بعد الارتفاع الملحوظ بأعداد المصابين بمرض السكري الذي يعتبر من الأمراض الأكثر انتشارا بين الناس حول العالم، وفق منظمة الصحة العالمية، خصصت المنظمة يوماً عالمياً للتركيز على التوعية بالمرض وطرق الوقاية منه وكيفية التعايش معه.
ويحي العالم في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام "اليوم العالمي للسكري" الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 2007، ولكن كيف اختير هذا اليوم؟ وما الرسالة التي يحملها احتفال هذا العام؟ وكيف يحدث مرض السكري؟ وما أعراضه؟ وما طرق الوقاية منه؟
"كسر الحواجز وسد الفجوات"
ترفع منظمة الصحة العالمية هذا العام شعار "كسر الحواجز وسد الفجوات" بمناسبة اليوم العالمي للسكري، حيث يوفر فرصة لرفع مستوى الوعي حول مرض السكري باعتباره قضية صحية عامة عالمية، وللتأكيد على الإجراءات الجماعية والفردية اللازمة لتحسين الوقاية من المرض.
وقد أصبح اليوم العالمي للسكري يوماً رسمياً في 20 ديسمبر/كانون الأول 2007، وفق ما اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة. واختير يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني للاحتفال بهذا المرض، إحياءً لذكرى فريدريك بانتينج، الذي شارك في اكتشاف الإنسولين مع تشارلز بست عام 1922.
ما هو مرض السكري؟ وما أسباب الإصابه به؟
هو مرض مزمن، يحدث عندما يعجز البنكرياس عن إنتاج الإنسولين بكمية كافية، أو عندما يعجز الجسم عن الاستخدام الفعّال للإنسولين الذي ينتجه، حيث ترتفع مستويات الجلوكوز في الدم (أو السكر في الدم) عن المعدل الطبيعي؛ مما يؤدي مع مرور الوقت إلى تلف خطير في القلب، والأوعية الدموية، والعينين، والكلى، والأعصاب، في حال لم يُتحكم فيه. وهو ما يؤكده استشاري أول غدد صماء وسكري الدكتور موفق الحياري خلال حديثه لبي بي سي قائلا: " الإنسولين هو هرمون ينظم مستوى السكر في الدم (الغلوكوز) والذي يتكوّن من الأغذية التي يتناولها الشخص، ونتيجة لذلك يرفع السكري مستويات السكر في الدم، وإذا لم يسيطر عليه، فسيؤدي مع مرور الوقت إلى أضرار خطيرة تلحق بكثير من أجهزة الجسم".
وينقسم السكري إلى الأنواع التالية:
مرض السكري من النوع الأول
يعاني المصابون بالنوع الأول من السكري بنقص شديد في نسبة الإنسولين لديهم، أو تكاد تكون معدومة إذ لا يمكن للبنكرياس إنتاجه، وعادة ما يصيب صغار السن أو اليافعين، ويتطلب علاجه إعطاء المريض الإنسولين بالحقن أو مضخة الإنسولين، وفق الأخصائي موفق الحياري. وتشكل نسبة المصابين به ما بين (5 في المئة- 10 في المئة)، ولا يوجد علاج شاف من هذا النوع، لكن يأمل العلماء بإيجاد علاج له من خلال أبحاث الخلايا الجذعية.
