فهمي هويدي
تحفل الصحف التونسية هذه الأيام بمناشدات تدعو الرئيس زين العابدين بن علي إلى الترشح لولاية سادسة سنة 2014. وهو أمر أثار الانتباه والدهشة في آن، ذلك أن كثيرين تساءلوا عن سر إطلاق حملة المناشدة قبل نحو أربع سنوات من موعد الانتخابات الرئاسية التالية. وازدادت شكوكهم وهواجسهم حين لاحظوا أن المناشدات جاءت في أعقاب نداء بذات المعنى بادرت إليه اللجنة المركزية للحزب الدستوري الحاكم وأطلقت عليه laquo;نداء المائةraquo;، (وقعه 65 شخصا)، وفي أعقابه دعت إلى توجيه laquo;نداء الألفraquo;، الأمر الذي بدا أنه دعوة لتوسيع نطاق الحملة، التي شارك فيها بعض المحامين والفنانين والصحفيين والجامعيين ورجال الأعمال المقربين من السلطة.. الخ.
رغم أن الجميع فوجئوا بالعملية، إلا أن فهم خلفياتها ومقاصدها لم يكن عصيا على المثقفين الوطنيين، الذين خبروا أساليب النظام التونسي وآلاعيبه. وكانت أسبوعية laquo;الموقفraquo; التي تعد أحد منابر الجماعة الوطنية في مقدمة الجهات التي كشفت العملية، حين نشرت على صدر صفحتها الأولى (في 3/9) تقريرا كتبه مديرها الأستاذ أحمد نجيب الشابي عنوانه كالتالي: laquo;الرئاسة مدى الحياة.. بداية العد التنازليraquo;. وفي عدد تال (صدر يوم 17/9) نشرت الصحيفة ذاتها تقريرا آخر على صفحتها الأولى تحت عنوان يقول: laquo;مناشدات التمديد مطية لمناورات الخلافةraquo;، وتحت العنوان ذكرت ما يلي: لم يفاجأ التونسيون بانطلاق حملة مناشدة الرئيس بن علي للتقدم لولاية سادسة (2014 ــ 2019)، لأنهم أدركوا منذ تنقيح الدستور (في عام 2002) أن قيد السن على الرئاسة مدى الحياة كان مجرد وهم. ثم لأنهم اعتادوا على هذا الكرنفال الذي غدا من طقوس الحكم الثابتة.
حين تحريت الأمر وجدت أن حملة المناشدات تعد إحدى حلقات مسلسل تأبيد سلطة الرئيس بن علي، وإزالة آخر العقبات الدستورية التي تحول دون بقائه للسلطة مدى الحياة، في تكرار لذات الموقف الذي انقلب عليه منذ 23 سنة، حين انتزع السلطة من الرئيس السابق الحبيب بورقيبة. ذلك أن برلمانه كان قد قرر انتخاب laquo;المجاهد الأكبرraquo; مدى الحياة. وهو ما اعتبره السيد بن علي، وزير الداخلية آنذاك، إحدى ذرائع انقلابه عليه، وأعلن فى البيان الأول إن عهد احتكار السلطة مدى الحياة قد ولى، مشددا على أن الرئيس لا ينبغي أن يبقى في السلطة لأكثر من ولايتين فقط، تكريسا للديمقراطية، وهو ما أخذ في حينه على محمل الجد، فقرر البرلمان تعديل الدستور لكي ينص على أن يبقى الرئيس المنتخب في منصبه لولايتين فقط، مدة كل منهما خمس سنوات، على ألا يزيد عمره عند ترشيحه على 75 عاما. وكما يحدث عادة في أفلام ديمقراطية أخرى نعرفها جيدا، فقد طابت اللعبة للجالس على مقعد الرئاسة، فرتبت البطانة قبل نهاية السنوات العشر أمر المناشدة الشعبية التي أطلقت لتعديل الدستور وفتح الباب لتعدد الولايات بغير قيد. وامتثالا لنداء الشعب واستجابة لرغبته التي لا ترد، ــ هكذا قالوا ــ تم تعديل الدستور واتخاذ اللازم فى جلسة laquo;تاريخيةraquo; في عام 2002. وبعدما مرت السنوات بسرعة تبين أن الرئيس بن علي لن ينطبق عليه شرط السن (75 سنة) للترشح لانتخابات عام 2014، إذ سيكون عمره آنذاك 78 عاما. وكان الحل أن تطلق حملة المناشدات مرة أخرى لتعديل الدستور وإلغاء شرط السن، أيضا استجابة لنداء الشعب واستجابة لرغبته التي لا ترد(!)، وما الحملة الجارية الآن هناك إلا تنفيذ حرفي للمشهد الذي سبق عرضه عام 2002. وهو ما دعا أحد كتاب صحيفة laquo;الموقفraquo;، يّسر الساحلي، إلى كتابة تعليق ساخر لتقنين اللعبة دعا فيه إلى تعديل الدستور وإدخال laquo;المناشدةraquo; لأحد شروط شغل المناصب الحساسة فى الدولة، وإنشاء وظيفة laquo;المناشد العامraquo; للجمهورية لتنظيم العملية وتشكيل هيئة الأمر بالمناشدة والنهي عن احترام الدستور، وتحديد يوم وطني للمناشدة لغرس القيمة في نفوس الأجيال الجديد ... الخ.
فكرة الفيلم ليست جديدة، فقد تابعناها في عدة أقطار عربية، الأمر الذي يثير السؤال التالي: هل باتت خيارات الحكم في العالم العربي محصورة في التأبيد والتوريث؟









التعليقات