أمل زاهد

ولدت السيدة زينب الغزالي عام 1917 لأب أزهري لمح في ابنته معالم قوة الشخصية وسرعة البديهة والفصاحة، فعمل على تذكية هذه الجوانب في شخصيتها. ألقت وفاة أبيها ظلالها وآثارها عليها، وزادها وطأة شعورها بالقهر عندما ناهض أخوها الأكبر تعليمها. لم تستسلم ولكنها دافعت عن حقها في التعليم بمساعدة أخ آخر لها، وبعد أن حصلت على الثانوية العامة التحقت بالاتحاد النسائي الذي كان ينظم لبعثة ثلاث فتيات لدراسة التمريض في فرنسا، والتقت بهدى شعراوي التي أعجبت بشخصيتها القوية ورأت فيها خليفة لها.
دافعت زينب الغزالي عن مشروع هدى شعراوي لتنمية المرأة والنهوض بها وخاضت مناظرات مع بعض شيوخ الأزهر وطالب بعضهم إيقافها عن الخطابة؛ وكانت قد كلفت من هدى شعراوي بحضور حلقات في الأزهر عن دور المرأة في الإسلام. رأى الشيخ محمد النجار أن إيقافها سيساهم في تأطير صورتها، فحاول استقطابها وتزامن ذلك مع رؤيتها لوالدها في المنام وهو يطلب منها عدم السفر إلى فرنسا فرفضت البعثة.
رغم رفضها للبعثة استمرت في الاتحاد النسائي تنافح عن حقوق المرأة وعن آراء هدى شعراوي حتى تعرضت لحادث حريق كاد يودي بحياتها، وبقيت رهينة المرض لفترة طويلة. كان هذا الحادث هو المفصل الرئيس الذي وجهها إلى طريق الدعوة؛ أسست جمعية (السيدات المسلمات) عام 1936، وتعتبر جمعيتها أول جمعية إسلامية نسائية تعمل في المجال الاجتماعي والدعوة في مصر، وربما في العالم الإسلامي وكانت لها مجلة اجتماعية سياسية أسمتها باسم (الجمعية). دعاها الشيخ (حسن البنا) بعد عام من تاريخ تأسيس جمعيتها إلى الانضمام إلى جمعية الإخوان ولكنها رفضت، وعادت إلى التنسيق مع الإخوان بعد عام 1948. ولعلّ رفضها يعود إلى تهميش الإخوان المسلمين لدور المرأة في تلك الفترة؛ وهي التي تشربت روح الثورة والاعتداد بالنفس والإيمان بدور المرأة من أستاذتها هدى شعراوي.
رغم تحولها إلى طريق الدعوة إلا أنها بقيت وفية لهدى شعراوي، وكانت تمتدح حب هدى شعراوي للفقراء وحرصها على مساعدتهم وتحسين ظروفهم، وزارتها في مرضها الأخير بل توفيت هدى شعراوي وزينب الغزالي ـ رحمهما الله جميعا ـ إلى جانبها.
الخلاصة أنه رغم اختلاف هاتين السيدتين في رؤية الأمور والحكم عليها ثم تبني كل منهما لقناعة مختلفة، لم يسمع أو يقرأ عن زينب الغزالي اتهاما أو تفسيقا أو إدعاء بمعرفة النوايا أو استبطانا لدواخل هدى شعراوي ناهيك بالطبع عن تكفيرها. على عكس ما نرى ونسمع في مشهدنا اليوم من احتراب مستشرس وغير حضاري؛ بعيد عن روح الدين وسماحته من طرف؛ وعن قيم الحرية التي ينادي بها الطرف الآخر من جهة أخرى! قد يصل الاحتراب للاستعداء لمجرد التصريح برأي مختلف، ناهيك عن الخطاب المبتذل المحمل بالكراهية والعصبية والتنابز بالألقاب والمعايرة باللون أو العرق أو المهنة!.
الاختلاف رحمة وهو إحدى سمات قانون التدافع بين البشر، والتغيير سنة الله في خلقه، ومن أراد أن يتمسك بالتقليد فلن يُرغمه أحد على التخلي عن قناعاته، كما حدث في قضية تعليم المرأة.
دعونا نتنفس روح الاختلاف دون اتهامات أو استعداءات أو مزاعم بقراءة النوايا ومعرفة ما في القلوب!.