عبده خال


أعرف الأستاذ علي العمير من وقت مبكر، فحينما كنت طفلاً أدرس بمدينة الرياض، كانت ثمة جلسات متفرقة لأهل جازان يتجمعون فيها في يوم الجمعة.. وعلى ما أظن أن الأستاذ العمير كان في حي الصالحية بالرياض يأتي إلى حي الملز (العماير) أو في جبل أبومخروق عند ثلة من أهل جازان، وكنت ألمحه بين جلسة وأخرى في تلك المدينة المتسعة، فلم يكن يسمح للأطفال بحضور المقيل، وعندما يذكر اسمه يذكر بالتبجيل لمواقفه الجريئة والحادة في الشأن الاجتماعي والأدبي، وبسبب تلك المواقف حكم عليه حكم شديد بسبب موقف أدبي كتبه ذات مرة، لكنه سلم من ذلك الحكم (وهذه الحكاية سمعتها منه وكنت أتمنى أن يكتبها).. حينما بدأت الكتابة كنت متشوقاً للجلوس معه إلا أن صفة الحدة التي لازمته منعتني من ذلك خشية على نفسي وعلى قلمي من أن يكسره ذلك القروي العتيد الذي ترك رأسه تحت الشمس من غير أن يتوجع من حرارة قلمه التي تترك له في كل زاوية ضغينة ما.رأيته في مواقع كثيرة،وفي كل مرة كانت تسبقه حدته التي عرفت عنه، هذا الهروب منه،أوقفني ذات مرة أمام قلمه،وكتب مقالة (نارية) عن قصة كتبتها بعنوان (شيء خارج الذاكرة) لتستجلب مقالته الكثيرين للحط من قيمة تلك القصة ورفع سيرتي على الألسنة بأن هذا الكاتب الغر يشوه المجتمع ويدخل به الى الأدب المفضوح.ومضت تلك الذكرى بمنغصاتها،ومع الزمن وجدت أن الاستاذ علي العمير انسانا وديعا دمثا ndash; بعكس قلمه تماما ndash; وفي الاسبوع الماضي قرأت مقالة للاستاذ العمير عن شخصي وبراعتي في معرفة تفاصيل كرة القدم، ولو عرف استاذنا العمير أن أبناء الحواري انغمسوا في هذه اللعبة لما اندهش لذلك، فأبناء الهنداوية سلوتهم الوحيدة كانت لعبة كرة القدم ومتابعة أخبارها وليسأل العمدة محمد صادق دياب عن تعلق تلك الحارة بالكرة.. استجلبت هذه المقالة ذكرى سيئة بالنسبة لي الا أنها وطدت علاقتي بالاستاذ العمير كأستاذ تجاورنا في القرى وتجاورنا في الاحياء وفي التصاهر لكن قامة قلمه منعتني من الاقتراب منه بما يفيدني كثيراً.. فتحية لأستاذي الفاضل وليبق متوهجا كما عرفناه وأحببناه.