أكد التكامل بين مسؤوليات الإعلام والسياسة الخارجية


حاوره في المنامة: عمران مطر تريم

نفى وزير الإعلام البحريني محمد عبدالغفار عبدالله النية لإلغاء وزارة الاعلام، مشددا على تعزيز قدرة الاعلام البحريني على المنافسة والتوجه نحو انشاء العديد من القنوات الفضائية المتخصصة في مجالات عديدة، واشار الى التكامل بين مسؤوليات الاعلام ومسؤوليات السياسة الخارجية.

وأكد وزير الاعلام البحريني، في حوار مع “الخليج” وجود اجتماعات تشاورية على المستوى الثنائي والاقليمي لتعزيز قدرة وكفاءة الأجهزة الاعلامية العربية على التصدي لمجمل التحديات المتعلقة بالحفاظ على هويتنا القومية وثقافتنا الاسلامية، واستبعد انشاء قناة فضائية خاصة بالبرلمانيين في الوقت الراهن، معربا عن أمله في ان تشهد التجربة البرلمانية مزيدا من التطور خلال المرحلة المقبلة، معربا عن اعتقاده بأن سوق البحرين لا يتحمل اكثر من ست صحف محلية يومية وإن كان المناخ الإعلامي يرحب بالمنافسة، وتالياً الحوار:

* ما مدى صحة ما يتردد من ان هناك توجها لإلغاء وزارة الاعلام في البحرين، مع الاتجاه بإنشاء هيئات مستقلة للسياحة والثقافة وإلحاق الاعلام الخارجي بوزارة الخارجية؟

استطيع القول اجابة عن هذا السؤال المحدد انه ليس ثمة اتجاه أو تخطيط في الوقت الحاضر لإلغاء أو تفكيك وزارة الاعلام كجهاز وطني يتعاطى مع مسؤوليات وقضايا ذات طابع وطني في التطور الداخلي والتحرك الخارجي، ومن ثم فالمطروح الآن هو استمرارية هذا الجهاز الوطني الحيوي في ظل مناخ ديمقراطي يؤمن بالتعددية وحرية التعبير والاختلاف في الرأي واحترام كل الاتجاهات في المنافذ الاعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية ما دامت تلتزم بالشرعية والدستور والقانون.

وفي الوقت نفسه، فإنه من أجل إحداث انطلاقة قوية في قطاع السياحة كرافد مهم من روافد الاقتصاد الوطني المتطور ولانجاز أداء تنظيمي وإداري اكثر كفاءة وانتاجا وانسجاما مع متطلبات هذه الصناعة العصرية المتطورة، فقد وافق مجلس الوزراء أخيراً على اقتراح بإنشاء مجلس للسياحة يستهدف تعزيز وضع مملكة البحرين، بكل مقوماتها التاريخية والحضارية، على خارطة السياحة الاقليمية والدولية، والأمر ذاته بالنسبة لإنشاء مجلس للثقافة والتراث الوطني يرعى سياسة التنمية الثقافية، خاصة في مجالي التراث والفنون التقليدية بكل ما فيها من خصوصيات محلية تنفرد بها البحرين.

أما بخصوص قطاع شؤون الاعلام الخارجي، فما زال يؤدي دوره المنوط به بالوزارة في العمل على تعزيز الحضور الاعلامي البحريني اقليمياً وعربياً ودولياً للتوعية بأهم القضايا الوطنية والترويج للمملكة اعلاميا بما يعكس الإنجازات الحضارية والتنموية المحققة في ظل المشروع الاصلاحي للملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى.

* هل هناك توجه لإنشاء قناة فضائية مستقلة، خاصة بعد تجربتكم الاخيرة من خلال تطوير استوديو الاخبار في هيئة الاذاعة والتلفزيون؟

ان طموحات الانفتاح والتواصل الفضائي مع العالم الخارجي من خلال الاعلام المرئي، تحتل مكانة متقدمة على خارطة تطوير جهاز التلفزيون وفق خطة تحديث شاملة ومتكاملة تبدأ باستيعاب احدث التكنولوجيات المتاحة، وتدريب الكوادر الفنية، فضلا عن تخصيص الاعتمادات المالية اللازمة. وهذا بالضرورة هو ما يحدد قرارا مهما واستراتيجيا بحجم إنشاء قناة فضائية مستقلة تنقل صورة البحرين وسط هذا الزحام والتنافس غير المسبوق في الفضائيات العربية العامة والخاصة.

