حسن أبو طالب

مهما كانت المدة التي يقضيها المرء في بيروت فإن عيون الناس البسيطة تخبرك فورا بحجم القلق العميق الذي يشعر به اللبنانيون جميعاrlm;.rlm;

حالة انتظار تسود الاجواء السياسية والانسانيةrlm;,rlm; ناهيك عن رغبة في أن يخرج لبنان من محنته الراهنة بأقل قدر من الخسائرrlm;.rlm; وفي أبسط الأحاديث يسترجع اللبنانيون ذكريات حرب صيفrlm;2006,rlm; ومعاناة العدوان الاسرائيلي علي لبنان الذي خطط آنذاك لتدمير وتخريب بنية أساسية وممتلكات ومقار منسوبة لحزب الله واعضائه واماكن ومناطق تخص مناصريه والمتعاطفين معهrlm;.rlm;
والخوف الذي يبديه اللبنانيون الآن هو أن أي عدوان علي لبنان هذه المرة ـ إن حدث لا قدر الله ـ فقد لا يكون مقتصرا علي الأحياء والمناطق التي تعرف بتأييدها للحزبrlm;,rlm; بل قد يمتد إلي كل لبنانrlm;,rlm; انطلاقا من التوافق الذي تقوم عليه الحكومة وهو الجمع بين الجيش والشعب والمقاومة في وعاء واحدrlm;,rlm; والتعبير الأخير يعني لبناني حزب الله علي وجه التحديدrlm;.rlm; وهي الصيغة التي تعني في عرف إسرائيل أن أي خطوة يقدم عليها حزب الله ضد مصالحها فإن لبنان بأسره عليه أن يتحمل المسئولية وليس فقط الحزب او انصارهrlm;.rlm;
الحديث عن عدوان إسرائيلي محتمل أمر متكرر وله حجيته وأسبابهrlm;,rlm; فمن ناحية ورغم أن الموقف الرسمي يتجه نحو إخراج لبنان من المعادلة الشهيرة بأن يكون ساحة لتصفية التجاذبات السياسية بين القوي الإقليميةrlm;,rlm; فإن الأمر لا يبدو بهذه البساطةrlm;.rlm; فالقوي الإقليمية نفسها ومهما أدعت حرصها علي استقلال لبنان وسيادته والتعاون معه كدولة ندrlm;,rlm; فالواقع العملي يؤكد العكس تماماrlm;.rlm; والحديث عن نفوذ لهذا الطرف أو ذاك هو من واقع الاشياء في لبنان ولا يشكل للبعض مصدرا للخجل أو الأسفrlm;.rlm; وإذا كانت المعادلة التي تجمع بين حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر بقيادة ميشيل عون وكل من سوريا وايران هي الأشهر والأكثر إثارة للجدلrlm;,rlm; فإن القوي اللبنانية الأخري ينطبق عليها الامر نفسهrlm;,rlm; لاسيما الارتباط مع قوي وحسابات عربية أو دولية مناهضة لتوجهات الفريق الاولrlm;.rlm; ومن هنا يبدي البعض تخوفه من أن يدفع لبنان قريبا ثمنا إما للجهود السعودية لرأب الصدع في العراقrlm;,rlm; انطلاقا من أن نجاح هذه الجهود في مساعدة العراقيين علي تشكيل الحكومة التي طال انتظارها يعني في جانب منه محاصرة بعض النفوذ الإيراني في العراقrlm;,rlm; أو الحد من تأثيره الكبير علي مجمل العملية السياسية في بغدادrlm;,rlm; مما قد يدفع إيران عبر امتدادها المحلي في لبنان لإثارة المتاعب أمام حكومة الحريري المحسوبة بشكل ما علي المملكةrlm;.rlm;
