د. السيد - عوض عثمان

تتزايد مخاوف قوات الأطلسي وقوات التحالف في أفغانستان من وعيد قوات ldquo;حركة طالبانrdquo; من ربيع دموي خطر وساخن بعد الهدوء الشتوي التقليدي على جبهات القتال، بعدما شهد العام الماضي الهجمات الأكثر عنفا منذ أطاحت قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، بنظام حكم ldquo;طالبانrdquo;، نهاية عام ،2001 واعتراف جنرالات من قيادة ldquo;الناتوrdquo; بأن مقاتلي ldquo;طالبانrdquo; حاربوا بشراسة مذهلة.

تكمن مبررات تفاقم هذه المخاوف في الصعوبة والتعقيدات التي تصادفها هذه القوات الأجنبية، وما ستواجهه من هجوم قوي ومهمات ميدانية صعبة، تفرض عليها الاستعداد وإظهار التعبئة والجهوزية للتعاطي معها بصورة أفضل، لاسيما بعد عودة حركة ldquo;طالبانrdquo; للبروز بقوة في صدارة المشهد السياسي الأفغاني، ورفض أن تكون اسما من الماضي، بعد تزايد العمليات التفجيرية والتي ارتفعت من حوالي 50 عملية عام ،2005 إلى نحو140 عملية خلال العام الماضي، والقنابل المزروعة في الطرقات، وتصاعد المواجهات العسكرية المسلحة ضد قوات الناتو والقوات الحكومية الأفغانية معا، والتي وصلت حاليا إلى مستويات قياسية، وتوسيع نطاق هذه العمليات، بعدما حصلت ldquo;طالبانrdquo; على أسلحة وتجهيزات عسكرية حديثة، بما فيها القدرة على إسقاط المروحيات، وامتلاك القدرة العسكرية على تكبيد القوات المتعددة الجنسيات المزيد من الخسائر المادية والبشرية، وتوعدها بشن هجوم كبير في الربيع، ثم في الصيف، يهدف إلى السيطرة على الأقاليم الجنوبية من أفغانستان، مثل قندهار وهلمند، بعد السيطرة على الريف الأفغاني بأكمله، ووضع مخططات لاغتيال شخصيات بارزة في الحكومة، وذلك لزعزعتها وإبعاد قيادات عنها.

ومما لا شك فيه أن قوات ldquo;الناتوrdquo; ستواجه قوات حركة طالبان المتمرسة على حرب العصابات القاسية، والقادرة على شن عمليات عسكرية طويلة المدى، حيث مخاطر جاهزية المقاتلين، وجودة ودقة عملية جمع المعلومات الاستخباراتية، عشية ldquo;الهجوم الربيعيrdquo; الذي توعدت حركة ldquo;طالبانrdquo; بشنه ضد قوات التحالف، ومخاوف واشنطن حياله، والتي تكون وراء زيارة نائب الرئيس الأمريكي، ديك تشيني، المفاجئة الأخيرة لإسلام أباد. والتساؤل المركزي الذي يطرح نفسه: هل بمقدور قوات التحالف إحباط هذا الهجوم المتوقع وإنجاح مهمتها الصعبة للغاية في أفغانستان، أم أن الفشل سيكون سببا في تقويض التحالف، وتداعيات ذلك السلبية، في ضوء المأزق والورطة في مستنقع الحرب في العراق؟