والمؤكد في هذا الصدد، ان اهتمامنا بتعزيز قدرة الاعلام البحريني على المنافسة في عصر السماوات المفتوحة لم تنقطع، لا سيما في ظل الشراكة مع القطاع الخاص، الأمر الذي يعبر عنه العديد من التحولات الجديدة في تطوير الوزارة، فكرا وتنظيما، ومن بينها تدشين العمل بمركز الاخبار الجديد، والتوجه نحو انشاء العديد من القنوات الفضائية المتخصصة في مجالات عديدة.

تطوير الإعلام

* ما المعوقات التي تقف حائلا بينكم وبين تحقيق طموحاتكم على مستوى تطوير أداء وزارة الاعلام؟

نحن نتحدث عن التحديات لا عن المعوقات، وتحدياتنا هي مواكبة الطفرة التكنولوجية الهائلة في مجال المعلومات والاتصالات في هذا العالم المترابط ووسط هذه الاحداث المتلاحقة، الاعلام المؤثر يزدهر في ظل مناخ ديمقراطي واستقرار سياسي وانفتاح اجتماعي وهو ما تتمتع به مملكة البحرين بفضل المشروع الاصلاحي الذي يقوده جلالة الملك لتحديث البحرين.

وفي هذا الاطار، أضحى الاعلام حقاً من حقوق الانسان، فالحق في المعرفة والحصول على المعلومات في الوقت المناسب من دون قيود أو حظر هو مسؤولية مجتمعية في الاساس، والحريات تقابلها التزامات ومسؤوليات يحددها الدستور والقانون، وتكمن التحديات الأخرى التي تواجهنا في السباق مع الزمن لمواكبة موجات التغيير وتنفيذ البرامج الطموحة في التطوير، وإعداد الكوادر البشرية ونقل الخبرات والتجارب، وفي النهاية خدمة المصالح الوطنية من خلال إعلام حر ديمقراطي مسؤول يرعى حقوق الوطن والمواطن.

* هل شكلت وزارة الإعلام عبئاً إضافياً أو حملاً ثقيلاً خارج تخصصكم، حين تم إسناد الحقيبة الوزارية لكم بالإضافة لتوليكم حقيبة وزارة الدولة للشؤون الخارجية؟

في العصر الحاضر، عصر المعلومات وثورة الاتصال، تلاشت المسافات وزالت فوارق الزمن مما أثر تأثيراً عميقاً في نقل الأحداث، بالتقارير والصور والتحليل والتعليق فانعكس بالضرورة على أداء كل الأجهزة الدبلوماسية ووزارات الخارجية في العالم كله، بما فيها منطقتنا العربية والبحرين بطبيعة الحال.

بل إنني أرى أن مسؤوليات الإعلام ومسؤوليات السياسة الخارجية فيهما الكثير من التكامل والتداخل وإن اختلفت القنوات، والمنابر وأشكال التعبير والقارىء المستهدف، فكلاهما يسعى للتأثير والاقناع وتوجيه الرأي العام داخليا وخارجيا، وكلاهما يسعى للحصول على المعلومات الدقيقة والصحيحة في إطار من الشفافية والمصداقية لاتخاذ القرار الصحيح.

ولاشك في أن خبرات العمل الدبلوماسي تعود بالفائدة على العمل الاعلامي، شكلاً ومضموناً، وكذلك فإن العمل الاعلامي ذو مردود مباشر وملموس على العمل الدبلوماسي وهو ما ألمسه كل يوم في النهوض بمسؤولياتي في وزارتي الخارجية والإعلام حتى وإن تضاعفت الأعباء من حيث الحجم والكم والوقت. وفي جميع الأوضاع، فإنني أعرب ببالغ الفخر والاعتزاز عن سعادتي بخدمة مملكتنا الحبيبة في مختلف المواقع والميادين، استرشادا بتوجيهات القيادة السياسية الرشيدة.

