إيلاف من بيروت: "الحرب تعني الدمار، والقتل..."، عبارة بسيطة وردت على لسان أحد أبناء الجنوب في لبنان، لكنها تختصر مخاوف وهواجس اللبنانيين من العودة إلى المربع الأول مع اقتراب انقضاء موعد الهدنة التي أوقفت المعارك لـ60 يومًا منذ 27 نوفمبر الماضي.
وبينما يلوّح حزب الله، المصنف جماعة إرهابية، بالتصعيد مع اقتراب انتهاء مهلة الهدنة، نتيجة تقارير تفيد بأن الجيش الإسرائيلي يعتزم البقاء في بعض المناطق الحدودية الجنوبية، فإن بيئته الحاضنة تواجه ضغوطًا متزايدة نتيجة الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات التي خلفتها الحرب الأخيرة.
وكان المبعوث الأميركي آموس هوكستين قد قال، خلال زيارة للبنان الاثنين، إن الجيش الإسرائيلي بدأ عملية الانسحاب من الناقورة، على أن تستمر عمليات الانسحاب إلى حين خروجه من كامل الأراضي اللبنانية، مع استكمال الجيش اللبناني انتشاره جنوب الخط الأزرق، إلا أنه أقر بصعوبة هذه العملية.
والسؤال المطروح: هل تدعم بيئة حزب الله خيار التصعيد في ظل الظروف الراهنة، أم أن الأوضاع الحالية تحول دون قدرتها على تحمل تبعات مواجهة جديدة؟
رفض قاطع
يعرب عدد من سكان المناطق المحسوبة على حزب الله عن قلقهم المتزايد حيال احتمالات اندلاع مواجهة جديدة قد تؤدي إلى تفاقم معاناتهم، مؤكدين رفضهم لذلك. في المقابل، يرى آخرون أن الخيار العسكري بات ضروريًا لتأكيد قوة حزب الله.
أيمن، أحد سكان مدينة صور، من الرافضين لتجدد الحرب، ويقول: "الحرب تعني الدمار، القتل. لا توجد بلدة أو قرية في الجنوب أو البقاع إلا وقد خسرت العشرات من أبنائها في الحرب الأخيرة".
ويشير أيمن إلى أن حجم الدمار والخسائر خلال الحرب الأخيرة يفوق مجمل ما تعرض له لبنان خلال الحروب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: "إذا قارنا هذه الحرب بالعملية العسكرية الإسرائيلية عام 1978، واجتياح 1982، وعملية 1996، وحرب 2006، فإن مجموع الأضرار لا يوازي ما شهدناه الآن".
وفي الوقت الذي يؤكد فيه رفضه للحرب، يشدد أيمن على أهمية تنفيذ القرار الدولي 1701 بشكل كامل من الطرفين، مشيرًا إلى ضرورة انسحاب إسرائيل لما وراء الخط الأزرق. ويشدد: "إذا استمر الاحتلال الإسرائيلي للقرى، سنكون أمام واقع جديد قد يغير طبيعة المشهد بالكامل".
وبحسب ما أعلنه المدير العام لوزارة الاقتصاد، محمد أبو حيدر، في تصريح صحفي في 22 ديسمبر الماضي، فإن "خسائر الحرب تقدَّر بما بين 12 و15 مليار دولار، فيما تجاوزت خسائر الناتج المحلي 50 في المئة".
أما رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، فقال، في 19 ديسمبر الماضي، إن "كلفة إعادة إعمار لبنان تُقدّر بخمسة مليارات دولار".
كما أدت الحرب إلى مقتل نحو أربعة آلاف شخص وإصابة أكثر من 16 ألفًا في لبنان، وفقًا لوزارة الصحة اللبنانية، وتسببت في نزوح أكثر من مليون شخص.
بين التأييد والواقع
في المقابل، هناك من يؤيد عودة القتال بين حزب الله وإسرائيل، منهم علي، من سكان الضاحية الجنوبية، الذي يشدد على دعمه للحرب إذا استمرت إسرائيل في البقاء في بلدات جنوبية.
ويرى بعض اللبنانيين أن هذا الاتفاق يمثل "اتفاق استسلام"، معتبرين أن حزب الله بات في موقف ضعف غير قادر على استعادة قوته السابقة، لا سيما مع التحديات التي يواجهها جراء قطع طريق إمداده بالسلاح والمال من إيران عقب سقوط نظام بشار الأسد.
من أبرز بنود الاتفاق التي تمثل تنازلاً من حزب الله، والتي تؤثر على سرديته حول حماية أرض لبنان وسيادته، انسحابه من جنوب نهر الليطاني، مع حصر حمل السلاح بالقوات الأمنية والعسكرية اللبنانية هناك.
كما يشمل الاتفاق السماح للجيش الإسرائيلي بالبقاء في بعض البلدات الجنوبية اللبنانية لمدة تصل إلى 60 يومًا، مع ضمان حرية تحركه في حال رصد تهديدات أمنية، إضافة إلى تأجيل عودة سكان القرى التي تم إخلاؤها خلال التصعيد العسكري.
مسار الصراع
تسعى إسرائيل إلى "تمديد الهدنة الحالية لتحقيق أهداف لم تتمكن من تحقيقها عبر العمليات العسكرية".
فـمهام اللجنة الخماسية المكلّفة بمراقبة تطبيق اتفاق الهدنة تقتصر على الرصد وإعداد التقارير، في حين ينتظر الجيش اللبناني انسحاب القوات الإسرائيلية ليتقدم في القرى الجنوبية. في المقابل، يبدو أن الجيش الإسرائيلي يعمل على تغيير الحدود الجغرافية مع لبنان عبر السيطرة على مرتفعات استراتيجية.
ثم إن إسرائيل تستهدف البقاء طويل الأمد في بعض المرتفعات في جنوب لبنان وفي جبل الشيخ، لما لها من أهمية استراتيجية ضمن خطة إسرائيلية لاستكمال الإشراف على المناطق الحدودية المحاذية لحدودها الشمالية واستكمال سيطرتها على الجولان، مؤكداً أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تعكس هذا التوجه بشكل واضح".
أما فيما يتعلق بالمواجهة مع حزب الله فإن الوضع مرتبط بشكل كبير بالتطورات الإقليمية والدور الإيراني".
وطهران تتابع عن كثب مسار علاقتها مع واشنطن، وستلجأ إلى تفعيل دور الحزب في حال فشلها في التوصل إلى أي اتفاق مع الولايات المتحدة. من هنا، لا يمكن اعتبار تصريح المرشد علي خامنئي عابرًا، حين غرّد عبر صفحته على منصة إكس بأن لبنان وسوريا سينتصران.
التعليقات