الهجوم على باغرام

تتبدى دلالة الهجوم الذي تعرضت اليه قاعدة باغرام الجوية في 27 فبراير/شباط الماضي، ذات المساحة الشاسعة، والمقر الرئيسي للقوات الأمريكية والاستخبارات التابعة لها في أفغانستان، والواقعة إلى الشمال من العاصمة كابول، والذي تبنته حركة ldquo;طالبانrdquo; فيما وصلت اليه الحركة من قدرة متزايدة على الاختراق الأمني الخطير الذي تمكنت ldquo;طالبانrdquo; من تحقيقه، والذي يوحي بما يمكن أن تكون عليه هجمات الربيع الدموية المرتقبة في أفغانستان. فعلى الرغم من خصوصية هذه القاعدة الجوية، فقد تمكن أحد مقاتلي الحركة من التخفي داخل إحدى الشحنات المحملة بالمواد التموينية المرسلة إلى القاعدة الأمريكية، البالغة التحصين، وترجل عند نقطة التفتيش بعد البوابة الأولى، حيث تظاهر بأنه أحد العاملين في القاعدة، واتجه إلى مكان الجنود الأمريكيين، وعانق أحدهم، ثم فجر شحنة المتفجرات التي يحملها، خلال وجود نائب الرئيس الأمريكي، ديك تشيني داخل القاعدة، والذي لم تتم إصابته، بينما أسفر الهجوم عن سقوط 14 قتيلا، بينهم جنديان أمريكيان، وآخر كوري جنوبي، إضافة إلى جرح حوالي 20 آخرين.

مثل هذا الهجوم الانتحاري الأكثر جرأة ضد قوات التحالف ليس مشهدا من فيلم هوليوودي، وإنما في سياق المأزق الذي يواجه قوات التحالف في المستنقع الأفغاني، وعدم القدرة على تأمين البلاد والحيلولة دون استعادة ldquo;طالبانrdquo; للسلطة مجددا، لاسيما في ضوء تصريح قائد الحركة، الملا عمر، ورسالته الموجهة إلى جميع قيادات المجاهدين الذين شاركوا في إطاحة نظام ldquo;طالبانrdquo; بمزيد من الوعيد والاغتيالات، وتوعده بدحر جميع القوات الأجنبية خارج البلاد، وحثه مقاتلي حركته على التضحية بأرواحهم، وعدم الاستسلام أو تقبل الهزيمة، ذلك بأن الحركة تخوض ldquo;حرب تحريرrdquo; ضد احتلال القوات الأجنبية، وتكتسب تأييدا شعبيا واسعا مع مرور الوقت، وتواجدها في كل الأقاليم، إضافة إلى نشاط ميليشيا زعيم الحزب الإسلامي، ورئيس الوزراء الأفغاني الأسبق، قلب الدين حكمتيار، في شرق أفغانستان على طول الحدود مع باكستان، ودعمه لزعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، ومساعده أيمن الظواهري، وإبداء الرغبة في القتال تحت رايتهما، ضد وجود القوات الأمريكية وقوات حلف ldquo;الناتوrdquo; الغازية، الأمر الذي دفع بمسؤول باكستاني، رفيع المستوى، إلى القول إن ldquo;تمردrdquo; حركة طالبان سيتحول إلى ldquo;حركة مقاومة''، وحرب تحرير وطنية ضد قوات التحالف. وفي هذا السياق، لا تتحمل أعصاب الإدارة الأمريكية تكرار رؤية مشاهد أن تفقد السيطرة بعد ldquo;الانتفاضةrdquo; في كابول في مايو الماضي، حيث أظهرت الأحداث عجز حكومة الرئيس حامد قرضاي، ومعها القوات المتعددة الجنسيات، عن إحكام السيطرة على العاصمة، المفترض أنها الأكثر ldquo;أمناrdquo; في أفغانستان، أو رؤية رايات ldquo;طالبانrdquo; ترتفع على إقليم قلعة موسى الاستراتيجية جنوب البلاد، في ولاية هيلمند المحاذية للمثلث الحدودي مع باكستان وإيران، بعد أن بسط مقاتلو ldquo;طالبانrdquo; السيطرة عليها، ونزعوا الأعلام الأفغانية عن مبانيها الرسمية، حيث شكل هذا التطور حدثا بارزا إذ أحبط أبرز محاولة لقوات التحالف لتشجيع القبائل الأفغانية على إدارة شؤونها من دون الاعتماد على دعم قوات التحالف، وتدخل القوات البريطانية لطرد حركة ldquo;طالبانrdquo; منها، وتدمير القرية التي لا يتجاوز عدد سكانها عشرة آلاف، بقسوة بالغة جراء القتال الدائر، ومشاهد مؤلمة لاغتصاب النساء المسلمات، وإرغام معظم سكانها على الفرار، الأمر الذي دفع السكان المحليين إلى الاستنكاف عن تأييد القوات الصديقة.