التنسيق الخليجي العربي

* كيف تصف علاقة وزارة الاعلام بنظيراتها في الخارج؟

على المستوى الخليجي والعربي، هناك لقاءات واجتماعات تشاورية دورية سواء على المستوى الثنائي أو الاقليمي عبر المستويات الرسمية لتنسيق السياسات وتبادل الخبرات، وبحث اتفاقيات التعاون تجاه قضايا الاعلام ككل من حيث علاقتها بالتنمية السياسية، أو الاجتماعية او الثقافية او التوعية الوطنية، فضلاً عن تعزيز قدرة وكفاءة الاجهزة الاعلامية العربية على التصدي لمجمل التحديات المتعلقة بالحفاظ على هويتنا القومية وثقافتنا الاسلامية، وتحسين الصورة السائدة والمشوهة لدى المجتمعات الغربية عن الواقع العربي ثقافيا وانسانياً، بالاضافة الى حشد كل مواردنا وطاقاتنا لنصرة قضايانا وحقوقنا العربية والاسلامية.

أما على المستوى الدولي، فإن قضايا حرية الصحافة وحماية الصحافيين وحرية التعبير وتدفق المعلومات كلها قضايا خاضعة للنقاش والتفاوض والجدل في اللقاءات العربية والدولية، حيث تسهم وزارات الاعلام برؤى دولها ومجتمعاتها في المحافل الدولية مثل منظمة “اليونسكو”، وغيرها من أجهزة الامم المتحدة بمنظومتها المتكاملة.

* كيف هي العلاقة مع وسائل الاعلام التي لها ممثلون في البحرين، هل هناك مساحات كبيرة من الحرية المتاحة لهم، وهل هناك ملاحظات توجه لهم أحياناً على ما يبثونه من تقارير؟

تمثل مملكة البحرين نقطة تجمع وانطلاق في الوقت نفسه لممثلي قطاع مهم من الصحافة العربية والعالمية، بوجودها جغرافيا في قلب أحداث الخليج العربي، وسياسياً لمناخ الأمن والاستقرار، ومناخ الانفتاح السياسي الذي يستشعره المراسلون ومندوبو وكالات الانباء.

وقد أسهمت وزارة الاعلام في تهيئة الظروف المثالية لتأسيس جمعية للمراسلين الاجانب وتزويد مقر لها مجهز بأحدث تقنيات الاتصال لتكون على مستوى أحداث المنطقة بالكلمة والصورة، مع ضمان حرية تغطية الاحداث دون عائق أو مصادرة أو حظر للآراء، ولا رقيب سوى الاخلاقيات المهنية المرعية وقوانين البلاد وتقاليد المجتمع.


المشروع الإصلاحي

* في رأيكم، كيف تغيرت صورة البحرين في الخارج بعد المشروع الإصلاحي لملك البحرين، وما كان إسهام وزارة الإعلام في ذلك؟

صورة أي دولة أو مجتمع، مهما كانت محاولات التحسين والتجميل، هي انعكاس دقيق للحقيقة والواقع بكل وقائعه وخلفياته. والمراقب لحقيقة الأوضاع، يلحظ أنه منذ تولي حضرة الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم في البلاد عام ،1999 ومملكة البحرين تشهد طفرة هائلة على صعيد الانفتاح السياسي، والتحديث الاجتماعي، والتطور الاقتصادي، محققة في ذلك انجازات أشادت بها التقارير الدولية الموثقة عاماً بعد عام، وتداولتها وسائل الإعلام العالمية، ودارت حولها الندوات والبحوث والدراسات.

وقد لعب الإعلام البحريني دوراً ريادياً مطلوباً في التعريف بالمشروع الاصلاحي لتحديث ونهضة البحرين، ونقل هذه الشهادات الدولية وإلقاء أضواء كاشفة على الايجابيات، متناولاً برؤية تحليلية موضوعية المستويات العالمية التي حققتها مملكة البحرين في مجالات التحول الديمقراطي بإقرار ميثاق العمل الوطني والملكية الدستورية، فضلاً عن الحفاظ على مكانة متميزة في مجال الحرية الاقتصادية، والتقدم المتحقق في التنمية البشرية وتمكين المرأة. ومن دون إعلام وطني مواكب لهذه النهضة الاصلاحية، لا شك في أن جوانب كثيرة مضيئة من هذه الصورة كانت ستظل في دائرة الظل بعيداً عن الضوء.

