نصرالله يضع الحلفاء والأعداء على المحك

سركيس نعوم
النهار اللبنانية
أثبت المسؤولون الكبار في بلادنا، او على الاقل غالبيتهم، انهم إما ساذجون وبسطاء وحسنو النية، وإما يتصنعون السذاجة والبساطة وحسن النية، عندما صدّقوا او اوحوا انهم صدّقوا ان ايجاد حل او مخرج لقضية شهود الزور مقبول من quot;حزب اللهquot; وحلفائه الاقليميين داخل مجلس الوزراء سينهي التوتر القائم بين اعضائه، والاحتقان السياسي والمذهبي على الصعيد الشعبي، وسيفتح الطريق امام حكومة الرئيس سعد الحريري لمباشرة عملها فعلياً بعدما مُنِعت من ذلك منذ تأليفها بذرائع شتى. واثبتوا ذلك ايضاً عندما راحوا يبحثون، كل في اتجاه، عن المخرج العجائبي او السحري وعندما فشلوا في ايجاده، كان عليهم انتظار الموقف الذي اعلنه من على شاشات التلفزة مساء يوم الخميس الماضي الامين العام لـquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله لكي يستيقظوا من سذاجتهم او بساطتهم او صدق نياتهم. وتضمَّن هذا البلاغ اعلاناً رسمياً بمقاطعة حزبه، واستطراداً حلفائه في 8 آذار، وبموافقة اقليمية طبعاً، المحكمة الدولية. وتضمن ايضاً مطالبة للدولة بمقاطعة هذه المحكمة. وتضمن ثالثاً مطالبته للشعب او للذين منه معنيين بالمحكمة في رأي محققها والمدعي العام فيها بمقاطعتها. وتضمن رابعاً واخيراً اتهاماً واضحاً وصريحاً للمحكمة بـquot;التجسسquot;، او بالعمل لمصلحة اسرائيل وذلك من خلال ايصال كل quot;الداتاquot; او المعلومات التي تحصل عليها في لبنان وعن لبنان الى الاجهزة الاستخباراتية فيها.
وبهذه الامور الاربعة يكون السيد نصرالله اذاع ما يسمى في لغة الانقلابات العسكرية او الثورية او حتى السياسية quot;البلاغ رقم واحدquot;. وبلاغ من هذا النوع يكون عادة اولى خطوات إعلان فريق ما الانقلاب على quot;السلطة الشرعيةquot; في بلاده. علماً ان إعلاناً كهذا ترافقه عادة خطوات تنفيذية للانقلاب او للتغيير المطلوب كما يسميه البعض. والذي حصل ان الامين العام لـquot;حزب اللهquot; اكتفى بـquot;البلاغ رقم واحدquot; ولم يزامنه مع الخطوات التنفيذية اللازمة، ربما لأنه اراد تحذير فريق 14 آذار، اي فريق الموالاة، وكل اركان السلطة وللمرة الاخيرة بضرورة تلبية المطالب المتنوعة التي قُدّمت له ولهم على مدى الاشهر الماضية، والتي تبدأ بالتبرؤ من quot;المحكمة الدوليةquot; واعتبارها غير موجودة بسبب تسييسها وانحيازها الى اميركا واسرائيل، واستهدافها مقاومي احتلال الاخيرة في لبنان، وتنتهي بقبول وضع لبناني رسمي وسياسي ولاحقاً شعبي فيه الكثير من ملامح الوضع الذي كان سائداً في البلاد قبل انتفاضة الاستقلال في 14 آذار 2005 سواء كانت داخلية او اقليمية. وربما لأن حلفاءه الاقليميين وفي مقدمهم سوريا، التي تسانده في مطالبه المتعلقة بـquot;المحكمةquot; لانها مستهدفة بها، مثل quot;حزب اللهquot; تريد الافادة من قوة الأخير لاستعادة السيطرة على لبنان بواسطته وحلفائه كلهم. وربما لأنهم (اي الحلفاء