مرض السكري من النوع الثاني
تنخفض لدى المصابين بهذا النوع حساسية الخلايا للإنسولين، أي تقل درجة استجابة خلايا الجسم لهرمون الإنسولين، ويطلق على ذلك اسم "مقاومة الإنسولين"، فالخلايا تقاوم الإنسولين الذي وظيفته إدخال الغلوكوز إليها. ويوضح الحياري أنه عادة ما يصيب الأشخاص الأكبر سناً (فوق 30 عاماً) ويكون لديهم أسباب أدت للإصابة به كطبيعة النمط الغذائي المتبع والسمنة ما يؤثر بدوره على البنكرياس فيُضعفه ويسبب السكري من النوع الثاني. ويشكل هذا النوع ما نسبته 90 في المئة من المصابين بالسكري، ويتطلب علاجه العقاقير الطبية أو الحبوب الفموية، إلا أنه لا يوجد له علاج شاف مثل النوع الأول، ولكن يؤدي خفض الوزن وتغيير نمط الطعام والحركة إلى تحسين ضبط مستوى الغلوكوز في الدم، كما قد يقلل حاجة الشخص إلى العلاجات كالأدوية الخافضة للسكر أو حقن الإنسولين، بحسب الحياري.
سكري الحمل
ترتفع في هذا النوع من السكري مستويات الغلوكوز في الدم لدى بعض النساء الحوامل، ويعود عادة إلى مستواه الطبيعي بعد الولادة. إذ يشير الأخصائي موفق الحياري إلى ضرورة علاج هذا النوع من السكري للمرأة الحامل خلال فترة حملها لكي لا يؤثر عليها وعلى جنينها ومن خلال إجراء فحص دوري.
وعن أسباب الإصابة بالمرض يقول الحياري: "إن الإصابة بمرض السكري في ازدياد مستمر ويعد احتفاء العالم به سنوياً بمثابة الشعاع لكي تنتبه المجتمعات إلى مدى خطورته في حال عدم التحكم به، وتعود أسبابه إلى العوامل الوراثية التي تلعب دوراً مهما بالإصابة به، إضافة إلى زيادة نسبة السمنة وقلة النشاط البدني، إلى جانب ضغوطات الحياة اليومية".
وأشار الحياري إلى أن هناك حالة تسمى (ما قبل السكري-Prediabetes)، وتعني أن مستوى سكر الدم لدى المصاب أقل من تشخيصه بالإصابة بداء السكري، لكنه في الوقت نفسه أعلى من المستوى الطبيعي وإذا لم يتم التعامل مع هذه الحالة فإن الشخص سيصاب بالسكري من النوع الثاني خلال عشر سنوات أو أقل.
"مرض سهل ممتنع"
ويعتبر السكري أحد أربعة أنواع رئيسية من الأمراض غير السارية وهي: المرض القلبي الوعائي، والسكري، والسرطان، والأمراض التنفسية المزمنة. ويصف الدكتور موفق الحياري المرض بـ "السهل الممتنع" شارحا ذلك: "هو عبارة عن مرض يمكن التعرف عليه مبكراً وهناك أعراض تشير إلى الإصابة به، ويجب عند ظهور بعض هذه الأعراض أو كلها مراجعة الطبيب المختص فوراً لعمل الفحوصات اللازمة، وإذا قام الشخص بذلك واكتشف إصابته بالسكري ثم التزم بتناول الأدوية الموصوفة له واستمر بمتابعة حالته مع طبيبه فهو يُعتبر في هذه الحالة مرضاً سهلاً، لكن ممتنعاً إذا أهمله المصاب فيصبح عدواً له وتزداد مضاعفاته بشكل كبير إذ تُحدث له مشاكل في العين والكلى و تزيد من مخاطر الإصابة بتصلب الشرايين والذبحة الصدرية، إضافة إلى تلف الأعصاب".
ويشير الحياري إلى أن من أبرز أعراض مرض السكري تتمثل في: الشعور بالعطش وبالجوع الشديدين، وبالتعب والإرهاق، واضطراب في الرؤية أو رؤية ضبابية، وكثرة التبول، إضافة إلى فقدان الوزن بشكل ملحوظ. لافتاً إلى أن أبرز تشخيص لمرض السكري هو (سكر الصوم) إذ يتم قياس مستوى السكر في الدم بعد نحو 8 ساعات من الصيام، ويجب أن يكون أقل من 100 مليغرام لكل ديسيليتر) في الحالة الطبيعية، ويتراوح ما بين (100- 125 مليغرام لكل ديسيليتر) ما قبل الإصابة بالسكري، وفي حال الإصابة بالسكري تزيد عن 126مليغرام لكل ديسيليتر).
