، وهو ما يعتبر إشارة لعمق العداء الذي لا يزال قائماً تجاه حركة حماس.
ثانياً، "بعد 13 عاماً من الصراع المرير، أصبحت الدولة السورية في حالة خراب ولا يمكنها الصمود في وجه هجوم إسرائيلي في حال اندلاع حريق إقليمي شامل. إذ يعيش فعلاً ما يقرب من 90% من سكان سوريا تحت خط الفقر؛ ولا يزال ثلث الأراضي السورية خارج سيطرة النظام الذي لا يزال يعاني من عواقب الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في عام 2023 ، وفي جنوبي البلاد، تعاني السلطات الحكومية من تجدد الاحتجاجات المناهضة للنظام في مدينة السويداء الجنوبية ودرعا، رداً على خفض الدعم الأساسي وزيادة أسعار الوقود، بينما تواصل فلول تنظيم الدولة الإسلامية في أماكن أخرى من البلاد في حمص والرقة ودير الزور استهداف قوات الأمن السورية وميليشيات أخرى في البلاد."
وترى أختر أن السبب الذي من الممكن أن يكون أكثر أهمية هو أن النظام السوري كان يحاول على مدى السنوات القليلة الماضية تنويع تحالفاته، والابتعاد ببطء عن محور المقاومة، من أجل الخروج من عزلته الدولية وتخفيف آثار العقوبات الاقتصادية وقانون قيصر الذي أقره الكونغرس الأمريكي في عام 2019 (والذي يفرض قيودا وعقوبات على شخصيات مشاركة في الحكومة السورية وأي مؤسسات أجنبية تقدم الدعم لها في أي مشروعات). بالإضافة إلى صياغة شراكة استراتيجية مع الصين، والانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية، فهذا يعني إعادة العلاقات مع دول الخليج العربية التي انقطعت خلال سنوات الحرب الأهلية السورية.
في عام 2018، أصبحت الإمارات العربية المتحدة، أول دولة عربية تعيد علاقاتها مع النظام السوري، وأعادت فتح سفارتها في دمشق، وأول دولة في المنطقة ترحب بالأسد في زيارة خارجية، ما مهد الطريق لاستعادة العلاقات مع الدول العربية الأخرى مثل البحرين والسعودية في عملية بلغت ذروتها بإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية في مايو/أيار 2023 بعد غياب دام أحد عشر عاماً.
ويشرح فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة لندن لبي بي سي عربي أن "سوريا أساساً ليست في وضع يسمح لها بالدخول في أي مواجهة مع إسرائيل ،التي شنت المئات إن لم تكن الآلاف من الهجمات على سوريا في السنوات الماضية. كل هذه الضربات الجوية والصاروخية أدت إلى تآكل قدرة الجيش السوري. وهذا يعني أن أي رد فعل من قبل سوريا سيكون بمثابة رد انتحاري يعطي إسرائيل ذريعة ليست بحاجة إليها ، لضرب ما تبقى من القدرات او البنية التحتية لسوريا".
ويوضح جرجس وضع دمشق الحالي وموقفها تجاه ما يدور في غزة ولبنان بقوله: "سوريا الحالية ليست في موقع يسمح لها بالتدخل في أي صراع إقليمي وهي لا تستطيع حتى الدفاع عن المدن الواقعة تحت سيطرتها. وخاصة أن الصراع في سوريا نفسها لم ينته، ولا يزال هناك عشرات الآلاف من القوى المعارضة المناهضة لنظام الأسد".
أما عن مسؤوليات سوريا تجاه ما يسمى بمحور المقاومة، يقول جرجس :"إنه خلال الأشهر الـ 12 الأخيرة، قال حسن نصرالله أكثر من مرة، إن محور المقاومة يعي تماما عدم قدرة سوريا أو رغبتها في الدخول المباشر في هذا الصراع الإقليمي، وأكد أن سوريا تلعب دوراً في غاية الأهمية، يتمثل في أنها جزء لا يتجزأ من الدعم غير المباشر لمحور المقاومة وخاصة لحزب الله، إذ أن معظم الأسلحة والذخائر تصل إلى حزب الله عبر الحدود السورية اللبنانية".
وذكر موقع "واللا" الإسرائيلي أن الإمارات العربية المتحدة نبهت الحكومة السورية وحذرتها من "أي تدخل" في الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة، بعد يوم واحد من هجوم حماس على إسرائيل.
وذكر الموقع أنه نقل التقرير عن مصادر مطلعة على الاتصالات بين أبوظبي ودمشق، والتي أفادت أن الإمارات نقلت التحذير إلى سوريا على أعلى مستوى، ثم أبلغت واشنطن بذلك.
وتقول نسرين أختر: "على مدار الحرب في غزة، تسارعت وتيرة تطبيع سوريا ومحاولاتها لإعادة دمج نفسها في المجتمع الدولي، إذ عينت كل من السعودية والإمارات سفيرين لهما في دمشق في وقت سابق من هذا العام، بينما أصبحت إيطاليا أول دولة في الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع تستعيد علاقاتها رسميًا مع سوريا في يوليو/تموز الماضي".
ويقول جرجس "سوريا تلعب دوراً محورياً في دعم المقاومة اللبنانية كما لعبت دوراً مماثلاً خلال الاحتلال الأمريكي للعراق".
ويضيف: "لا أعتقد أن هناك أي نوع من العلاقات أو حتى الصداقة أو العلاقة الودية بين سوريا وحركة حماس في غزة. لأنها لا تزال متوترة وتفتقر إلى الثقة بين الطرفين".
وأخيراً، يعكس صمت حكومة الأسد، على هجمات إسرائيل في غزة ولبنان ومرتفعات الجولان، مزيجاً من الضعف العسكري والاقتصادي وهشاشة البنية التحتية من جهة، ورغبتها في تجنب إثارة المزيد من الهجمات الإسرائيلية بدافع الانتقام من جهة أخرى.
وفي حين قد يعارض الأسد إسرائيل من خلال بضع تصريحات، إلا أن استراتيجيته الحالية تبدو كأنها استراتيجية ضبط النفس والبقاء في خضم توازن قوى إقليمي معقد.
التعليقات