الاقليميين ومنهم سوريا) يريدوناعطاء فرصة اخيرة لفريق 14 آذار كي يلبي ويتجاوب، والبعض يقول يستسلم، وذلك كي يستطيعوا تبرير ما حصل للمسؤولين السعوديين الذين دخلوا معهم في محاولة لترتيب البيت اللبناني. وربما لأن الحليف السوري المواكب ومنذ اشهر حركة quot;الحزبquot; الاحتجاجية على quot;المحكمةquot; في الداخل والمساعد في تهيئة الاجواء لها والمتريث في اعطاء quot;الحزبquot; الضوء الاخضر لتنفيذ الخطة الموضوعة في حال رفض التجاوب، ربما لأنه يحاول تحقيق انتصار بواسطة quot;الحزبquot; وشعبه وحلفائه الاخرين، لكنه يريد ان يضمن ان يعيده ذلك quot;ضابط الايقاعquot; الوحيد للبنان لا ان يحل مكانه quot;ضابط إيقاعquot; آخر محلي هو quot;حزب اللهquot; المحمي من ايران وإن متحالفة مع سوريا. وربما لأن السيد نصرالله الامين العام لـquot;حزب اللهquot; خشي ان يصاب جمهوره باحباط مماثل للذي اصابه بعد فشل quot;اعتصام المخيمquot; في وسط بيروت وعلى مدى 17 شهراً في اسقاط حكومة السنيورة وفريق 14 آذار، وفي quot;تشليحquot; الاخير الغالبية النيابية في الانتخابات العامة التي اجريت بعد اشهر. علماً انه وفريقه حققا انجازات غير قليلة بواسطة quot;اتفاق الدوحةquot; وهي التي سمحت لهما بالتحكم بالحكومة او ربما بشلها وشل البلاد وبوضعها امام خيار الاستجابة او quot;الاستسلامquot; او quot;التغييرquot; كي لا نقول الانقلاب.
والخشية المذكورة قد تكون نجمت عن ان quot;السيدquot; حضّر الناس جدياً لقرارات خطيرة بظهورات تلفزيونية منتظمة. ثم quot;هدأquot; قليلاً رغم عدم تخلّيه عن مواقفه. ونجمت ايضاً عن تصالح السعودية وسوريا وعن اعطاء الاولى للثانية معظم ما تريده في الموضوع اللبناني لأنها تريد منها اموراً اخرى خارج لبنان. ومن شأن ذلك كله ربما اعادة سوريا ترتيب اولوياتها او تمكينها من اعادة الجميع حلفاء واصدقاء واخصام واعداء الى quot;بيت الطاعةquot;، وعذراً لهذا التعبير.
الا ان الاسئلة التي تطرح نفسها منذ quot;البلاغ رقم واحدquot; للسيد نصرالله مساء يوم الخميس الماضي هي الآتية: ما هي الخطوة التالية؟ وهل تكون سياسية، اي حل quot;المشكلةquot; داخل مجلس الوزراء سواء بالاستسلام او بتطيير الحكومة او بتعطيل العمل الحكومي الرسمي؟ ام تكون سياسية ndash; عسكرية؟ ام تكون شعبية سلمية او شعبية عنفية؟ وماذا ستكون ردود فعل حلفاء 14 آذار العرب وغير العرب؟ وهل يكون لاسرائيل رد فعل على سيطرة سوريا وايران وquot;الحزبquot; على لبنان؟ كل هذه اسئلة لا اجوبة لاحد عنها ولذلك لا بد من الانتظار. لكن السيناريوات التي يجري تداولها وخصوصاً في الدوائر القريبة من quot;حزب اللهquot; ومن فريق 8 آذار تتميز بالحسم وتبدأ بالسياسة وتنتهي بغيرها. الله يستر.
نساء الضاحية في الميدان!
قاسم حسين
الوسط البحرينية
فجأةً يتصدّر الفضائيات خبر تصدّي مجموعة من نساء الضاحية الجنوبية لفريق تحقيقٍ تابعٍ للمحكمة الدولية التي تكاد تفجر الوضع اللبناني من الداخل!