وما ينطبق من ترابط بين ما يجري في العراق والوضع الحاصل في لبنان ككلrlm;,rlm; يجد امتداده ايضا في ما يجري من جمود في عملية التسوية السياسية للقضية الفلسطينية والوضع الداخلي اللبناني المتأزم الذي بات عنوانه الرئيسي في اللحظة الجارية ممثلا في المحكمة الدولية الخاصة بمقتل رفيق الحريري وما يرتبط بها من محاكمة شهود الزور لبنانياrlm;.rlm; ومن هنا تقرأ نتائج زيارة الرئيس الايراني نجادي إلي لبنان قبل ثلاثة أسابيع ومظاهر الحفاوة التي قام بها حزب الله لاسيما في الجنوب باعتبارها زيارة فاتحة لجولة جديدة في مسار المحكمة الدولية من جانبrlm;,rlm; وإعاقة المصالحة الفلسطينية من جانب آخرrlm;.rlm; وبالتالي التأثير السلبي علي الموقف الفلسطيني العام بالنسبة لجهود التسوية وضغوطها المختلفةrlm;.rlm;
وبعض التحليلات اللبنانية تحذر من أن حالة التأزم اللبنانية الراهنة قد تكون سببا في أن يثير حزب الله حربا للخروج من المأزق حتي قبل أن تصدر المحكمة قرارها الظني المتوقع أن يشمل اتهاما بتورط الحزب أو بعض أعضائه في اغتيال الحريريrlm;.rlm; ولمنع الانفجار يكثر الحديث عن ضرورة الإنصات جيدا إلي الحوار السوري السعوديrlm;,rlm; والذي يقول البعض انه يتضمن معادلة بأن تتم حماية الحريري شخصياrlm;,rlm; وان تبذل الجهود لتأجيل صدور قرار المحكمة الدولية إلي الربيع المقبلrlm;,rlm; وأن تلجم سوريا قليلا اندفاع حزب اللهrlm;,rlm; وان تسوي قضية شهود الزور بطريقة تضمن ألا تتطور إلي ما هو أسوأrlm;.rlm; ولكن يظل الأمر برمته مجرد تسريبات وتكهنات تدعمها بعض الشواهد لا اكثرrlm;.rlm;
هكذا تبدو المرحلة التي يمر بها لبنان هي نوع من فقدان الجاذبيةrlm;,rlm; حيث تتساوي المتغيرات والعوامل القادمة من اتجاهات عدة ومتعارضةrlm;,rlm; فيحدث التوقف والجمود واللا يقين والشعور بالخطرrlm;.rlm; وفقدان الجاذبية مسئول عن هذا المزيج العجيب من الاقتراحات والسيناريوهات المنطقية وغير المنطقيةrlm;,rlm; وعن كم كبير من التهويل والترهيب الذي يمارسه سياسيون بعينهم في مواجهة الدولة والمجتمع ككلrlm;.rlm; بعض هذه الشعارات تقول المحكمة أو الموتrlm;,rlm; محاكمة شهود الزور أو تعطيل دولاب الدولةrlm;.rlm; ونقطة الانطلاق في كل المشاهد السياسية المطروحة الآن هي التغير الكبير والجذري في موقف حزب الله من المحكمة الدولية الخاصة بمقتل رفيق الحريريrlm;,rlm; والذي تحول بعد حادثة الاعتداء من قبل بعض السيدات علي محققي المحكمة الدولية عند زيارتهم لإحدي العيادات النسائية في الضاحية الجنوبيةrlm;27rlm; أكتوبر الماضيrlm;,rlm; لغرض التحقق من أرقام هواتف معينة ومكالمات هاتفية جرت في أوقات قريبة من حادثة اغتيال الحريري الأبrlm;.rlm; ويقال لبنانيا أن زيارة المحققين كانت لغرض التعرف علي أصحاب هذه المكالمات سواء كانوا رجالا أو نساءrlm;,rlm; ونظرا لان محاولة التحقيق جرت في عيادة ذات صلة بالحزبrlm;,rlm; فإن الشواهد تدل علي أن المحققين أرادوا التأكد من بيانات ذات صلة بشكل أو بأخر ببعض أعضاء الحزبrlm;.rlm; وهو الأمر الذي اعتبره السيد حسن نصر الله مبررا كافيا لإعلان وقف التعامل مع المحكمةrlm;,rlm; بل واعتبار أي تعاون معها هو اعتداء علي المقاومة وعلي لبنان ككلrlm;.rlm;
