تقارير غربية تزعم تدهور صحته.. والرئيس ينفيها بنشاط مكثّـف

القاهرة ـــ أحمد متبولي


هذه المرة جاءت بشكل متواز من واشنطن وتل أبيب: laquo;الرئيس حسني مبارك في خطر وصحته تتدهور، وقد لا يكمل عامه الرئاسي الحاليraquo;! أما المشهد في القاهرة فمختلف تماما ومناقض لهذه التقارير، فالرئيس يقوم باستقبالات رسمية غير عادية ويشارك في تخريج دفعات عسكرية في مختلف التخصصات، ويقوم بجولات تفقدية لعدد من المشروعات. ولم يكتف المسؤولون بذلك، بل أصدروا بيانا نفوا فيه هذه التقارير.

قلق المصريين على صحة الرئيس ممتد منذ نحو ست سنوات منذ مرضه الأول، عندما قام بإجراء جراحة للغضروف ووقتها تعاملت أجهزة الإعلام الرسمية بعقليتها القديمة وأخفت حقيقة مرضه حتى ظهرت تقارير خارجية تتحدث عن ذلك، فاضطرت إلى إعلان الحقيقة وخاطب الرئيس الشعب من المستشفى في ألمانيا وطمأنه على صحته. وبعد عدة سنوات تجددت إشاعة مرض الرئيس ولعبت الصحف المستقلة دورا في ترويج هذه الإشاعة، علي رأسها laquo;الدستورraquo;، فصدر حكم بالحبس ضد رئيس تحريرها إبراهيم عيسي بتهمة ترويج أخبار كاذبة عن الرئيس، ثم اصدر مبارك قرارا بالعفو عنه.

الانتقال إلى الشفافية
وفي المرة الأخيرة وفي مارس الماضي، كانت الأجهزة الإعلامية أكثر نضجا، حيث أعلنت سفر الرئيس الى ألمانيا لإجراء فحوصات طبية ثم أعلنت إجراءه عملية لإزالة المرارة، واستمر في فترة النقاهة نحو شهر ونصف الشهر أوكل خلالها مهامه وقتها إلى رئيس الوزراء، وفق ما ينص الدستور. وتعامل الشارع بهدوء شديد مع هذا الوضع، لأنه وجد شفافية كاملة.

إسرائيل laquo;قلقة جداraquo;
لكن اللافت ان التقارير الأخيرة صدرت عن صحف إسرائيلية وأميركية بشكل متقارب، حيث نقلت laquo;يديعوت أحرونوتraquo; عن laquo;مصادر سياسية مرموقةraquo; قولها إن إسرائيل قلقة جدا بعد تلقيها معلومات عن الحالة الصحية laquo;السيئةraquo; للرئيس مبارك جراء إصابته بالسرطان، وان صحته معتلة منذ مدة طويلة وفق قولها.
كما أفادت laquo;هآرتسraquo; بأن صحة مبارك الذي يعتبر في الغرب محورا مهما لاستقرار المنطقة، تحولت أخيرا الى واحدة من القضايا الحساسة جدا بالنسبة الى الدول المجاورة، والدول العظمى الغربية.
ولم يكد يمر يوم على تقرير الصحافة الإسرائيلية حتى خرجت laquo;واشنطن تايمزraquo; بتقرير مطول قالت فيه إن الاستخبارات الأميركية والغربية تتابع باهتمام أنباء صحة الرئيس مبارك، الذي ترى أنه في مرحلة متأخرة من المرض، وقد لا يكمل عامه الرئاسي الحالي، وان إدارة الرئيس باراك أوباما تتابع عن كثب الانتقال المتوقع للسلطة.

لا استجابة في الشارع
ونقلت الصحيفة عن ثلاثة مسؤولين أميركيين ان مجلس الاستخبارات القومي والقيادة المركزية الأميركية كلفا محللين استخباراتيين لرسم السيناريوهات المتوقعة لما بعد رحيل مبارك.
لكن هذه التقارير لم تلق استجابة في الشارع المصري، لان المواطنين رأوا رئيسهم يقوم بمهامه في نشاط كبير وتبدو صحته جيدة، ويستقبل عددا من الرؤساء ويشارك في تخريج طلاب عسكريين، كان آخرهم بحضور الرئيس التركي عبدالله جول.
وخرج وزير الإعلام انس الفقي في تصريحات لوكالة رويترز ليؤكد ان الأنباء المشار اليها غير صحيحة بالمرة، فالرئيس في حالة صحية جيدة، وهذا ما أعلنه الأطباء بعد عملية إزالة المرارة في ألمانيا.
وأضاف laquo;نحن بالطبع نتفهم الاهتمام بهذا الموضوع، نظرا للثقل الجغرافي والسياسي الذي تحظى به مصر، بالإضافة إلى دور الرئيس مبارك في الشرق الأوسط كقوة لحفظ الاستقرار، ولكن التقارير الإعلامية المنشورة تبنى فقط على الإشاعات والتكهنات، بما في ذلك تقرير صدر اخيرا، مستشهدا بمصادر مخابراتية مجهولةraquo;.

