يوسف الكويليت

طلّقت روسيا إرث الاتحاد السوفياتي ومعه الثورية والنضال laquo;ويا عمال العالم اتحدواraquo; وكلّ ما يمت إلى تلك المرحلة مفضلة laquo;البراغماتيةraquo; والتعامل من أفق منفتح يحقق لها الدور الذي يخدم مصالحها، وقد استطاعت حسم قضية الجواسيس بينها وبين أمريكا دون تشنج أو إعلان الانتصارات بالقدرة على اختراق الموانع المحصنة والوصول إليها بإرادة الأيدلوجيا الشمولية..

في مسألة عقود الاتفاق بين إيران وروسيا، لا يوجد خيار أمام روسيا إلا التلاقي مع أمريكا، وهي ليست الأولى بين القوى العظمى التي تختلف حساباتها مع أي طرف ثانوي حتى لو وجدت خلافات بينها، ولعل رهان إيران على حليف مؤيد في قضية تمس الأمن الدولي وعدم سماعها النصائح، وحتى لو جاءت العلاقات الاقتصادية بينهما، فهناك مرجح آخر مثل التسلح النووي وتخفيضه إلى أدنى الدرجات وكذلك العلاقات التي تتسم بالاستراتيجيات العليا التي يظل سقفها أعلى من أي علاقة أخرى..

فروسيا ليست بذات الحجم الاقتصادي مع أمريكا، ولا تملك التأثير على السياسات العالمية الأخرى، وبالتالي تظل هموم الدول ومدى حلها، حتى باللجوء إلى الحصار الاقتصادي، تأتي أقوى من التعامل مع إيران من خلال صفقات أسلحة أو مفاعلات نووية أو براميل من النفط وأمتار من الغاز أو العودة إلى الحرب الباردة إذا كانت البدائل تستدعي توحيد الجبهات ضد أي تمرد تراه هذه الدول يخلّ بساحاتها الخارجية مع بقية دول العالم، وخاصة مع الغرب الأوروبي وأمريكا ودول آسيا، وحتى الصين لا يقل موقفها عن روسيا واللتان تجمعهما الرؤية الواحدة ، والاستراتيجيات المشتركة..

إيران لم تحترق كل أوراقها إذا أرادت خدمة روسيا أو غيرها في الوصول إلى حلول مع دول مجلس الأمن ومن يتحالفون مع الدول الأعضاء، أن تدير معركتها الدبلوماسية بما يحفظ لها التوازن في علاقاتها الخارجية..

فمسألة التسلح النووي هناك حسم تام في رفضه، ولا تراجع، ثم إن تقديرات هذه الدول من الناحية الأمنية والسياسية تختلف عن إيران ، بل هناك رهان على الوضع الداخلي المتفجر الذي دخل ساحته البازار ، ولم يقتصر على فريق المعارضة، وإذا ما أضيفت له العقوبات المختلفة، فإن الأمور قد تخلق مصاعب كبيرة لإيران، وهو ما سبق أن كابَر به صدام حسين ليموت آلاف الأطفال، وتشح الموارد الضرورية حتى ابتكر مصطلح laquo;النفط مقابل الغذاءraquo; وهي لعبة استدرار لعواطف الرأي العام العالمي، بل كانت الكوارث على الشعب كبيرة، ولازال العراق يدفع ثمنها، وإيران حتى بتعدد مصادر دخلها لا تستطيع أن تستغني عن العالم وبالتالي فالتعامل مع الواقع هو الذي يخدمها، لا العكس..