في الوقت الذي يتأهب فيه قرابة عشرة آلاف ldquo;انتحاريrdquo; حسب التسميات الغربية وبجاهزية مرتفعة والاختباء والتحصن بصورة جيدة لشن هجمات واسعة في الربيع والصيف، حسبما أشار الزعيم العسكري لحركة ldquo;طالبانrdquo;، الملا داد الله، فإن المعضلة التي تواجه قيادة قوات ldquo;الناتوrdquo; في أفغانستان، وكما يشير الخبراء العسكريون، تتمثل في تواجد نقص يقدر بنحو 20 في المائة في القوات الضرورية والمعدات في جنوب أفغانستان لمواجهة هذا الهجوم المرتقب، والهجمات المتواصلة، والمزيد من الأموال، وليس إعادة نشر القوات الموجودة لإلحاق الهزيمة بقوات ldquo;طالبانrdquo;، ما يعكس صعوبة على الرغم من أن عدد قوات ldquo;الناتوrdquo; المنتشرة في أفغانستان قد ازداد من تسعة آلاف إلى أكثر من 33 ألفا خلال تسعة أشهر. ولم تلتزم سوى الولايات المتحدة (حيث تشكل الجسم الأكبر من القوات الأجنبية: 26 ألفا) وبريطانيا (التي يتواجد لها 5200 جندي على أن تدعم ب 500 1000 جندي) بإرسال المزيد من القوات، في حين وافقت ألمانيا فقط على إرسال المزيد من الطائرات. وكان ldquo;الناتوrdquo; قرر إرسال لواء إضافي (بين 1500 و3500 جندي) إلى أفغانستان، فيما مددت الولايات المتحدة مهمات وحدات كانت قد أعلنت أنها ستسحبها هذه السنة، وأنها ستقدم مساعدات إضافية بقيمة 6،10 مليار دولار لقوات الأمن الأفغانية وجهود الإعمار، في حين امتنعت كندا (2500 جندي) وهولندا (2200 جندي)، إلى جانب دول أخرى في التحالف تسهم بقوات صغيرة، وقوات أخرى لا تزال تتردد في المجيء إلى أفغانستان، عن إرسال المزيد من القوات. وهكذا تبلور الجدال بين القادة العسكريين الذين يطالبون بالمزيد من الأموال والمعدات والقوات في ساحة المواجهة، وبين السياسيين في البلدان الأوروبية الأساسية الذين يترددون في قبول هذا الحل، خاصة بعد أن كاد رئيس وزراء ايطاليا، رومانو برودي، أن يفقد مقعده، نتيجة ضغوط مكثفة من حلفائه من اليسار الراديكالي لسحب قواته من أفغانستان، والذي رغم تكراره تعهد بلاده بالوفاء بالتزاماتها في أفغانستان، إلا أنه يرى من الضروري التوصل إلى حل سياسي للمشكلة الأفغانية عبر إشراك الدول المجاورة لتسهيل هذا الحل السياسي. ومن ثم، إثارة التساؤل حول ما إذا كانت المقاربة العسكرية، في غياب المقاربة السياسية، هي الأسلوب الأفضل لتأمين الاستقرار في هذا البلد، وفي غيره، الذي دمرته الحرب؟

