السبت:14. 01. 2006


أسامه أنور عكاشة


ـ لماذا رحلت عن القاهرة واعتزلت؟rlm;..rlm;
وقبل أن يجيب واصلت تساؤلاتهاrlm;..rlm;
ـ كنت ملء السمع والبصرrlm;...rlm; وكانت المجلة التي أصدرتها ورأست تحريرها تمضي من نجاح إلي نجاح وتحقق خلال فترة قياسية شهرة مدوية وكان مقالك الأسبوعي حدثا ينتظره القراء ويظل محل حواراتهم وتعليقاتهم طوال الأسبوع وحتي يصدر العدد الجديدrlm;...rlm; حتي جاء عدد خلا من المقال ولم يجد القراء اسمك إلا في مربع صغير أسفل الصفحة يقول إن الأستاذ صrlm;.rlm;ك يعتذر عن كتابة مقاله الأسبوعي وسيواصل الكتابة بعد رجوعه من مهمة صحفية خارج مصرrlm;...rlm; وانتظرنا العودة لكنك لم تعدrlm;..rlm; مرت أسابيع وكرت شهور لم ينتبه فيها إلا القارئ المتفحص لغياب اسمك من ترويسة المجلة وحلول اسم آخرrlm;..rlm; وتناثرت أقاويل وشائعات لم يتتبعها إلا القلة ممن يعرفون قدرك ويفتقدون قلمكrlm;..rlm; فللناس مع النسيان قصة تاريخية تتكرر في رتابة الاعتيادrlm;..rlm; أما نحنrlm;..rlm; تلاميذكrlm;...rlm; وشباب الصحفيين الذين حفظوا لك الكثير من العرفان فقد اتفقوا في ثرثراتهم علي أنك تعرضت لمؤامرة بالغة الاتقان والحقارة أجبرتك علي الاستقالة والاعتزالrlm;.rlm;
صمتت ولهاثها يكاد يقطع أنفاسهاrlm;...rlm;
في صمت قرب منها كوب الماءrlm;...rlm; ابتسمت شاكرة ورشفت منه قليلا وحين بدأت تستعد لاستئناف الكلام بادرها في هدوء وايقاع وئيدrlm;...rlm;

ـ قصة قديمة دربت نفسي علي نسيانها حتي نجحتrlm;..rlm; ولا أريد أن أفسد نجاحي بالعودة إلي نكأ مااندمل من جراحrlm;..rlm; واستحضار عذابات لا أراني قادرا علي تحملها ولو بالحكي والروايةrlm;!rlm; فاذا كنت تفكرين في الحصول علي سبق تكشفين فيه للناس حقيقة ماحدث للسيد صrlm;.rlm;ك وتقدمين لقرائك قصة ميلودرامية شيقة فلست أراني قادرا علي مساعدتكrlm;..rlm; والآنrlm;.rlm; اسمحي ليrlm;!rlm;

ونهض عن مقعده وحياها بحركة خفيفة من رأسه ومضي مبتعداrlm;...rlm; ليسمعها تهتف في إثرهrlm;:rlm;

