عزة سامي

يخطيء من يظن ان تغيير الحكومات في إسرائيل أو استبدال حزب بحزب آخر أو تعاقب المسئولين يعني تغيير استراتيجية وضعت وفقا لمتطلبات الدولة العبرية منذ زمن طويلrlm;,rlm; فتلك الاستراتيجية ليست وليدة اللحظة بل إن عمرها يرجع الي ماقبل إنشاء الدولة العبريةrlm;,rlm; فهاجس إسرائيل الأول كان ولايزال هو التفوق الديمجرافي للفلسطينيين وهو التفوق الذي تقرر تعويضه بالهجرة سواء الفردية أو الجماعية وهذا العمل يدخل ضمن اختصاصات وكالة الهجرة اليهوديةrlm;.rlm;

الوكالة المسمي عليا وتعني بالغة العبرية الهجرة تعمل ضمن برنامج محدد ودراسات مستفيضة تضع في معطياتها ظروف اليهود في كل دولة وعددهم ونوعيتهم من حيث الكفاءة ومستوي المعيشة والميول الاجتماعية وغيرها من الأمور التي تجعلها قادرة علي تكييف حملاتها في كل دولة وفقا للمستهدفين من الحملةrlm;.rlm;

ويأتي يهود فرنسا علي رأس المستهدفين من حملات وكالة الهجرة اليهوديةrlm;,rlm; من حيث كونهم يمثلونrlm;3%rlm; من تعداد السكان الفرنسيين حيث يبلغ عددهمrlm;600rlm; ألف يهودي ويأتون في المرتبة الثانية من حيث كونهم أكبر الجاليات اليهودية بعد الولايات المتحدة الأمريكيةrlm;,rlm; ولكن لما كانت هذه الجالية من أكثر الجاليات اليهودية استقرارا واندماجا في بلدهم الأم بالاضافة الي كون اليهود الفرنسيين يمثلون النخبة المثقفة والمتعلمة بالمقارنة مع غيرهم ممن يعيشون في الدول الأخري نظرا لما يتمتعون به من تعليم عال يجعلهم علي قدر كبير من الكفاءة المهنية في التخصصات المختلفة من التعليم والطب والهندسة والتكنولوجيا وغيرهاrlm;,rlm; فان وكالة الهجرة اليهودية لم يكن أمامها من وسيلة لاختراق هؤلاء وتشجيعهم علي ترك بلادهم سوي تأسيس حملتهم علي أساس فكرة إثارة الفزع واللعب علي عقدة الخوف والاضطهاد التي تحولت الي واحدة من أهم السمات المتأصلة في الجاليات اليهوديةrlm;,rlm; وهكذا توالت الدعوات سواء من جانب عملاء الوكالة أو كبار المسئولين الإسرائيليين علي رأسهم رئيس الوزراء السابق شارون لليهود الفرنسيين من أجل الفرار من فرنسا التي علي حسب ادعاءاتهم تحولت الي تربة خصبة لمعاداة السامية في ظل تزايد اعداد المسلمين الفرنسيين من أصول عربيةrlm;.rlm;

وفي سبيل تأصيل هذا المفهومrlm;,rlm; فإن عملاء عليا سواء الظاهرون منهم أو المندسون بين صفوف هذه الجالية عمدوا إلي الترويج لهذه الفكرةrlm;,rlm; اما بالتضخيم الاعلامي لكل حادثة اعتداء ضد يهودي أو بافتعال حوادث اثبتت تحقيقات رسمية ان ضحاياها هم أنفسهم مرتكبوهاrlm;,rlm; كتلك الحادثة التي ادعت خلالها فتاة ان مجموعة من المسلمين قد اعتدوا عليها في المترو لأنهم اعتقدوا أنها يهوديةrlm;,rlm; ليثبت بعد ذلك وفقا لتأكيدات المسئولين الفرنسيين أن رواية الفتاة ملفقة وانها هي التي مزقت ملابسها بنفسها وهو ما يدخل ضمن حملة التهويل التي تقوم بها عناصر خفية وهكذا لم يعد مستغربا أن نقرأ ـ بين الحين والآخر ـ عن حادثة اعتداء ضحيتها يهودي فرنسي ومرتكبها عربي مسلم أو نسمع عن اشتعال حرائق في مبني يخص الجالية اليهودية وهي حوادث ـ ان صحت احيانا أو كذبت احيانا أخري ـ فهي تدخل ضمن اطار عملية التضخيم الاعلامي لتبدو ذريعة لإقناع اليهود الفرنسيين بالهجرة السريعةrlm;.rlm;