وبالتداعي المنطقي، حول الأولويات والأفضليات، فيما إذا كانت ستكون للعمليات العسكرية، أم لإعادة الإعمار؟ يتفرع عن ذلك التساؤل حول ما إذا كان ينبغي على ldquo;الناتوrdquo; أن يخوض حربا شاملة في أفغانستان بدعوى مواصلة الحرب على الإرهاب حيث تبنى الحلفاء القوة المسماة ldquo;قوة الإسناد الأمني الدوليrdquo; الإيساف بقيادة ldquo;الناتو''، وامتداداتها خارج كابول، حين كان الاعتقاد السائد هو أن تنحصر مهمة هذه القوة بحفظ السلام، بيد أن بعض الحلفاء بدلوا وجهة نظرهم فيما بعد، وتحولت مهمة هذه القوة إلى تحقيق أهداف عسكرية مكثفة تستهدف إخضاع المقاومة الأفغانية، في سياق الخلاف الجوهري بين أعضاء ldquo;الناتوrdquo; حول الأهداف الاستراتيجية والإدارية للتدخل في أفغانستان، حيث يبدو أن الولايات المتحدة تعمل الآن من أجل خلق ldquo;ناتو جديدrdquo; قادر على تنفيذ مهمات خارج القارة الأوروبية وساحتها التقليدية، أي في آسيا الوسطى وإفريقيا والشرق الأوسط، وفقا لدعم الاستراتيجية الكونية والمشروع الإمبراطوري للولايات المتحدة، الأمر الذي لا يتشاطره بعض حلفاء واشنطن الأوروبيين، الذين يبدون عدم الاستعداد للالتزام بإرسال أموالهم وأولادهم إلى حرب لا يرونها حلا للأزمة الأفغانية.

وفي التحليل الأخير، فإن ثمة صعوبة وتحديات جمة تواجه قوات حلف الناتو في إحباط هجوم ldquo;الربيع الدموي''، وتباين المواقف والرؤية، وأن مهمة ldquo;الناتوrdquo; في أفغانستان، هي امتحان قاس للإرادة السياسية، وللقدرات العسكرية للتحالف، وأن المهمة لم تنجح وأن خطة الولايات المتحدة في أفغانستان لا تسير بالشكل المطلوب، وثمة مؤشرات عديدة لإخفاقها في الحاضر والمستقبل، حتى وإن تم إحراز تقدم في جولة أو أكثر. ولقد أصاب أمين عام حلف ldquo;الناتوrdquo; كبد الحقيقة باشارته إلى أن الحل العسكري ليس حلا لمشكلة أفغانستان، وأن المعركة معركة كسب قلوب وعقول الشعب الأفغاني. ومثلما صرح وزير الخارجية الأفغاني بأن بلاده تؤمن بأن مكافحة ldquo;الإرهابrdquo; ليست مهمة عسكرية فقط، بل اجتماعية أيضا تتضمن عوامل إنمائية وإعادة بناء البلاد، وبالتالي أهمية تضييق الهوة بين الأجندة السياسية التي وضعت في عام ،2001 عقب مؤتمر برلين، والإصلاحات المرجو تحقيقها، والوفاء بالوعود المالية، ومسؤولية المجتمع الدولي عن تردي الأوضاع في أفغانستان، لتوجه الاهتمام صوب العراق، وزيادة المساعدات الاقتصادية، وتعزيز السلطة المركزية في كابول، وإصلاح النظام القضائي والشرطة والقضاء على الفساد وتحسين العلاقات مع باكستان، وبناء وتطوير قدرات الجيش الأفغاني، وتحقيق المصالحة الوطنية، من دون إقصاء، وتحقيق الأمن الذي كان موجودا في عهد ldquo;طالبانrdquo;.

والأهم جدولة تواجد القوات الأجنبية، وما تسببه من عداوة للشعب الأفغاني، بفعل ما ترتكبه من انتهاكات للشرف والكرامة الوطنية وتدمير وإتلاف. إضافة إلى حل إقليمي يحتاج إلى إشراك الدول المجاورة لأفغانستان، وليس الاقتصار على معالجة أحادية الجانب، لم ولن تنجح في مداواة جذور الأزمة الحقيقية، وتطيل من أمد الحروب والخراب في هذا البلد المنكوب، منذ عقود.