بينما تتابع الأحداث المتسارعة في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، من المهم أن تتوقف لحظة وتلقي نظرة على كيفية تناول الصحف العالمية لهذه التحولات الكبرى، لفهم كيف يرى العالم ما يحدث. دعنا نأخذك في رحلة سريعة عبر صفحات الصحافة الإسرائيلية، الأمريكية، والإفريقية، حيث تبرز تحليلات تبحث في تأثير هذه المتغيرات على إسرائيل، وتتناول تساؤلات بشأن ما إذا كانت سوريا ستسير في نفس المسار الذي شهدته ليبيا.

البداية من صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، والتي تفتتح مقالها الخميس بعبارة " انهيار نظام الأسد بداية فصل جديد ومتقلب"، تسأل فيه ماذا يعني هذا التغيير في الشرق الأوسط لإسرائيل.

يتساءل كاتبا المقال، كاثرين بيريز-شاكدام وستيبان ستيبانيينكو، عما "إذا كان هذا الانهيار جزءاً من صفقة منحت الأسد ممراً آمناً، وسمحت لروسيا بإعادة التركيز وسط المفاوضات العالمية، وأعادت تشكيل النظام العالمي".

ويقول الكاتبان إن "رحيل الأسد عرّض نفوذ إيران لضربة حاسمة، وأضعف حزب الله، وترك إسرائيل في مواجهة تهديدات جديدة وغير متوقعة".

"صعود هيئة تحرير الشام بالقرب من حدود إسرائيل الشمالية أمر مثير للقلق"، بحسب الكاتبين، اللذين يقولان إن إجراءات إسرائيل على الحدود الشمالية فرصة "لاستباق التقدم المتطرف وردع وكلاء إيران".

ويرى الكاتبان أنه في ظل غياب الدعم الغربي لإعادة إعمار سوريا، قد تعزز الفصائل المعارضة قوتها وتصبح تهديداً للقدس ومكة، مما يضع إسرائيل والسعودية في دائرة الخطر، بحسب رأيهما.

ويقولان إن "صعود هيئة تحرير الشام يعقد أي خطط للانسحاب الأمريكي تحت قيادة دونالد ترامب"، ويصفان موقف روسيا في سوريا بالغامض بعد "انسحابها المتسرع من قواعدها" ما يثير تساؤلات حول مصير منشآتها البحرية في طرطوس، و"هو ما قد يضر بمكانة الرئيس بوتين ونفوذ روسيا، خاصة إذا اضطرت للانسحاب أمام قوات أوكرانية مدعومة من الغرب".

وفيما يتعلق بالمنافسة بين الأطراف المختلفة في سوريا، يلاحظ الكاتبان أن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الأكراد تسعى لتعزيز حكمها الذاتي، في وقت تواجه فيه تهديدات من تركيا، "بينما تبقى الميليشيات المدعومة من إيران تشكل تهديداً مستمراً لإسرائيل".

من جهة أخرى، يرى الكاتبان أن تركيا قد تعمق مشاركتها في الصراع، ما يزيد من تعقيد العلاقات مع القدس وواشنطن.

وفي إطار موزانة يجريها الكاتبان للمواقف الأمنية في مختلف أنحاء المنطقة، يقولان إن ما يظهره الأردن من "تسامح مع الجماعات الإسلامية" و"القبول الضمني" لحركة حماس، يخطر بنتائج عكسية.

"مع تراجع نفوذ إيران في سوريا وزيادة الجماعات الجهادية على طول الحدود الشمالية للأردن، قد تجد المملكة نفسها غير مجهزة للتعامل مع ردود الفعل العكسية لاستراتيجياتها الخاصة"، بحسب الكاتبين.

ويقولان إن "مقامرة المملكة مع جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس أصبحت محفوفة بالمخاطر.. مما يهدد استقرارها الداخلي وعلاقاتها مع إسرائيل".

أما عن لبنان، فيقول الكاتبان إن "بغياب الدعم السوري الموثوق، قد يشدد حزب الله قبضته على السياسة في لبنان، ما يهدد بتفاقم أزمة البلاد".

ويقولان إن على دول الخليج التي "قامت بتطبيع علاقاتها مع الأسد بشكل مؤقت، أن تعيد تقييم استراتيجياتها في ظل ضعف ايران واستمرار التهديدات المتطرفة"، بحسب تعبيرهما.

وفي ضوء سقوط نظام الأسد، يختم الكاتبان المقال بالقول إن التحدي الذي تواجهه إسرائيل اليوم "يكمن في التعامل مع بيئة أعيد تشكيلها بسبب الضعف المتزامن لإيران، والصعود المقلق للجهات الفاعلة الجهادية، وإعادة الحسابات غير المؤكدة للقوى العالمية".

لكن ماذا تقول الصحف الأمريكية عن سقوط الأسد؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتن والرئيس السوري المنزوع بشار الأسد
Shutterstock
الرئيس الروسي فلاديمير بوتن والرئيس السوري المنزوع بشار الأسد

"سقوط الأسد غيّر الشرق الأوسط إلى الأبد"

في مقالها في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تستعرض منى يعقوبيان تأثير سقوط نظام بشار الأسد على سوريا والشرق الأوسط.