* لمسنا في مرات عدة امتعاضاً من نواب البرلمان يتعلق باختصار جلساتهم في القناة الفضائية مما حدا بهم لطلب إنشاء فضائية خاصة بهم، أين وصل هذا المقترح، ولماذا لا تبث الجلسات البرلمانية كاملة ومباشرة على القناة الفضائية؟

البث المباشر للأحداث والفعاليات والمناسبات الوطنية المهمة، سياسة ثابتة للتلفزيون في البحرين آخذاً في الاعتبار عوامل كثيرة تتصل بتلبية رغبات المشاهدين من مختلف الميول والاتجاهات والاختيارات، خاصة أن البرامج الإخبارية تمثل في كل أجهزة البث التلفزيوني قدراً محدوداً ضمن الخارطة الكاملة للبث التلفزيوني حتى إن بعض قنوات التلفزيون العربية والأجنبية أصبحت تخصص قناة تنفرد بإذاعة الأخبار والتحليلات السياسية فقط دون غيرها.

وفي الوقت الراهن، وحتى نصل الى هذه المرحلة المتقدمة، فإن سياسة البث تقوم على التنويع وتقسيم الأوقات بين الأخبار، والبرامج الأخرى تقديراً للمشاهد واحتراماً لحقوقه ورغباته لكننا في الوقت نفسه لا نغفل ولا نتجاهل مطلقاً حقه في التثقيف السياسي، حيث يبث نحو ساعة ونصف الساعة من مداولات مجلس النواب والشورى كل على حدة مع لقطات تفصيلية من جلسات البرلمان التي تمتد لساعات طويلة، على سبيل المثال، مما يعطي للمشاهد الإحساس الواقعي بالحدث بالصورة والكلمة، دون مساس بالمصلحة العليا للوطن وبثوابته الدينية والحضارية، والحفاظ على الوحدة الوطنية والعادات والتقاليد السائدة والمرعية في المجتمع البحريني.

أما بخصوص إنشاء قناة فضائية خاصة بالبرلمانيين، فإن الوقت ما زال مبكراً جداً لمثل هذا الاقتراح حالياً، لا سيما في ظل توافر منابر إعلامية متعددة في الصحف المحلية والإذاعة والتلفزيون للتعبير عن قضايا البرلمان، آملين أن تشهد التجربة البرلمانية مزيداً من التطور خلال الفترة المقبلة، ونؤكد في الوقت ذاته أن هناك دراسات جارية لتقييم جدوى إنشاء قناة سياسية إخبارية شاملة في ظل المنافسة المحتدمة على الساحة.

* في الساحة البحرينية ست صحف يومية أربع منها ناطقة باللغة العربية، وهناك مساع لإصدار ثلاث صحف يومية، هل حجم البحرين يتحمل وجود تسع صحف يومية؟

تأتي مملكة البحرين ضمن مقدمة البلدان الخليجية والعربية التي تحتل مرتبة متقدمة في سلم التعليم بمقاييس التنمية البشرية، ولها ريادتها الثقافية منذ بدايات القرن الماضي، ومن ثم فإن معدل انتشار المطبوعات، وتداول الصحف من المعدلات العالية رغم محدودية عدد السكان بشكل عام. إلا أن حرية التعبير وتعددية الاتجاهات والآراء في ظل ما تشهده المملكة من حراك سياسي فعّال قد أتاحت تعددية في وسائل النشر في الصحف اليومية والأسبوعية، ولا ننسى أن البحرين سوق مفتوح كذلك للصحف والمجلات والدوريات العربية والأجنبية، اضافة الى التنافس الحاد من وسائل الإعلام المرئية، فالعامل الذي يحدد صدور أو عدم صدور صحيفة جديدة هو في الأساس “درجة التشبع” أو درجة الاستيعاب في السوق الإعلامي التي تخضع لاعتبارات اقتصادية وصناعية وفنية في المقام الأول. وأنا شخصياً لا أحبذ أن تصدر أكثر من ست صحف محلية يومية، حيث إن سوق البحرين لا يستوعب أعداداً أكبر من الصحف اليومية، وإن كان المناخ الإعلامي في البحرين يرحب بالمنافسة، ويظل القرار النهائي لجمهور القراء والمثقفين والمتخصصين في تحديد الصحيفة القادرة على البقاء والاستمرارية وفقاً لقانون العرض والطلب، وفي إطار قواعد المنافسة العادلة.