ـ أستاذrlm;..rlm; أرجوكrlm;..rlm;
سمع صوت إزاحة كرسي وخطوات تسارعت قليلا ثم تباطأتrlm;...rlm; وتوقفتrlm;!rlm; لم يلتفتrlm;!rlm; لم يشأ ان يضعفrlm;..rlm; ففي عينيها قدرة غير عادية علي التأثير في محدثها ومحاصرته وتهيئته للتسليم بما تريدrlm;..rlm; وتذكر أنه طوال رده علي كلامها كان حريصا علي إبعاد ناظريه عنها والنظر في اتجاه لايتقاطع مع مجال نظرهاrlm;..rlm;
دخل قاعة الاجتماعات وحاول ان يشغل نفسه بتدوين ملاحظاته علي المتحدثين والمتداخلين ولكن جزءا من وعيه كان منصرفا إلي ذلك الصف البعيد المخصص للصحفيينrlm;..rlm; بطرف عينه كان يبحث عنها وحين لم تدركها النظرة الجانبية التفت برأسه التفاتة كاملةrlm;..rlm; وضايقه أن شعورا بالاحباط قد داخله حين اكتشف أنها غير موجودة بالمرةrlm;!rlm; وسبب له هذا الضيق نوعا من العصبية غير المبررة فلملم وريقاته ونهض منسحباrlm;..rlm; وكاد يصعق حين لمحهاrlm;..rlm; كانت تجلس خلفه مباشرةrlm;..rlm; لذا لم تدركها نظرة البحث أو التفاتة الاستكشافrlm;!rlm; وكانت تلوح علي وجهها ابتسامة يسيرة لم يتح له أن يتمعنها فمضي لايلوي علي شئrlm;..rlm; كانت الليلة دافئة رغم تلك النسمات الخريفية التي تحمل عطرا اختلط باليود وملح البحر فانساب في الأعطاف يهدهد مشاعر التوتر التي بقيت تساوره منذ عودتهrlm;..rlm; وفي جلسته الأثيرة عند ركن الشرفة البعيد عن مشاعر التيارrlm;..rlm; قبع منكمشا وبجواره طاولة عليها كأسه وديوان شعرلنزار قبانيrlm;..rlm; كان مفتوحا علي إحدي القصائد تحت قنديل الشرفة يتماوج ضوؤه علي الصفحة طبقا لاهتزازات القنديل مع النسمات التي تسارعت فكادت تصبح ريحاrlm;:rlm;
علي دفترrlm;..rlm; سأجمع كل تاريخي علي دفترrlm;..rlm;
سأرضع كل فاصلةrlm;..rlm; حليب الكلمة الأشقرrlm;..rlm;
سأكتبrlm;..rlm; لايهم عنrlm;..rlm;
سأكتبrlm;..rlm; هذه الأسطرrlm;.rlm;
فحسبي ان أبوح هناrlm;..rlm; لوجه البوحrlm;..rlm; لاأكثرrlm;..rlm;
حروف لامباليةrlm;..rlm; أبعثرها علي دفترrlm;..rlm;
بلا أمل بأن تبقيrlm;..rlm; بلا أمل بأن تنشرrlm;..rlm;
زخة مطر مفاجئة لسعت وجههrlm;..rlm; وسقطت بعض قطراتها علي الديوان فأسرع يحمله مع الكأس الذي لم يرشف منه إلا قليلا ودلف إلي الصالةrlm;..rlm; حيث أريكته الوثيرةrlm;..rlm; في وسط مكتبة عامرة بعشرات الكتب التي لم يقرأها بعدrlm;(rlm; كان يحفظ الكتب المقروءة في خزانة غرفة المكتبrlm;..)..rlm; وضع ديوان نزار في مكانهrlm;..rlm; لأن دواوين الشعر لابد ان تبقي دائما في متناول يدهrlm;..rlm; إذ كان يحس دائما ان بداخله شاعرا مجهضاrlm;..rlm; جلس مسترخيا يفكر في وسيلة تشغله عن استرجاع أحداث اليومrlm;..(rlm; أفتقه أن يعطي أحداثا تافهة كما يراها أهمية لامبرر لهاrlm;..rlm; فكان من شأن الحنق ان زاده توتراrlm;..)rlm; وقرر أخيرا ان لاشئ أفضل من التليفزيونrlm;..rlm; هناك تلك الفضائية المتخصصة في عرض الأفلام الأجنبيةrlm;...rlm; وستتيح له أن يندمج مع أحدهاrlm;..rlm; ولابأس إذا اجتذبه النومrlm;,rlm; فكثيرا مانام علي هذه الأريكةrlm;..rlm; ربما أكثر من سريرهrlm;..rlm; هو يكره غرفة نومهrlm;..rlm; بل يكره كل غرف النوم في أي مكانrlm;..rlm; لهذا رفض ان يقيم في الفندق الذي يستضيف المشاركين في المؤتمرrlm;..rlm;
كادت خواطر غرف النوم ان تجتذبه الي مساحات من الذكريات التي جهد طويلا لدفنها ـ ولعله نجح في تخزينها خلف أبواب العقل الباطن أو خيل إليه ذلكrlm;..rlm; وأمسك بجهاز التحريك عن بعد ليفتح التليفزيون لكن جرس التليفون قاطعهrlm;...rlm; نظر إلي شاشة اظهار رقم الطالبrlm;..rlm; فلم يجد رقماrlm;..rlm; مما يشير إلي أن المكالمة واردة من أحد الفنادق أو ربما من الخارجrlm;...rlm; تردد قليلا تم رفع السماعة

ـ نعمrlm;...rlm;
ـ أستاذيrlm;!rlm; هل أنت غاضب مني؟rlm;..rlm;
فاضت مشاعره فجأة واكتشف أنه كان ينتظر هذه المكالمةrlm;..rlm;

ـ ولماذا أغضب منكrlm;..rlm; وأنت من يحق لها أن تغضب؟

ـ أنا غاضبة من نفسي لأني اقتحمت سياجك اليوم مرتينrlm;!rlm;
ـ ربما أعرف الأوليrlm;...rlm; ولكنrlm;..rlm; ماهي الثانية؟

ـ هذه المكالمةrlm;..rlm; هاتفتك دون إذنrlm;...rlm; فأنت لم تعطني رقم هاتفكrlm;..rlm; وتحايلت حتي حصلت عليهrlm;!rlm;
ـ أهلا بك وأنا لست غاضبا في الأولي ولا في الثانيةrlm;..rlm;
حقاrlm;...rlm; إذا فستقبل دعوتيrlm;..rlm; أنا مع بعض الزملاء في محل صغير وأنيق له شهرة كبيرة في الاسكندريةrlm;..rlm; وهم يريدون ان يحتفلوا بعيد ميلاديrlm;..rlm; وأنا لن أحتفل إلا إذا حضرتrlm;..rlm; فهل تحضر؟

rlm;....rlm; طبعا لاrlm;...rlm; كيف يقحم نفسه علي مجموعة من الشبابrlm;..rlm; لايعرفهم وقد لايألف أسلوبهم في الاحتفال؟rlm;..rlm; ثم ان حالة الطقس قد ساءتrlm;...rlm; وهولايريد أن يتعرض لنزلة برد قد تجدد معاناة صدره من الحساسية القديمةrlm;...rlm; ثمrlm;...rlm;
انتهي من ارتداء ملابسهrlm;..rlm; وذهب إليهمrlm;.rlm;