وليد شقير


هل إن الهدف مما يجري في لبنان حالياً ابقاء الوضع فيه معلقاً الى حين اتضاح المشهد الاقليمي أو بعضه على الأقل، أم أن الهدف فتح جبهة فيه ضد السياسة الأميركية والدول العربية المسماة معتدلة، وتحويله الى ساحة نفوذ للسياسات المضادة للنفوذ الأميركي في المنطقة.

وفي الحالين فإن ايران وسورية تسعيان الى جعل البلد، القابل بتركيبته وبتدافع الأحداث فيه للتدخلات الخارجية، ورقة بيدهما في سياق المواجهة التي تخوضانها مع الغرب، في العراق وفلسطين (وافغانستان بالنسبة الى طهران، ناهيك من موضوع الملف النووي الإيراني). ولهذا السبب يطرح السؤال عن الهدف من امتلاك تلك الورقة اللبنانية. هل لإبقاء مصير البلد معلّقاً الى أن يحين أوان التسويات أو المواجهة نتيجة انسداد أفق التفاوض في سائر الملفات الاقليمية، أم لتحويله الى ساحة صراع مفتوح مهما كانت الاحتمالات خطرة على نسيجه المعقّد والمتشابك؟

تتأرجح الأجوبة عن أي الهدفين، قياساً الى تقدير ما تريده دمشق وما تريده طهران. فعلى رغم اندفاع مئات الآلاف من مناصري المعارضة اللبنانية الى الاعتصام المفتوح الذي دعت اليه لإسقاط الحكومة، فقد بات واضحاً أن الأمر يتعدى هدف تأمين مشاركة المعارضة في السلطة وتصحيح التمثيل. انها مطالب ترمز الى الصراع الاقليمي ndash; الدولي الذي أطلقه كل من الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه الشهير غداة انتهاء الحرب الاسرائيلية على لبنان، والمرشد الأعلى للثورة الاسلامية السيد علي خامنئي في خطابه في عيد الفطر، عن الحاجة الى التغيير في لبنان في مواجهة السياسة الأميركية والذي كرَسه لاحقاً في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) حين قال ان لبنان سيكون ساحة لهزيمة أميركا.

إلا أن الاتفاق في الاهداف بين دمشق وطهران لا يلغي امكان التباين في الوسائل. واذا كانت العاصمتان الاقليميتان المؤثرتان تخوضان حرباً ضد أميركا في زمن التراجع الأميركي في العراق وفلسطين، فإن لكل منهما سببها كي تعتبر تلك المواجهة حرباً من أجل البقاء. فاذا تهاونت طهران في الملف النووي يعني هذا مقدمة لاستهداف نظامها، واذا تهاونت دمشق في قيام المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يعني ذلك التحضير لتطويع نظامها وإضعافه. هذا ما يبرر السياسة الهجومية التي يتبعها كل منهما في سائر مواقع المشهد الاقليمي، في سياق الدفاع عن النفس في مواجهة سياسة أميركية أصيب هجومها على المنطقة بالفشل الذريع وخصوصاً في فلسطين والعراق.

ومع عمق توافق المصالح والتقائها بين طهران ودمشق، فإن الأولى تفضل اعتماد سياسة laquo;تعليقraquo; الوضع اللبناني، أي الحؤول دون قيام معادلة مستقرة، في انتظار ما سيكون اقليمياً. أما دمشق فلا مانع لديها من حل أكثر جذرية حتى لو كان تفكيك البلد وتوجيهه نحو الفوضى، لأن القيادة السورية ما زالت تعتقد، كما كانت تعتقد عندما كانت تدير شؤونه التفصيلية، أنها قادرة على اعادة تركيبه وفق ما ترتأيه هي، حتى لو أدى هذا التفكيك أو تلك الفوضى الى تصاعد التناقضات المذهبية الى الحد الذي شهدته الأيام الماضية، التي يمكن أن تشهدها المرحلة المقبلة من الصراع.

من مصلحة طهران أن تبقى نتائج الصراع لتعطيل استقرار المعادلة في لبنان، والحؤول دون اقفاله كبوابة للصراع مع السياسة الأميركية، محدودة ومحصورة فلا تؤثر في موقع laquo;حزب اللهraquo; في التركيبة الاجتماعية ndash; السياسية. وهي لا ترى أن من مصلحتها ان يغرق الحزب في الصراع المذهبي، لأن انغماسه فيه يؤدي الى تعطيل دوره كرأس حربة في المواجهة المحتملة، المقبلة مع السياسة الأميركية من بوابة الجنوب.

وفي اختصار فإن طهران لديها أسباب جوهرية حتى تقلق من إلهاء الحزب بالتناقضات المذهبية عن دوره الممكن في حال دفعها الاضطرار الى حرب أخرى مع اسرائيل.

أما حسابات دمشق اللبنانية فهي أكثر شمولية نظراً الى قدراتها على التحكم بالوضع اللبناني ولأن تعطيل المحكمة الدولية يتطلب الإمساك بالقرار اللبناني مهما كان الثمن. وفي امكانها التعويض عن اضعاف laquo;حزب اللهraquo; بسبب تحويله الى قوة مذهبية وبفعل اتساع الصدامات المذهبية، بتعدد مواقع نفوذها، حتى لو ذهب لبنان الى صدام مفتوح.

طهران تهتم باستخدام وسائل تحمي الحزب ودمشق ترى أن حماية الحزب من نفوذها، مهما كانت الأضرار التي تصيبه. الأولى لا تريد فرط التركيبة اللبنانية والثانية لا تمانع لثقتها بقدرتها على اعادة صوغها. كما أن دمشق في ذروة شعورها بالاستقواء في لبنان، للمرة الأولى منذ انسحابها منه، بسبب امساكها بخيوط تحركها من بعد ومن قرب، لن تقبل بأن يمسك غيرها بمفاصل الوضع اللبناني، حتى لو كان حليفها الإيراني. فما تمسكه طهران من أوراق كانت سورية تمسكها أصلاً، يفوق ما تحتمله القيادة السورية. فلبنان مجالها الحيوي، وحصتها وحدها والميدان الذي لا تقبل مقاسمتها النفوذ فيه، حتى لو كان laquo;حزب اللهraquo; هو حصان الحليف الذي يريد أن يقاسمها هذا النفوذ.