هدفان لحملة الترويج
لكن، ما الذي يدفع الصحف الأجنبية الى ترويج هذه الإشاعات؟
مصدر مسؤول ربط في تصريح لــ القبس هذه التصريحات بالتحركات الإسرائيلية والأميركية الهادفة إلى الضغط على الفلسطينيين للدخول في مفاوضات مباشرة تساعد الرئيس الأميركي في موقفه الداخلي من جهة قبيل انتخابات الكونغرس وتظهره بصانع السلام، وتخفف الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي من جهة أخرى، من دون تقديمهم أي التزامات او تنازلات حقيقية للفلسطينيين، ومع إغراقهم في تفاصيل المفاوضات التي قد تمتد إلى ما لا نهاية وتتوقف عند أول عقبة تصادفها.
وأضاف المصدر: laquo;القاهرة تقف حائلا دون هذا المخطط ويبدو أن هذا يسبب مشكلةraquo;، رابطا بين زيارة نتانياهو للقاهرة اخيرا والرسالة التي بعث بها الرئيس الأميركي لنظيره المصري واتصال وزيرة الخارجية الأميركية به في توقيت الزيارة نفسه، التي توازت مع زيارة الرئيس الفلسطيني لمصر، ومطالبتهما لمبارك باستخدام نفوذه مع أبومازن لإقناعه بالدخول في المفاوضات المباشرة.

تفهم عنصر القلق
لكن، رغم وجاهة الطرح الذي قدمه المصدر، فإن عنصر القلق لما بعد مبارك يظل يطرح نفسه على الساحة السياسية في الداخل والخارج، وهو ما ظهر أيضا في تأكيد وزير الإعلام أن القاهرة تتفهم هذا الاهتمام بالموضوع، نظرا لثقل مصر.
هذا القلق هو المحرك الرئيسي للاحداث حاليا، فالرئيس مبارك سبق أن صرح بأنه laquo;مستمر في عمله طالما في الصدر قلب ينبضraquo; والمسؤولون المصريون قالوا إن الأوضاع ستسير في حال حدوث أي فراغ رئاسي laquo;كما يقول الكتابraquo;، ويقصدون به الدستور الذي ينص على أن يتولى رئيس البرلمان السلطة في حال غياب الرئيس، ويدعو لانتخابات رئاسية خلال شهرين.

من سيترشح للرئاسة؟
لكن القضية ليست في النصوص، وإنما في آليات تطبيقها. فحتى الآن ليس معروفا من سيكون مرشح الحزب الوطني اذا حدث أي فراغ مفاجئ، ولا يوجد سوى جمال مبارك الذي يحظى بقبول داخل الحزب بوصفه عضوا في الهيئة العليا، في حين لا توجد فرص ترشيح شخصيات أخرى تحظى بقبول في الشارع، مثل الوزير عمر سليمان، لان شروط الترشح للرئاسة تنص على أن يكون المرشح مر عليه عام كامل في عضوية الهيئة العليا للحزب، وهو ما لا ينطبق على سليمان، لأنه أساسا ليس عضوا، بحكم منصبه الذي يمنعه من الانضمام للأحزاب، فيما يستبعد أن يترشح سليمان مستقلا أمام مرشح الحزب الحاكم!
وفي المقابل، لا توجد شخصيات حزبية تحظى بتواجد في الشارع، وحتى الرئيس السابق للوكالة الذرية د. محمد البرادعي، أعلن مرارا رفضه فكرة الترشح للمنصب وفقا للشروط الحالية التي تطالب المرشح المستقل بالحصول على موافقة 250 عضوا في البرلمان بمجلسيه الشعب والشورى والمجالس المحلية. إضافة إلى تصاعد المعارضة ضد جمال مبارك في ضوء تزايد الاتهامات ضد عدد من الوزراء والمسؤولين الذين ارتبط صعودهم بصعود نجم مبارك الابن.

سيناريو الفوضى
هذا الغموض الذي يقابَـل بتصعيد مستمر من المعارضة، دفع وزير الداخلية حبيب العادلي ليحذر من سيناريو الفوضى، الذي يهدم الأسس الشرعية للنظام، فيما تتزايد معدلات الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي مع تراجع ملحوظ لقوة الحكومة في مواجهة عدة قضايا فساد تفجرت اخيرا.
القلق إذا له ما يبرره، والقاهرة نفسها أبدت تفهما لدوافعه، لأنه لا يتوقع أن يظل بلد بحجم مصر سياسيا وجغرافيا وسكانيا رهينة للمجهول.. ويظل السؤال: إذا كانت القاهرة تتفهم هذا الوضع فلماذا لا تقدم إجابات لوأد الفتنة قبل ظهورها؟ ولماذا يستمر الغموض، خاصة ان الأوضاع في الداخل أو حوله تعاني من توتر لا ينذر بخير؟!