الحدث سيبقى متصدّراً لنشرات الأخبار خلال الأيام الثلاثة المقبلة على الأقل، هذا إذا لم يتطوّر أكثر. فالخبر من نوع الأخبار التي تثير الكثير من علامات التعجب والاستفهام والاستغراب. فما الذي تفعله لجنة تحقيقٍ دوليةٍ في عيادةٍ لمعالجة أمراض النساء والولادة؟ وما ربط هذه العيادة بتحقيقٍ في جريمة اغتيال سياسية؟ ولماذا يسأل الفريق عن معلومات شخصية تعود للعام 2003، أي قبل عامٍ من الجريمة؟ ولماذا يطلب معلوماتٍ عن نساءٍ في بيئةٍ إسلاميةٍ محافظة؟ وهل يتوقع هذا الفريق أن يقابَل مثل الطلب المستهجَن بالتصفيق والزغاريد؟
لو كان الاقتحام لعيادة رجالية لأمكن تفهّم الأمر بالبحث عن معلومات لمشتبه بهم! أما وقد حدث الاقتحام لعيادةٍ نسائيةٍ، فذلك سيلقي المزيد من الشكوك حول محكمةٍ تحرّكها الولايات المتحدة وتطرب لها laquo;إسرائيلraquo;.
طبيبة النساء إيمان شرارة التي لا يعرفها أحد، أصبحت فجأةً ضيفةً على الإعلام، وقد روت القصة من بدايتها، حيث اتصل بها شخصٌ يبدو من لهجته أنه فلسطيني أو أردني، لترتيب الزيارة برفقة فرنسي وأسترالي ومترجمة، وسألوا عن كيفية استقبال المريضات وأرشفة الملفات. وعلّقت قائلةً: laquo;كنت حائرة، فأنا طبيبة نساء، وإذا اتصلت والدة إحدى المريضات لا أعطيها معلومات عن ابنتهاraquo;. فكيف يطلبون منها أرقام وعناوين مريضاتها؟ ويبدو أن احتكاكاً حدث بسبب تجمّع بضع نساء (قدّرها المحامي بعشر سيدات) لعلاج حالةٍ طارئة، فأثار التأخير غضبهن وحدث نزاع ومشادات.
في اليوم الأول تجنّب laquo;حزب اللهraquo; التعليق على الحدث، ولكنه في اليوم التالي أعلن عن مؤتمرٍ عاجلٍ لأمينه العام، فـ laquo;لعب العيال والمراهقينraquo; زاد عن حدّه، حتى انقلب عرضاً مسرحياً هزلياً. وربما دفعه إلى ذلك رد فعل الفريق الآخر (الموالاة)، الذي أسرع إلى شن هجومٍ سريعٍ، معتبراً ما حدث اعتداءً خطيراً في إطار الحرب الشاملة التي تشنها المعارضة على المحكمة الدولية، واستهدافاً مباشراً للشرعية الدولية! وتحدث عن laquo;اعتداء فرقة (نسائية) من الأهالي تابعة لحزب الله على المحقّقينraquo;، وقدّرها بـ 150 كوماندوزة!
الغريب أن ردود الفعل laquo;الدوليةraquo; توالت بسرعة، فالمدعي العام للمحكمة الدولية أدان اللجوء إلى كلّ أشكال العنف! ورئيس المحكمة اعتبر الحادث laquo;محاولة مدانة لإعاقة العدالةraquo;، وتوعّد برفع تقرير إلى الأمين العام للأمم المتحدة. أما الولايات المتحدة فأدانت بـ laquo;أشد العبارات الممكنة التي تمتلكهاraquo; هذا الهجوم العسكري! ومن المؤكد أن بقية الزعماء الغربيين المناضلين (ساركوزي وبراون وميركل وبرلسكوني...) لن يناموا (البارحة) قبل إصدار بيانات إدانة! وربما نقرأ صباح اليوم (الجمعة) روايات أخرى عن فرقة laquo;الكوماندوزraquo; النسائية التي هاجمت الفريق، وتفاصيل الهجوم العسكري وكيف تم الإعداد له والتدرّب على تنفيذه منذ العام 2003!
لبنان عجز عن حلّ ملف شهود الزور. وقبل أسبوعين كشف عن سيطرة laquo;إسرائيلraquo; التامة على شبكة اتصالاته الوطنية، دون أن يصدر عن فريق الموالاة أدنى استنكار، بينما يذهب أحد نوّابه إلى أميركا ليضع الزهور على قبور جنود laquo;المارينزraquo; الذين laquo;استشهدواraquo; أثناء غزوهم للبنان!
لم تكن مجرد اقتحام لمستشفى نسائي في الضاحية، وإنّما غباءٌ إعلامي، ومكايدة سياسية رخيصة، وفضيحة أخلاقية لأرجوزات السياسة الطائفية في لبنان.