ويؤكد كذلك على أنه يمكن تجنب عواقب مرض السكري أو تأخير ظهورها من خلال اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة النشاط البدني، وتناول الأدوية الموصوفة، وإجراء فحوصات منتظمة ومستمرة.
حقائق وأرقام "مخيفة"
تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي للسكري، إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد المصابين بمرض السكري حول العالم، خاصة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، وسط توقعات "مخيفة" بزيادة أعداد المصابين، إذ يعاني من مرض السكري أكثر من 420 مليون شخص حول العالم.
وتُظهر تقديرات المنظمة إلى أن (537) مليون شخص يعيشون حالياً مع مرض السكري في جميع أنحاء العالم. وبحلول عام 2045، تشير التوقعات إلى ارتفاع هذا العدد إلى حوالي (783) مليون مصاب بالسكري على مستوى العالم.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن أعلى معدل لانتشار السكري في العالم يوجد في منطقة الشرق الأوسط إذ يبلغ عدد المصابين بالسكري نحو (43) مليون مصاب لا سيما في دول كالأردن ولبنان ومصر والبحرين والكويت وعُمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ويُعلّق استشاري أول غدد صماء وسكري الدكتور موفق الحياري في تصريحاته لبي بي سي على أسباب انتشار المرض في منطقة الشرق الأوسط بقوله: "يعود السبب الرئيسي لانتشار مرض السكري إلى زيادة معدل السمنة وقلة النشاط البدني والنظام الغذائي الذي يتبعه الشخص". وهو ما أشارت إليه منظمة الصحة العالمية بشأن ارتفاع معدل زيادة الوزن والسمنة بين الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين (5 و19) عاماً، إذ شهدت ارتفاعاً كبيراً من 4 في المئة عام 1975 إلى أكثر من 18 في المئة عام 2016.
وأضافت المنظمة أن عدد مرضى السكري تضاعف 4 مرات منذ عام 1980، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى أكثر من نصف مليار بحلول نهاية العقد.
وتُظهر تقديرات الاتحاد الدولي للسكري إلى أن واحداً من بين 10 بالغين حول العالم مصاب بالسكري، و90 في المئة من هؤلاء مصاب بالنوع الثاني، ونحو نصفهم لم تُشخّص إصابتهم بعد.
وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن نحو (5.1) مليون شخص توفي حول العالم جرّاء مرض السكري في عام 2019، حيث ازدادت حالات الوفاة بسبب المرض بنسبة 70 في المئة بين عامي (2000 و 2019)، وتتوقع المنظمة أن مرض السكري سيصبح سابع مسبب للوفاة في عام 2030.
هل يعد علاج السكري متوفر وغير مكلف؟
وتُقدّر الكلفة العالمية لمرض السكري بأكثر من تريليون دولار سنويا، بحسب منظمة الصحة العالمية. وفي هذا الصدد يقول الأخصائي الحياري في حواره مع بي بي سي: "تُعتبر علاجات مرض السكري مكلفة وسعر الإنسولين باهظاً، إلى حد ما، لكنه متوفر في الوقت ذاته في المؤسسات الصحية حول العالم وعادة ما يمكن للمريض الحصول على العلاج اللازم من خلال التأمينات الصحية التي توفرها الدولة لمواطنيها".
ويبقى مرضى السكري بحاجة إلى رعاية ودعم مُسْتَمِرَّين لمتابعة حالتهم، وتجنب حدوث مضاعفات جرّاء المرض، وفقا للعديد من الأخصائيين. وتقول الأمم المتحدة إنه بعد 100 عام من اكتشاف الأنسولين، مازال ملايين المصابين بمرض السكري في جميع أنحاء العالم عاجزين عن الحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها.
التعليقات