شريف عبدالغني


أما وقد انتهت بأمان الله أزمة quot;الأهرام-الجزيرةquot;، والتي وجدت الفضائية الشهيرة نفسها فيها بلا ذنب اقترفته في حق الصحيفة العريقة، وذهب الصحافي المخطئ -في حق quot;الجزيرةquot; وجريدته ونفسه- إلى الظل، بعد أن جاءت الصحيفة بمن يرأسه ويُلجم شرور نفسه قبل أن تأمره بالسوء ليقع في أخطاء أخرى تخصم من رصيد quot;الأهرامquot;، فمن الواجب عليّ أن أشكر كلَّ القراء الأعزاء الذين أرسلوا تعليقات على مقالي بشأن تلك الأزمة والذي نشر بعدد quot;العربquot; بتاريخ 15 يونيو الحالي.
حقيقة أسعدتني كل التعليقات خاصة أنها أشادت بالمقال وكاتبه الذي هو أنا، وأعوذ بالله من كلمة أنا (لاحظوا أنني عربي مصري ومن أصل عراقي، أي أن هناك قوة دفع ثلاثية في جيناتي تدفعني لتقبل سماع الإشادة عن النقد، وعدم الالتفات لأية فئة مغرضة حاقدة تقلل من إمكاناتي، باعتباري من أمة واحدة ذات رسالة خالدة وخالية من العيوب والنواقص).
لكني أتوقف عند تعليق quot;الدكتور طه حسن مختار-النمساquot;، والذي تحدث عن quot;بعض أشباه الإعلاميينquot; الذين يسيئون بجهل إلى العلاقات بين العرب، موضحاً quot;نحن هنا أبناء الجاليات العربية في الغربة بالبلاد الأوروبية لا يوجد أي فرق بيننا سواء أكان مصريا أو قطريا أو جزائريا أو غيرهquot;، ضاربا المثل بما حدث أثناء مباراة مصر والجزائر من بعض إعلاميي البلدين، لتنتقل الفتنة بسرعة البرق إلى الشعبين مهددة باندلاع حرب quot;داحس وغبراءquot; جديدة.
وأعادتني كلمات د.طه لأجواء تلك الأزمة، والتي مازالت تبعاتها مستمرة حتى الآن، فقد حدث حينها أن جهّز أحد البرامج بقناة مصرية خاصة حلقةً للرد على أحداث المباراة التي جرت في السودان والتي انتهت بخروج مصر من تصفيات كأس العالم وصعود الجزائر، وكانت الحلقة عبارة عن ثلاث ساعات من quot;معايرةquot; الجزائريين بأفضال المصريين عليهم، مع عرض فقرة ثابتة عقب كلمات المتحدثين، تضم صورة لأبرز الشخصيات المصرية في مختلف المجالات، مع جزء من أغنية أم كلثوم الشهيرة عن مصر quot;وقف الخلق ينظرون جميعاً.. كيف أبني قواعد المجد وحديquot;، وكم كان مثيراً للمفارقة التي تبعث على الضحك إلى حدّ البكاء أن أذاع البرنامج وبدون مونتاج كلمات لرئيس تحرير صحيفة مسائية شهيرة بالقاهرة وهو يشتم مسؤولاً كروياً جزائرياً بعبارة أعتذر للقراء عن نشرها quot;.....quot;، وبعد هذه الدرّة الكلامية، جاء صوت أم كلثوم يصدح: quot;وقف الخلق ينظرون جميعاً كيف أبني قواعد المجد وحديquot;!
وقتها اتصلت بالزميل رئيس التحرير، وقلت له إن ما ذكره في التلفزيون سب وقذف صريح يتيح للمسؤول الجزائري رفع قضية ضده وسيكسبها حتما، فقال إنه مستعد لدفع أية غرامة تقررها المحكمة، مبررا ما فعله بأنه رد على quot;كل عدو تسوّل له نفسه مهاجمة بلديquot;، نفس المعنى أكده لي مقدم البرنامج، وقال إن المثول أمام القضاء في قضية كهذه quot;شرف لي، وكله يهون عشان مصر ومواجهة أعدائهاquot;!
ما قاله كلٌّ مِنْ الصحافي رئيس التحرير ومقدِّم البرنامج الشهير، تعبير عن مفهوم شائع في الأوساط الحكومية المصرية وتوابعها، بشأن وجود quot;حزب أعداء مصرquot; يتربص بها دائما، وهؤلاء الأعداء يختلفون باختلاف الأجواء السياسية السائدة، فمن quot;العدو الصهيونيquot; وlaquo;الغرب الإمبرياليquot; وlaquo;الرجعية العربيةquot;، دارت الأيام دورتها وأصبح العدو هو quot;حماس الإرهابيةquot; وlaquo;إيران الفارسيةquot; وlaquo;الثورية الحنجوريةquot;، فضلا عن آخرين يظهرون بين الحين والآخر من quot;حزب اللهquot;، إلى quot;قطرquot;، ومن quot;حسن الترابيquot; إلى quot;عبدالباري عطوانquot;! ومؤخرا أطلّ أعداء الداخل الذين يستعينون بالخارج، وهم كل المطالبين بالإصلاح السياسي بشكل سلمي للغاية، بداية من محمد البرادعي وlaquo;الإخوانquot;.. وانتهاء بسعد الدين إبراهيم وlaquo;كفايةquot;!
