عبد الرحمن الراشد
لا بد من أن نعترف بأنه رجل شديد البأس، جنرال حرب أكثر منه سياسيا شعبيا. أن ترفع الأسعار أربعة أضعاف هي أعظم مغامرة يمكن أن يقدم عليها أي مسؤول في العالم مهما كانت أسبابه، ومهما كانت سلطاته. ما فعله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد هذا الأسبوع يفوق في شجاعته كل ما فعله في السابق من مواجهات شجاعة.
رفع أسعار الوقود أربع مرات يفوق في جرأته تحديه المجتمع الدولي بالمضي في مشروع التخصيب النووي، رغم التهديدات العسكرية الأميركية والإسرائيلية بشن حرب تسقط كل النظام. وقراره بمواجهة سبعين مليون مستهلك إيراني في رزقهم أخطر قطعا من تحديه الملايين الثلاثة الذين خرجوا يهتفون ضده في طهران احتجاجا على تزوير النتائج الانتخابية، والبقاء رئيسا فترة ثانية رغم أنف الجميع.
إنها في العرف السياسي عملية انتحارية. مع هذا، نجا سالما حتى الآن. لقد استعد الرئيس الجبار للأزمة بجملة إجراءات؛ حيث أعطى كل مواطن شيكا لمرة واحدة بسبعة وسبعين دولارا مساعدة له في محنته. هذا الشيك يريد من خلاله تحييد فئة الفقراء الذي يعني لهم شيئا إضافيا، خاصة أنهم يملكون سيارات أقل ويتزاحمون جماعيا في السيارة الواحدة. وجهز لأبناء الطبقة الوسطى، المتبرمين دائما، الجيش والحرس الثوري والباسيج، معلنا حالة الاستنفار في المدن متحديا من يجرؤ على الاحتجاج.
هل هي حماقة؟ الحقيقة بالنسبة لنجاد، أن رفع السعر مسألة مصيرية، وعدم رفعه سيكون أيضا مصيريا، وهو الآن لن يتراجع مهما سال من دماء أو اشتعلت المدن بالحرائق، إلا إذا قرر المرشد أن يرميه للذئاب.
ومع أنه هيأ الناس منذ أشهر، معطيا الكثير من المبررات، ومطالبا الشعب بأن يصبر عليه ويتفهم قراراته، فإنه ليس من طبع المواطنين أن يضحوا بمدخراتهم هكذا بسهولة مهما كانت المبررات.
ما الذي سيحدث لاحقا؟ إما أن يخرس الناس، وكما قال أحدهم إن عليه أن يصوم laquo;عن أكل الرز والشيش كبابraquo;، أو أن يتراجع نجاد. الأهون أن يمشي الناس على أقدامهم وأن يأكلوا الجبن مع الزيتون.
إنما قبل لوم نجاد على قسوته، لا بد أن نذكر أنه ورث الأزمة ولم يفتعلها، فالنظام الإيراني في أصله قام على الدعم الهائل للأسعار لأسباب سياسية واقتصادية، حتى أصبحت الفاتورة على الحكومة من الضخامة بحيث تهددها بالإفلاس. تقول الحكومة إنها كانت تدفع كل عام 114 مليار دولار لدعم الوقود. ثمن هائل بكل المقاييس الاقتصادية، خاصة بالنسبة لمداخيل الجمهورية المهددة بالتناقص. كان السعر الذي كانت تتقاضاه الدولة عن لتر البنزين للسيارة أرخص من أرخص سعر في العالم.. أرخص من السعودية التي تعطي هي الأخرى دعما ضخما لسعر الوقود. هذا كله تغير. اليوم إيران تعيش حالة حرب اقتصادية داخلية، وهذا ما يراهن عليه الأميركيون وحلفاؤهم. إيران تنتج البترول، أروع سلعة في العالم، ولا يستطيع العالم الاستغناء عن نفطها، لكنها بمواردها الحالية؛ إما أن تمل مشروعها السياسي بالهيمنة على دول الشرق الأوسط، خاصة منطقة النفط الخليجية، وبناء مشروعها العسكري النووي الذي سيضمن ديمومة البقاء للنظام الحالي. مراهنة صعبة، المسألة لعبة وقت ليس إلا، فمن سيصرخ أولا؟
التعليقات