علي الظفيري

هناك اتجاهان خاطئان في الفهم العربي السائد لإيران، الأول قائم على شيطنتها منذ ثلاثين عاما، والآخر يرى فيها المخلّص والمنقذ للمنطقة، وهذا الفهم لا يعبّر عن واقع إيران وحقيقتها، بقدر ما هو تعبير عن حالة من اللا سواء تعيشها المنطقة العربية، ليس بسبب فقدان العقل أو القدرة على التفكير المنطقي والواقعي، بل بسبب الضعف المتفشي في بلادنا، والضعيف لا يمكنه أن يفكر بطريقة صحيحة، ومواقفه مجرد ردود أفعال غريزية غير مُنضبطة ومُتحكم فيها، فالضعف لا يضعك أبداً في مركز دائرة الفعل بل على هوامشها.
عند بوابة الخروج في مطار الإمام الخميني في طهران، وضعت عقلي العربي جانباً كي أتمكن من رؤية إيران كما هي، وليس كما أريد، فأن تكون بلا عقل أحيانا، أفضل من عقل عربي محشو بالدعايات الكاذبة، لم أنجح تماماً!، وإلا فما هو تفسير الانبهار laquo;الساذجraquo; من الشوارع الجيدة والأنفاق الكبيرة والبنية التحتية المتينة للعاصمة طهران، هل يعقل أن أتصور بلداً مثل إيران بدرجة أقل مما رأيته عليه!، لا بأس، سأكرر المحاولة مرة أخرى!
الزميل الذي أقلني من المطار، وهو عراقي يعمل في إيران ndash;كما هو حال عشرات الآلاف من العراقيينndash; كان يحدثني طوال الطريق إلى الفندق عن إيران، كنت أستمع إليه دون أن تفارق مخيلتي صورة المفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي، الرجل الذي أعادت دار الأمير اللبنانية الاعتبار لنتاجه الفكري عربيا عبر ترجمات رصينة بعيدا عن الترجمات الضحلة والمشوهة السابقة، كان سيُقدَّر لعلاقتنا والثورة laquo;لو فهمناه على النحو الصحيحraquo; أن تكون بخلاف ما هي عليه الآن، لكننا جميعا، قادة الثورة الإسلامية التي مهدت مؤلفاتُه لنجاحها، ونحن، انحزنا لرغبتنا الفطرية في الصراع والتنازع، ونحٍّينا جانباً الأفكار العظيمة laquo;للمعلّمraquo;، تلك التي كان يبثها في حسينية الإرشاد مطلع السبعينيات الميلادية، قبل أن تغلقها سلطات الشاه ويغادر إلى لندن لتغتاله أيدي السافاك هناك، ومن الجيد لك أن تقرأ قبل زيارتك لطهران شيئاً من نتاج الدكتور شريعتي وكتاب laquo;الجمهورية الصعبةraquo; للباحث اللبناني طلال عتريسي، سيكفيك ذلك عناء الصور الذهنية المغلوطة والاستنتاجات الغبية أحياناً!
ثمان وأربعون ساعة في طهران كافية للحكم بأن النساء الإيرانيات هن أجمل النساء على وجه الأرض، ما شاهدت في حياتي حُسْنا كالذي شهدته هناك، وهذا مفيد لنا في الخليج، أزعم أن جانبا كبيرا من العقل الاستراتيجي الخليجي يتشكل وفق منظور سياحي للدول، أجروا اختباراتكم وستجدون أني محقّ، لبنان بين فريقين ومصر بين عهدين مفيدة في جردة الحساب هذه!، لكن الدول الحقيقية لا تقوم على مبدأ إعجاب السائح للأسف! ومع ذلك تبدو الحياة الاجتماعية ووضع المرأة ndash;بخلاف الطبيعة الخلابةndash; في إيران بحال ممتازة مقارنة بما يجري لدينا، فنحن بعد أربعة عشر قرناً من الإسلام ومئات أو آلاف القرون من بدء الخليقة، لم نتوصل لطريقة ملائمة لوضع المرأة في مجتمعاتنا، مازلنا نتناقش حول الاختلاط وقيادة المرأة وبطاقتها الشخصية!، في إيران الأمور ليست كما نتصور، هناك انفتاح اجتماعي منضبط جداً، والرئيس أحمدي نجاد من المطالبين بممارسة المرأة للرياضة وعدم تدخل الأمن أو أي جهة رسمية في لباسها، لديهم همّ أكبر من ذلك، إنهم يسعون لبناء أمتهم!
ليس صحيحاً أن قبضة النظام كبيرة وتقمع المختلفين، هناك نقاشات حقيقية وخلافات حول كل شيء، بدءاً من المجتمع إلى السياسة وصلاحيات الولي الفقيه وسلطاته وصولاً إلى دور ومكانة الدين في الدولة، بين الإصلاحيين الداعين للمصالحة مع أميركا ومبدأ إيران أولاً، والمرشد وجماعة المحافظين المتشددين في هذا الجانب، ولا أعرف هل طرحنا تساؤلا حقيقيا حول من هو الفريق الأقرب لنا بينهما، أقصد لمصالحنا كأمة؟!
مزعج جداً عدم وجود مسجد للسنّة في طهران، رغم أن عشرات الملايين الإيرانيين من السنّة!!، لو كان علي شريعتي حيّاً لانقلب على هذه الثورة وناوأها، فهل يعقل أن بلدا إسلاميا كبيرا يسعى للزعامة مثل إيران يكون بهذا الأفق الطائفي الضيق؟، اشتراطان رئيسيان لنجاح إيران في المنطقة العربية، إزالة اللباس الطائفي عن النظام وانفتاحه تجاه الآخرين، والكف عن استغلال الوضع في العراق لصالحها بطريقة فجة، بدون ذلك ستجد دائما من يناهضها دون هوادة. البعض يناهض إيران ليس لهذه الأسباب!
الإيراني العادي طيب وودود بشكل عام ولا يحمل ضغينة للعربي، إنهم ألطف من الأتراك على سبيل المثال في التعامل معنا، وللأسف لا يعرفهم منا سوى العرب الشيعة، نحتاج ويحتاجون هم أيضا لمزيد من الانفتاح على بعض، بعيدا عن التخندق الطائفي المريض، وعلينا ألا نصوب أقلامنا وإعلامنا تجاههم، ثمة من يستحق هذا الجهد على الجانب الآخر.
لو قدر لي أن أحمل رسالة معي من هناك، لقلت إن إيران ليست عدواً لنا أبداً، وهذه البديهية جعلها البعض عصية على الفهم ومحل شك كبير، ليست إيران المنقذ ولا الداعم بلا ثمن، لكنها ليست النقيض الذي يقوم بناؤه على هدمنا، إنه مشروع وطني قومي طموح نتقاطع معه في مناطق كثيرة، ما علينا سوى الانتباه للمناطق المشتركة، وأن نوجه بنادقنا إلى الجهة الأخرى، هذا إن كان ثمة بنادق!