إيلاف من القدس: من خلال علاقاتها مع إدارة ترامب واللعب الذكي بأوراقها الإقليمية، من المتوقع أن تحصل قطر على موطئ قدم قوي في قطاع غزة وفي البحر الأبيض المتوسط، هذا ما كتبه حاييم ليفنسون عبر صفحات "هآرتس الإسرائيلية".
مكتب نتانياهو تعمد تضخيم المفاوضات بشأن أربيل يهود لاعتبارات دعائية، لكنّ قطر هي التي بادرت إلى دفعة الإفراج الإضافية ـ والتي تشكل إنجازًا لكل من نتانياهو وحماس.
ثمة فجوة من غير الممكن تفسيرها بين ما يعتمل في عقل وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وبين الواقع في قطاع غزة كما يتشكل أمام ناظرينا. إما أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يقود خدعة القرن ضد الولايات المتحدة، قطر، مصر والإمارات العربية المتحدة، وإما أن سموتريتش على وشك تلقي صفعة القرن.
في جلسة كتلة حزبه البرلمانية الإثنين، تحدث وكأن مئير كهانا سيُنتَشَل من القبر غدًا، وسيتم تعيينه رئيسًا لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، ليأتي على رأس ستمائة ألف من جيوش الربّ لطرد جميع العرب من قطاع غزة وترحيلهم عنه.
سموتريتش.. ماذا يقول؟ وماذا يقصد؟
"من الواجب الآن تعيين رئيس هيئة أركان هجومي يؤدي بصورة كاملة، بدون تلكؤ وبدون تردد، المهمة الواضحة التي سيحددها لها المستوى السياسي ـ احتلال قطاع غزة ومنع سيطرة حماس على المساعدات الإنسانية، من أجل هزم حماس والانتصار في هذه الحرب"، قال سموتريتش.
"أنا اعمل مع رئيس الوزراء والمجلس الوزاري المصغر من أجل إعداد خطة عملية وضمان تحقيق رؤية الرئيس ترامب هذه على أرض الواقع. ليس ثمة ما يمكن أن يثير الانفعال في معارضة مصر والأردن الواهنة لهذه الخطة، وقد رأينا أمس كيف نفّذ ترامب تحركًا فعليًا ضد كولومبيا لطرد المهاجرين، على الرغم من معارضتها".
لو لم يكن سموتريتش وحزبه مركّبين جوهريين في هذا الائتلاف، الذي لم تكن لديه الأغلبية بدونهما ـ لكان الأمر هزليًا. لكن هذه، لسوء الحظ ومزيد الأسف، مأساة. لم يُسمَع صوت نتانياهو في القضايا السياسية.
نتانياهو ضعيف جدًا الآن
فقد قضى يومه في محاكمته، ومات تبقى منه قضاه في أوجاعه. نتانياهو ضعيف جدًا الآن ومنذ خضوعه لعملية جراحية في الشهر الماضي، ويجد صعوبة في التعافي.
الأشخاص الذين يدخلون إلى مكتبه ويخرجون منه يتحدثون عن إنسانٍ مُرهَق، يعدّل وضعية جلوسه باستمرار، لا يحظى بما يكفي من الراحة اللائقة والتي تتطلبها حالته. أما القوة القليلة التي تتبقى لديه، فهو يخصصها للقضايا الأكثر حساسية وأهمية وليس لديه أي وقت لإجراء محادثات تهدئة مع وزير ماليته الذي يهدد بالانسحاب من الائتلاف والحكومة.
في قضية الشابة المخطوفة أربيل يهود، كان بالإمكان التقاط الإشارة على مدى انفصال سموتريتش عن الواقع. فالجهة التي تدير الحدث كله هي دولة قَطر. هي التي استلمت دفة الريادة.
وقد وافق رئيس الحكومة القطرية، محمد آل ثاني، على إجراء القناة 12 في التلفزيون الإسرائيلي مقابلة معه لكي يوضّح من هو صاحب البيت الجديد. لم يقل الكثير. لكن مجرد إجراء المقابلة، في حد ذاته، هو الرسالة. ما هي مكوّنات قوّتهم ونفوذهم حيال حماس؟ ـ لا أحد يعرف في هذه المرحلة. لكن لديهم. أسهمهم في واشنطن ارتفعت وهيبتهم تعززت. هم اللوبي اليهودي الذي كان قويًا ذات مرة. مُنخرِطون جيدًا. "مبعوث ترامب عقد صفقة مع قَطر ولم أنتبه؟"، تباكى شمعون ريكلين على القناة الدعائية، "ثم وضع لنا مسدسًا على الطاولة؟".