ويروّج لهذا العدو الوهمي جيش عرمرم مِنْ الكتّاب والصحافيين والإعلاميين ومقدمي البرامج، مع quot;كوكتيلquot; من المنافقين والأفَّاقين الجاهزين دائما للتفريق بين المصريين وأشقائهم العرب. وأصبح كل هذا الخليط مثل الدبة التي قتلت صاحبها، فأسهموا في تشويه وlaquo;تقزيمquot; صورة مصر، وأوصلوها ndash;رغم ما لها من مكانة وشأن ضاربين في جذور التاريخ- إلى أن quot;تزعلquot; وlaquo;تغضبquot; لمجرد برنامج احتوى على انتقادات لبعض سياستها على شاشة quot;الجزيرةquot; أو غيرها من الفضائيات.
وأسأل: هل quot;حماسquot; وخالد مشعل وإسماعيل هنية وغزة المحاصرة، هم عدو مصر، أم أنه هو وزير خارجيتها أحمد أبوالغيط الذي هاج وماج صاح وزأر وهدد وتوعد بـlaquo;كسرquot; رجل أي فلسطيني يتخطى الحدود، متجاهلا حقائق التاريخ والجغرافيا والدعم الذي قدمته مصر طوال تاريخها للفلسطينيين، فضلا عن مبدأ قومي وإنساني بإغاثة المستجير المحاصر، وهذا الموقف العنتري منه تجاه أهالي غزة يتغير ويتشقلب تماما عند مقتل جنود الحدود المصريين بالرصاص الإسرائيلي، حيث يظهر وقتها أبوالغيط وهو في قمة quot;ضبط النفسquot; رافعا شعار quot;إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب عيار 24quot;، وحتى عندما وصف إسرائيل بـlaquo;العدوquot;، أطلق معاونيه لتوضيح الحقيقة quot;والنبي يا اخوانّا معالي الوزير ما يقصدش إن إسرائيل عدوة لمصر والعياذ بالله، هو كان قصده إنها عدوة للبنانquot;.
هل quot;ملالي طهرانquot; هم سبب المشاكل التي تعانيها القاهرة، وهل إعلان الحرب عليهم وترويج نفس ما يردده quot;أصحاب الفضيلة حاخامات تل أبيبquot; والسادة أتباع quot;الطريقة الأوبامية الأميركيةquot; عن دعم إيران للإرهاب الدولي، من مصلحة مصر العليا والسفلى؟
هل المطالِبون بتفعيل الدور المصري مجرد quot;حنجوريينquot; يريدون جرّ مصر إلى الحرب، وهل صغرت مصر إلى الدرجة التي تحشد فيها برامج وكتّاباً للرد على أي صحافي ينتقدها مهما علا شأنه؟
هل محمد روراوة -رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم- هو أكبر عدو لمصر لمجرد أنه يعمل لمصلحة بلده، أم أن العدو هو نظيره المصري سمير زاهر، الذي أطلق أطناناً من الأكاذيب لا تبدأ بكسر الفريق الجزائري بنفسه زجاج الحافلة التي كانت تقله بالقاهرة، مرورا بأن الاتحاد الدولي قد يحتسب نتيجة المباراة الشهيرة التي جرت في أم درمان لصالح مصر أو إعادتها على الأقل، إلى أن استيقظ المصريون على خبر إدانة مصر وتغريمها من quot;الفيفاquot;، وحتى بعد ذلك روّج أن العقوبة مخففة، بل واصل أكاذيبه وأخفى خبر تحذير الاتحاد الدولي لمصر من إبعادها من تصفيات كأس العالم المقبلة بالبرازيل إذا تكررت أحداث مباراة الجزائر.
هل أصبح أنا عضوا فاعلا في quot;حزب أعداء مصرquot; لمجرد أنني كتبت هذا الكلام في إحدى صحف quot;العدو القطريquot;، بينما الصحافي رئيس تحرير quot;الأهرام الاقتصاديquot; شريف جدا وعفيف للغاية ووطني آناء الليل وأطراف النهار لمجرد أنه ظهر مؤخرا على شاشة التلفزيون الرسمي المصري ليصف السيد حسن نصرالله بأنه quot;كاذب ومنحط وسافل وفاقد للشرفquot;؟