فيليب ستيفنز - الفايننشال تايمز
هذا الأسبوع انضم نيوت جينجرتش إلى أعضاء الحزب الجمهوري الراغبين في الوصول إلى رئاسة الجمهورية الأمريكية. وإذا فاتك الاستماع إلى الخبر، فإنني أقول لك إن ترشح جينجريتش للذهاب إلى البيت الأبيض لم يُعلن على شكل مفرقعات إعلامية من إحدى المنصات في ولايته الأصلية جورجيا، أو ولاية فرجينيا التي اتخذها موطناً له. ولن تجد بيانه السياسي منشوراً على موقع quot;يوتيوبquot; YouTube على الإنترنت. كلا، وإنما فعل شيئاً لعله يليق بإنسان محافظ يميل نحو الأفكار أكثر مما يرتاح إلى اللغة السياسية الحديثة ذات الكلام الفارغ، وهو أنه ألمح إلى رغبته في الترشح للمنصب في quot;فاينانشيال تايمزquot;.
في عدد الثلاثاء من quot;فاينانشيال تايمزquot; كتب جينجريتش أنه لا يوجد إلا مَهْرب واحد أمام الجمهوريين من رئاسة جورج بوش. هذا المهرب الوحيد هو أن على الحزب الجمهوري أن يستلهم خطته من فرنسا. نعم، فرنسا موطن البطاطس المقلية على شكل أصابع وموطن شخصية الشرير الأكبر الذي كان يلتهم كل أنواع الجبن. وقال جينجريتش إن السبيل أمام الجمهوريين للاحتفاظ بالسلطة هو محاكاة نيكولا ساركوزي والعثور على مرشح في الانتخابات يترشح ضد رئيسه نفسه. وغني عن البيان أن جينجريتش يتوقع منا أن نفهم أن ما فعله ساركوزي في 2007 سيفعله جينجريتش في 2008. من الناحية الرسمية، جينجريتش الذي كان رئيساً لمجلس النواب، خارج من الساحة السياسية منذ عام 1998. فقد تخلص منه زملاؤه في الحزب الجمهوري بهدوء بعد أن خسر الحزب الانتخابات النصفية في ذلك العام. ونسي حزبه النصر الذي حققه جينجريتش عام 1994 وتوقيع quot;العقد مع أمريكاquot; بعد أن بالغ في تقدير قوته وأخفق في عزل الرئيس بيل كلينتون بسبب علاقته مع مونيكا لوينسكي.
ومنذ ذلك الحين لم تكن حظوظه دائماً حسنة. وفي هذا العام فقط اعترف بأنه حتى في الوقت الذي كان فيه يحاول استغلال خيانة كلينتون لزوجته كان هو نفسه يخون زوجته مع امرأة أخرى. وعرف عن منتقديه من المحافظين أنهم كانوا دائماً ينبهون الآخرين إلى أن زواجه الحالي هو الزواج الثالث. وهذا يضعه في صف واحد مع المرشح الليبرالي المنحل، رودي جولياني، من حيث العلاقات مع النساء داخل وخارج إطار الزواج.
وازدهرت أمور جينجريتش منذ عام 1998 حيث كان يعمل مستشاراً ومحاضراً عاماً ومؤلفاً غزيراً. وهو يدير مؤسسة خاصة به للأبحاث والدراسات الخاصة، اسمها quot;الحلول الأمريكية للفوز في المستقبلquot;، وهو اسم نتوقع أنه ينطبق على شخصية نيوت. وقد عملت توبته العلنية عن سقطاته الشخصية على أن يظل أثيراً عند المحافظين المسيحيين.
ومنذ فترة قريبة فقط كان نجم حفل التخرج في جامعة ليبرتي. وقد أسس هذه الجامعة جيري فالويل، الذي أنشا الغالبية الأخلاقية في أمريكا. وهو يحتل مرتبة عالية وبصورة مستمرة في استطلاعات الرأي بين الناس المؤيدين للحزب الجمهوري حين يُسألون عن مرشحهم المفضل للرئاسة. معنى ذلك أنه لا توجد مشكلة من حيث صيته بين الناس.
ولديه كذلك خطة خاصة به للفوز في الانتخابات. وتقوم هذه الخطة على أن المرشح الجمهوري ينبغي عليه أن ينضم إلى المرشحين الديمقراطيين في مهاجمة الرئيس بوش. وهذه العبارة السابقة هي تفسيري لكلمات جينجريتش في مقالته المذكورة آنفاً، وإن كنت لا أستطيع أن أفهم ما يعنيه إن كان مخالفاً لفهمي حين يكتب: quot;في فرنسا كان التغيير يعني التصويت للحزب الحاكم وليس للشخص الحاكمquot;.
ويواصل: quot;كان من الصعب أن تفوتنا جوانب التوازي والتماثل بين حكومة الرئيس جاك شيراك التي كانت في الحكم وبين الرئيس جورج بوشquot;. فالزعيمان شيراك وبوش مكروهان بصورة عميقة، وما كان السباق الرئاسي الفرنسي إلا الصورة التي ستكون عليها الانتخابات الأمريكية عام 2008، أي انتخابات طابعها الأساسي هو quot;التغييرquot;.
هناك شيء يدور في ذهن جينجريتش. إن انفصال ساركوزي المقصود عن شيراك أتاح له بالفعل أن يدير حملته باعتباره الوسيط الذي سيحقق التغير. ورغم كل الأمور الجديدة التي اشتمل عليها ترشيح سيجولين روايال، إلا أنه كان يبدو على الحزب الاشتراكي نوعاً ما أنه حبيس الماضي. فإذا أفلح الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة في عقد صلة قوية بين المرشح الجمهوري الذي سيقع عليه الاختيار في النهاية وبين الرئيس بوش، خصوصاً من خلال الربط بينه وبين الحرب الكارثية في العراق، فإن الحزب المعرض سيُرهَق إرهاقاً شديداً حتى يخسر الانتخابات العامة.