تسلط الكاتبة الضوء على كيف أن هذا الحدث لا يُنهي فقط عقوداً من حكم أسرة الأسد في سوريا، بل يُعيد تشكيل القوى الإقليمية، ويقلل من تأثير إيران، مما يفتح المجال لتركيا لتلعب دورًا رئيسياً في مستقبل سوريا، برأيها.

وتقول إن "هذا التغيير يمكن أن يؤدي إلى تعزيز علاقات سوريا مع دول الخليج، مما يسهم في إعادة بناء البلاد. وفي الوقت نفسه، تواجه إسرائيل تحديات جديدة، حيث تسعى للحد من تأثير إيران وحزب الله في سوريا، بينما تراقب تصاعد قوة الجماعات الجهادية".

إلى جانب ذلك، تشير يعقوبيان إلى تداعيات انهيار نظام الأسد على لبنان، الذي قد يشهد تأثيرات إيجابية إذا تم انتقال السلطة في سوريا بسلاسة، ولكن قد يتسبب في أزمة جديدة إذا تفاقمت الفوضى.

وترى الكاتبة أن ديناميكيات القوى العالمية ستتأثر من انهيار النظام في سوريا، باعتبار ذلك يوجه ضربة لروسيا، التي قد تجد "صعوبة في الحفاظ على هيبتها" في المنطقة.

وفي ختام مقالها، تُبين الكاتبة أن هذا التحول في سوريا يحمل العديد من الفرص والتحديات بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة مع صعود جماعة "هيئة تحرير الشام"، التي لا تزال مصنفة منظمة إرهابية.

"وبينما يمكن أن يشكل سقوط الأسد فرصة لتحجيم النفوذ الإيراني والروسي، فإن المستقبل يبقى غير واضح في ظل تهديدات من الجماعات المتطرفة وعودة داعش المحتملة"، بحسب يعقوبيان.

سوريون يلوحون بأعلام المعارضة ذات النجوم الثلاث أثناء احتفالهم بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد، في ساحة الأمويين في دمشق، سوريا.
EPA

لربما أنك قرأت الكثير من الآراء والتحليلات التي قالت إن ما حدث في سوريا يعيد إلى الواجهة أحداث العراق عام 2003 وحتى ليبيا أيضاً حينما سقط نظام معمر القذافي، فكيف تنظر الصحافة العالمية إلى ذلك؟ دعنا نطلعك على هذا المقال.

"هل تتجنب سوريا تكرار الكارثة في ليبيا؟"

في صحيفة "ذا نورث أفريقيا جورنال"، يناقش الكاتب أرزقي داود الوضع الحالي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، مشيراً إلى التغيرات الجيوسياسية المحتملة في المنطقة.

يعبّر داود في مقاله الذي جاء تحت عنوان "هل تتجنب سوريا تكرار الكارثة في ليبيا؟"، عن فرحته لسقوط النظام "الذي عانى الشعب السوري من وحشيته لعقود"، لكنه يحذر من أن الوضع في سوريا قد يكون "أكثر صعوبة في العقود المقبلة إذا لم تحدث معجزة"، بحسب تعبيره.

وأشار الكاتب إلى أن "التحالف الإسلامي بقيادة هيئة تحرير الشام قد عزز سيطرته على شرق سوريا، وقام بتعيين محمد البشير رئيساً للحكومة المؤقتة"، بينما كان هناك جهود لاستقرار العاصمة دمشق.

ورغم أن هناك أملاً في استقرار سوريا، إلا أن الكاتب يرى أن السيناريو الأكثر ترجيحاً يشبه الوضع في ليبيا ولكن "بأسوأ بكثير"، خاصة مع التوترات الإقليمية المستمرة.

وتناول داود الدور الكبير للجهات الدولية في سوريا، حيث ذكر أن "إيران، التي كانت تدعم نظام الأسد سياسياً وعسكرياً، قد تكبدت خسارة كبيرة بفقدانها حليفاً رئيسياً".

كما تطرق إلى دور القوى الإقليمية مثل تركيا "التي تسعى لمنع قيام منطقة كردية مستقلة، فضلاً عن تواجدها في إدلب حيث تدعم هيئة تحرير الشام رغم تصنيفها كمنظمة إرهابية".

وفيما يتعلق بالعلاقات الدولية، أشار الكاتب إلى التعاون المتناقض بين تركيا وروسيا في إطار "عملية أستانا" بينما تدعم الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا لمكافحة داعش.

وتوقع داود أن يتسبب الوضع في سوريا في تفاقم الأزمة في لبنان "بسبب التوترات السنية الشيعية".

الكاتب يختتم مقاله بالحديث عن التشابه المحتمل بين سوريا وليبيا أو حتى اليمن، حيث يمكن أن تتفكك البلاد إلى "مناطق متناحرة على أساس عرقي وطائفي"، متوقعاً أن يحاول الأكراد تأكيد حكمهم الذاتي في مناطقهم، بينما سيشعر العلويون (الطائفة التي ينتمي إليها الأسد) بالتهديد وسيحاولون الدفاع عن مناطقهم في الساحل السوري، بحسب رأيه.