ولما كانت المحكمة مسيسة بالأساس في نظر حزب اللهrlm;,rlm; وليست أكثر من أداة بيد الولايات المتحدة للإجهاز علي الحزب ولجمع معلومات عنه من خلال محققي المحكمة وإيصالها إلي العدو الإسرائيليrlm;,rlm; فإن إسقاطها من التزامات لبنان رسميا هو المخرج الوحيد الذي لا بديل عنهrlm;.rlm;
هذا الموقف الحاسم والجديد علي الحزبrlm;,rlm; الذي قبل في بيان حكومة الحريري وفي طاولة الحوار الوطني التعامل مع المحكمة باعتبارها التزام دولي للبنان الدولةrlm;,rlm; يعد بمثابة إنذار لسعد الحريري نفسه وأن عدم تخليه عن المحكمة يعني إسقاط حكومته كحد أقصي ومن ثم إدخال البلاد في دوامة سياسية كبريrlm;,rlm; أو شل الحكومة كحد أدني ومنعها من اتخاذ أية قرارات مصيريةrlm;.rlm; والأسلوب في كلتا الحالتين هو أن ينسحب أعضاء حزب الله ومعهم أعضاء حركة أمل والتيار الوطني الحر وربما أيضا أنصار وليد جنبلاطrlm;,rlm; بحيث تفقد الحكومة سمتها الرئيسية وهي أنها حكومة توافق وطني يمثل فيها كل الأطراف دون استثناءrlm;,rlm; وبالتالي تتحول إلي حكومة أقلية عاجزة لا تستطيع أن تفعل شيئاrlm;.rlm; وفي كل الأحوال يتم تهميش المؤسسات ويبقي القرار بيد القوي التي خرجت من الحكومةrlm;.rlm;
البديلان علي هذا النحو يمهدان في الواقع إلي أزمة سياسية ودستورية كبري كتلك التي عاشها لبنان زمن حكومة فؤاد السنيورة السابقةrlm;,rlm; والتي استمرت فعليا حتيrlm;7rlm; مايوrlm;2008rlm; حين نزلت قوات حزب الله إلي بيروت والجبل وأمسكت بزمام الأمن والسياسة معاrlm;,rlm; وهو ما استدعي تدخلا عربيا انتهي إلي الصيغة المعروفة باتفاق الدوحة التي سمحت بانتخاب الرئيس ميشيل سليمان وإجراء الانتخابات ثانياrlm;,rlm; ثم تشكيل حكومة الحريري الوفاقية ثالثاrlm;.rlm;
ووفقا لمن يروجون سيناريو تأزيم لبنانrlm;,rlm; فإن شل حكومة الحريري أو إسقاطها سيتطلب تدخلات إقليمية ودولية كبريrlm;,rlm; قد تنتهي إلي تنازلات من فريق الحريريrlm;,rlm; وابرز ما فيها أن تتخلي الدولة اللبنانية رسميا عن المحكمة الدوليةrlm;,rlm; وحتي إذا صدر قرار ظني يمس الحزب يصبح معلقا في الهواءrlm;,rlm; وغير قابل للتنفيذrlm;.rlm;
سيناريو شل لبنان وإدخاله في دوامة سياسية ودستورية وأمنية في نظر الرافضين له ليس أكثر من عملية ابتزاز كبريrlm;,rlm; والرضوخ لها أمر مرفوض جملة وتفصيلاrlm;.rlm; فقبول هذا الطرح المتعسف يعني قبول منطق الانقلاب علي الدولة وإفقاد المؤسسات السياسية والدستورية دورها وهيبتها ومكانتهاrlm;,rlm; بل وإفقاد لبنان نفسه مكانته كدولة تحترم تعهداتها والتزاماتها أمام المجتمع الدولي وأمام الأمم المتحدةrlm;.rlm; والقريبون من سعد الحريري يرون ان فكرة إعلان حكومة الحريري التخلي عن المحكمة ليست ضربا في العدالة وإجهاضا لكل مساعي كشف الحقيقة وحسبrlm;,rlm; بل هي إنهاء لدور سعد الحريري السياسي نفسه والقضاء عليه تماماrlm;.rlm;
وتعكس مقولة الحريري في زيارته إلي لندن أن عليه أن يبحث عن تدوير الزوايا للخروج من المأزق الراهن حجم التحدي الذي يقف أمامه شاخصا بكل قوةrlm;.rlm; فمن يمكنه أن يحول الدائرة إلي مربع يعني انه مطالب بعمل المستحيلrlm;,rlm; وتلك مهمة أكبر من لبنان ككلrlm;.rlm;