ورغم ذلك هناك خطأً كبيراً في نظرية جينجريتش المرتبة. ويقول البعض إن هذا الرأي يمثل قصة حياته المهنية. فهناك سيل مستمر منهمر من الأفكار، بعضها ذكي، وكثير منها لا قيمة له. وهذا السيل المنهمر من الأفكار يجلس على مسافة بعيدة من الجوانب العملية للسياسة. وكما قال توم دي ليه، الذي كان زميل جينجريتش في مجلس النواب، عن رئاسته للمجلس: quot;كان جينجريتش يخرج يوماً بعد يوم تقريباً بأجندة جديدة، وباتجاه جديد يريد السير فيهquot;.
وفي أحدث أجندة خرج بها جينجريتش، فإن تحليله صحيح بشكل عام، لكن النتيجة التي يتوصل إليها (وما عساي أن أقول عنها؟) خاطئة بشكل لا ترجى منه فائدة. وحتى أصف ذلك بنوع ليس فيه كثير من الرقة، فإنني أقول إنه يفتقر إلى الفهم الاستراتيجي الذي يتمتع به الرئيس الفرنسي وجاذبيته السياسية الرحبة.
لن أتوسع الآن في الحديث عن هذا الموضوع، لأن تدخل الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي أشعل بالفعل عدداً من الأفكار الماتعة حول طبيعة الانتخابات الأمريكية المقبلة. ذلك أنه رغم كل ما قيل ويقال في الحملة الانتخابية عن الكيفية التي ستخلص بها أمريكا نفسها من العراق، إلا أنه يبدو كذلك أن الحملة عالقة في دوامة من جمود الزمن.
وهذا إلى حد ما دلالة على المرشحين أنفسهم. فحين كنت أتحدث مع الديمقراطيين أثناء عدد من الزيارات التي قمت بها إلى واشنطن هذا العام، فإن أكثر توقع سمعته هو أن هيلاري كلينتون ستحصل بالفعل على ترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب الرئاسة. فهي تمتلك الأموال والتنظيم والانضباط الحديدي اللازم للنجاة من الانتخابات التمهيدية.
لكن سيكون من الشاق تماماً أن نعثر على وجود أي حماس كبير لترشيحها، حتى بين أولئك الذين تقدموا للعمل مستشارين. وأظن أنني أفهم السبب وراء ذلك. خذ مثلاً المسلسل الذي بدأ عام 1988 بانتخاب جورج بوش الأب. ثم ضع فوق ذلك فوز هيلاري في انتخابات السنة المقبلة. في هذه الحالة سيكون لديك رؤساء أمريكيون أسماؤهم بوش ثم كلينتون ثم بوش ثم كلينتون. فهل يريد الأمريكيون فعلاً أن يعهدوا بالرئاسة إلى عائلتين فقط لمدة 24 عاماً، أو 28 عاماً إذا قيض للسيدة كلينتون أن تُنتَخَب مرتين متتاليتين؟
كذلك فإن أقوى المرشحين الجمهوريين، كل على طريقته، هم أيضاً مخلوقات من الماضي. إن ترشيح جون ماكين لا يستطيع أبداً النجاة من بطولته غير العادية في فيتنام. وعلى حد علمي فإن جولياني أنشأ حملته الرئاسية بأسرها على الطريقة التي أدار بها دفة مدينة نيويورك في أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر). وستمد عينيك وتجهد حتى تستطيع العثور على بصيص رؤية للمستقبل.
الاستثناء على هذه القاعدة هو المرشح الديمقراطي باراك أوباما. ذلك أن أوباما، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي، يبذل أقصى ما في وسعه بالتأكيد في حملته استناداً إلى القضية التي تقول إنه آن الأوان الآن لأن يحمل جيل جديد مشعل القيادة. ورغم جميع ما يتمتع به حتى أوباما من شباب وحداثة، إلا أنه يبدو عليه أن يجهد ما وسعه للإفلات من تصورات ومفاهيم النصف الثاني من القرن العشرين. أما جون إدورادز، الذي يحتل المرتبة الثالثة بين المرشحين الديمقراطيين، فإنه يتحدى بالفعل عدداً من الآراء العامة السائدة. لكن إدواردز، شأنه شأن منافسيه، يبدو عليه أنه ميال لتذكر الماضي أكثر من ميله لتخيل المستقبل.
ومهما كانت وجهة نظر المرء في سياسة ساركوزي، بل وحتى في مستقبل رئاسته، إلا أن الرئيس الفرنسي الجديد اكتسح قصر الإليزيه نتيجة لوعده الناخبين بتغيير فرنسا في عالم مختلف.
بقيت كلمة أخيرة حول جينجريتش، وحتى لا يظن أحد أنني حمَّلت كلماته ما لا تطيق، فإنني أرغب في أن أضيف أنه أعطى نفسه فرصة حتى الخريف المقبل ليعلن بصورة رسمية ترشحه للرئاسة. وأظن أن الوقت المرجح لذلك هو إعطاء ورشة عمل على مستوى الولايات المتحدة في أيلول (سبتمبر)، من مؤسسة الحلول الأمريكية، للاحتفال بالذكرى السنوية للتعاقد مع أمريكا. ورغم ذلك فإنني أقول إن جينجريتش سياسي من عقد التسعينيات. ولذلك أقول إن زمانه قد ولى.
التعليقات