صلاح منتصر
منذ نحو عامين وبعض الأقلام في الصحف الخاصة التي تصدر في مصر لا حديث لها إلا عن موضوع واحد هو laquo;موضوع توريث الحكم في مصرraquo;، وقد تناولته من مختلف الاوجه والزوايا، ورغم ذلك لم تمل من تكرار الحديث فيه، بل ان بعض الأقلام انتهت الى ان حل مشاكل مصر من أسعار وبطالة وتعليم وصحة واسكان ومواصلات ومرور، لن يتم من دون تعديل الدستور والغاء التوريث وانتخابات نزيهة، ولو كان الامر بهذه البساطة لكان معنى ذلك ان الدول التي فيها دساتير نتمنى ان تكون لدينا مثلها وانتخابات نزيهة وحكومات ديموقراطية لا مشاكل لديها، وهو ببساطة شديدة غير صحيح، فالمسألة ليست الانتخابات او الدستور وان كان ذلك لا يقلل من اهميتها بالتأكيد لكن الاهم هو منهج الاصلاح والاسلوب الذي يستخدم لحل مشاكل الجماهير.
لا اعرف لماذا ذكرتني مقالات الموضوع الواحد عن التوريث المتكررة بالفلاح الفصيح الذي ظل بلا كلل يكتب شكاواه، وهذا الفلاح يعود الى العصر الاهناسي (2160 ق.م 2040 ق.م)، وكان الرجل قد صحب حميره التي حملها بعضا من محاصيله متوجها بها من بلده في وادي النطرون الى العاصمة اهناسيا، وبينما كان في طريقه طمع موظف مسؤول يعمل في ضيعة يمتلكها احد علية القوم في ما يحمله، ومن ثم فقد خدعه بان مد قطعة من قماش اعترضت الطريق مما اضطر الفلاح الى تفادي المرور عليها والنزول بحميره الى طرف الأرض الملاصقة، وسرعان ما عاقبه الموظف بالاستيلاء على حميره وما تحمله جزاء انتهاكه لأرض ملك غيره، ولما اعترض الفلاح أوسعه ضربا وطرده شر طردة.
وقد بادر الفلاح الى تقديم شكواه الى كبير أمناء القصر بالعاصمة، الذي ادهشه بلاغتها وقوة تعبيرها، فأبلغها بدوره الى الملك الذي اشار عليه ألا يبت فيها حتى يضطر الفلاح الى تقديم المزيد من تلك الشكاوى الفصيحة، فلم يكن سهلا ان يجد الملك عبارات يكتبها هذا الفلاح من نوع laquo;يا أقوى رجل بين الأوقوياء، ويا صديق الفقير، ووالد من لا والد له، وزوج الأرملة، وأخ البنت المحتاجة، إني أثني على اسمك لأنك ترد الحق إلى نصابه من دون أن تأخذ عليه أجرا، يا عدو المجرمين، ومحب العدل، إنك تسمع صراخي، وسمحت لي بالكلام، فإني أود أن أرى رحمتك، فانظر في أمري، واعتبر ابتهالي هذا طلبا للنظر، وستجدني حقا قد سلبتraquo;.
وبعد رسائل تسع استمتع الملك بكل سطر جاء فيها في الوقت الذي كان الفلاح الفصيح يرفع درجة الخطاب أكثر وأكثر حتى بدا أنه وصل إلى الحد الأقصى، أمر الملك بقبول شكوى الفلاح ورد كل مستحقاته إليه وأن يعاقب المعتدي عقابا رادعا. ومنذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا، ولأربعة آلاف سنة، لم يتوقف المصريون عن الشكوى، فلاحين وغير فلاحين، وفي كل العصور من دون استثناء، حتى يمكن القول انها أصبحت صفة ملازمة للشخصية المصرية. كما لم يتوقف أيضا تكرار الحديث في موضوع واحد، عشرات بل مئات المرات!













التعليقات