"لقد قام ديوان نتانياهو بتضخيم مسألة المفاوضات بشأن يهود، لاعتبارات دعائية ومن منطلق الحاجة إلى إظهار "موقف حازم". في الواقع، كانت قطر سعيدة جدًا بتقديم المساعدة، لم تكن ثمة مفاوضات حقيقية ولم تكن ثمة أية حاجة إلى موقف حازم، صارم، صهيوني، قومي، واثق وفخور من جانب قائدنا. في قطر، كانت تُبثّ كل الوقت رسائل عن أن كل شيء على ما يرام.
لم تكن ثمة أية حاجة لطلب تدخل الولايات المتحدة. هم الذين بادروا إلى دفعة الإفراج الإضافية، التي لم تكن جزءًا من الاتفاق. شكّل هذا إنجازًا لنتانياهو، وكذلك إنجازًا لحماس.
إسرائيل لا تعرض مشاهد الاحتفال بتحرير الأسرى في قطاع غزة. الجزيرة تبث هذه الاحتفالات، مرة تلو أخرى. إنها استعراضات قوية تنظمها حماس للتأثير على الوعي وهم سعيدون بهذه الفرصة، في وقت يخوضون فيه حربًا على سردية الحرب في قطاع غزة، لإنتاج المزيد من صور النصر.
العودة إلى الحرب محض خيال
في الوضع الاستراتيجي الحالي، كل الحديث عن العودة إلى الحرب هي محض خيال. في القناة 14، عرضوا "سيناريو" يقول نتانياهو، في إطاره، لترامب إن لديه فترة رئاسية من أربع سنوات لكي يُنجز اتفاقية سلام مع السعودية، فليمنحه إذن أربعة أشهر إضافية لإنهاء المهمة في قطاع غزة.
وهذه المرة "بالسلاح" و"الدعم" اللذين لم تقدمهما إدارة بايدن. تلفيق إعلامي جميل من أجل تسويقه أمام قاعدته الشعبية، جمهور ناخبيه. لكن الواقع شيء آخر مختلف. مليون مُهجَّر في طريقهم الآن شمالًا. كان بالإمكان ترحيلهم مرة واحدة تحت هول صدمة السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. أما ترحيلهم الآن، خدمة لأحلام سموتريتش حول الهجرة الطوعية إلى مصر، فهو مشكلة أخرى تمامًا.
في منظومة الدولة الإسرائيلية ومؤسساتها السياسية، يتساءل كثيرون حول استراتيجية قطر في هذا الحدث. في نهاية المطاف، هو حدث تتجسد فيه مصالح اقتصادية، مع كل الاحترام للقلق الدولي على رفاهية سكان قطاع غزة.
تشير التقديرات في إسرائيل إلى أنّ قطر تريد مستعمَرَة في الشرق الأوسط. من خلال علاقاتها مع الإدارة الأمريكية واللعب الذكي بأوراقها الإقليمية، ستأخذ قطَر حق الملكية على قطاع غزة.
صحيح أن الحديث يدور الآن عن بناية خضعت لإجراءات مخطط هيكلي قُطري، تعرضت لزلزال، لحريق، لإجراءات إخلاء وبناء في الوقت ذاته، لكن قطاع غزة من الوجهة النظرية هو موطئ قدم في البحر الأبيض المتوسط. لديها حقل صغير من الغاز ينتظر التطوير، خطط قديمة لبناء ميناء في غزة.
وبشكل عام هي مُستعمَرة مُحتملَة لقَطَر ذات المساحة الصغيرة والتطلعات الكثيرة. تتمتع قطر، خلافًا لسموتريتش، بأهمية استراتيجية. وكل الموارد التي في حوزتها مرصودة الآن لصالح إنجاز المشروع الغزّيّ.
التعليقات