ويبدو أن هذه الحملات قد نجحت الي حد كبير في الدفع باعداد غفيرة من يهود فرنسا الي الهجرة الي اسرائيل علي اعتبار انها وسيلة للعيش في سلام بعيدا عما يمكن ان يتعرضوا له من تهديدات ولكن إذا كانت هذه حجتهم التي لا يكفون عن ترديدها لتبرير رحيلهم من الدولة التي احتضنتهم ولم تبخل عليهم بشيء حتي منحهم الجنسية هو من الأمور التي كانت محرمة حتي قيام الثورة الفرنسيةrlm;,rlm; فلماذا إذن يختارون بكامل أرادتهم وبملء وعيهم التطوع في الجيش الإسرائيلي بل يختارون الفرق الأكثر تعرضا للخطر علي جبهة القتال؟ اليس ذلك دليلا علي كذب ادعاءاتهم بأنهم اصبحوا هدفا للجماعات الإسلامية والجاليات العربية التي تعيش في فرنسا ولا تجرؤ الحكومة الفرنسية ـ علي حسب ادعاءاتهم ـ علي وضع حد للعنف الذي يمارس ضد اليهود بل ولا تجرؤ علي الوقوف ضدهم خوفا من تكرار سيناريو العنف في الضواحي؟ أليس في تطوعهم هذا دليل علي انهم لا يخشون الموت وان هجرتهم ليست بدافع الخوف بل انهم مقتنعون أشد الاقتناع بضرورة العودة الي أرض الميعاد والعمل في خدمة دولة إسرائيل وهو ماينتفي معه ادعاؤهم بأن فرنسا في ظل تنامي أعداد العرب المسلمين لم تعد البلد الآمن الذي عاشوا فيه من قبلrlm;,rlm; وبأن ا
لمسئولين الفرنسيين قد تجاهلوا مواطنيها من اليهود ولم يعودوا يفكرون سوي في تأييد العرب وإظهار تعاطفهم مع الفلسطينيين وتأييدهم لقضيتهمrlm;,rlm; شهادة أحد الجنود الإسرائيليين من أصل فرنسي لخير دليل علي ذلك حيث يقول علي فرنسا ان تختار بين الحثالة واليهودrlm;..rlm; لقد أوضحت لنا تماما الي أي جانب تميل وأنا لا اعتقد أنها تملك حرية الاختيار فاليهود في فرنسا ليس لهم وزن علي الاطلاقrlm;,rlm; أما الآخرون فيستطيعون ان يحرقوا آلاف السيارات إذا تمت استثارتهم تلك شهادة نشرت في مجلة لوبان الفرنسية ضمن تحقيق مطول عن أوضاع اليهود الفرنسيين في اسرائيل خاصة الذين اختاروا ان يتطوعوا في الجيش الإسرائيل كملأ ارادتهم وتناولت بالبحث والتحليل أسباب هذه الظاهرة التي تعد جديدة من نوعها إذا ما قارنها بالماضي عندما كان المهاجرون من أصل فرنسي يعملون في المهن المختارة من طب وهندسة وبنوك ويعيشون في المستعمرات المتميزة علي شواطئ البحر في فيلات أو بيوت يدفعون ثمنها باهظاrlm;,rlm; ويعقب أحد الحاخامات والمرشد الروحي للقاعدة العسكرية التي يطلق عليها اسم نيهال هاريدي العسكرية علي هذه الظاهرة بقوله ليس هناك مايدعو للاستغراب فالشباب الفرنسي يريد أن يخدم دولة إسرائيل لأنه
لا يشعر بالراحة في بيئة مسيحية التي تبدو من وجهة نظره تميل الي الاسلمة بسرعة كبيرة ثم يضيف في موطن رأسهم يضطر هؤلاء الشباب الي سماع خطاب عدائي ضد اليهود وضد إسرائيل مثل ما يقال لهم عن ان عودة يهود الشتات هي اختراع صهيونيrlm;,rlm; أما اليسار فيتهمهم بكل الشرور في الوقت الذي يظهر فيه المسلمون نحوهم عدوانية غير عاديةrlm;,rlm; اما المعادوون للسامية فينتظرون أية فرصة لقطع رقابهم ومن ثم فان البعض منهم يريد إعادة اكتشاف تاريخه وبالأخص المشاركة فيهrlm;.rlm;

هذا علي الأقل ما يريد اليهود ان يروجوا له ولكن تبقي الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها وهي ان اليهود مهما مر بهم الزمن ومهما وصلت درجة انتمائهم الي دولة أو الاندماج فيهاrlm;,rlm; فانهم يظلون غير قادرين علي العيش إلا في مجتمعات مغلقة عليهم ولذلك نجد لهم في كل دولة جايتو محاط بأسوار عالية توفر لهم احساسا بالأمان والعزلةrlm;,rlm; ومن هنا فلم يكن بالغريب عليهم ابدا تصميمهم علي الاستمرار في بناء الجدار العازل الذي يفصل بينهم وبين الفلسطينيين فهم أولا وأخيرا يريدون ان يعيشوا فيما يشبه حارة كبيرة لليهودrlm;,rlm; وان كانت هذه المرة أكبر مما اعتدوا عليه في الدول الأخري إلا أن الفكرة المسيطرة عليهم ستظل أبدا ودائما هي الرغبة في العيش منعزلين عن العالم الخارجيrlm;,rlm; فعقدة الخوف أو الاضطهاد ليست وليدة أعمال عدائية ضدهم بقدر ما هي فكرة متأصلة داخل نفوسهمrlm;.rlm;