شريف عبدالغني

laquo;رغم أن الجوع كافر فإن خيانة الوطن أقذر وأشد كفرا من الجوعraquo;.. وسط الظروف المادية الصعبة التي يعيش في ظلها، والمرض الذي يحاصره، وجّه أحمد الهوان الشهير بـ laquo;جمعة الشوانraquo; بطل عملية التجسس المصرية الشهيرة الذي اخترق الموساد الإسرائيلي على مدار 11 عاما، رسالة محفزّة للشباب بعدم فقدان الأمل. جاءت الرسالة متزامنة مع الحادث الإجرامي الرهيب الذي طال عشرات الأبرياء أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية، والقبض على شاب مصري ضمن شبكة تجسس لصالح إسرائيل.
لا شك أن مرتكب جريمة الإسكندرية، لو كان مصريا، فهو خائن لبلده وللإنسان الذي كرمه الله، وأكد في قرآنه الكريم أن laquo;من قتل نفسا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاraquo;. لا يغفر للجاني الثقافة المشوشة المحيطة به ولا انتشار أفكار التكفير حوله، أو أنه نتاج تعليم منحط لا يبني عقلا، أو كونه يعاني الفقر والجوع. والأمر نفسه ينطبق على المتهم بالتجسس لحساب العدو الإسرائيلي. أبداً لا يغفر له خيانة الوطن أية ظروف اجتماعية أو بطالة، حتى لو صرخ مثل الشاب الذي قابله الكاتب الصحافي نبيل عمر، وكتب على لسانه مؤخرا بجريدة laquo;الأهرامraquo; شبه الرسمية في محاولة لدق ناقوس خطورة البطالة: laquo;أقسم بالله العظيم لو أعرف أشتغل جاسوسا لاشتغلتrlm;، الوطن ليس سماء وأرضا وعلما ونشيدا وذكرياتrlm;. الوطن عمل وأسرة ورغيف وحاضر ومستقبل وعدل وناس تلاقي نفسهاrlm;!rlm;raquo;.
رسالة جمعة الشوان للشباب تكشف عن معدن الرجال وقت الشدة، فالرجل الذي قدم الكثير لمصر وتوّج سنوات عمله -التي وضع خلالها كفنه على كفه في كل لحظة- بالحصول على أغلى جهازي إرسال في العالم من المخابرات الإسرائيلية في ذلك الوقت، وساعد الجهازان مصر كثيرا في التحضير لمعركة أكتوبر، يمر بظروف صحية ومادية صعبة جعلته يقول والدموع تخنق عينيه: laquo;الجوع كافر!!raquo;، قبل أن يلوم في حوار له مؤخرا laquo;الموساد الإسرائيلي لأنه سايبني لغاية دلوقت من غير ما يصفّيني، لأني خنتهم وحصلت لمصر على أغلى أجهزة تجسس ورفضت أبيع بلدي.. كنت عايزهم يقتلوني ويريحوني بدال ما أنا قاعد استلف من الناس وأبيع شقتي عشان أسدد ديوني وأجيب علاج.. يعني لو كان ربنا خلقني رقاصة ولا لعّيب كورة ولا مطرب كان الكل جري عشان يعالجني لما أتعب!raquo;. لكنه ورغم كل هذا عاد ووجه رسالته للشباب بعدم فقدان الأمل.
رحلة الشوان مع المرض -حسب روايته- بدأت في 10 أكتوبر الماضي وبعد نقله لمستشفى خاص وبقائه عدة أيام اضطر لمغادرته لأنه دفع أكثر من 85 ألف جنيه مقابل المبيت فقط بالمستشفى قبل إجراء عملية تركيب قسطرة ودعامتين، يوم دخوله المستشفى اتصل بزميله في عملية التخابر اللواء عبدالسلام المحجوب وزير التنمية المحلية الحالي، والذي عرفه الجمهور الذي شاهد المسلسل الشهير الذي يروي قصة ملحمة الشوان laquo;دموع في عيون وقحةraquo; باسم الريس زكريا. أخبره أنه مريض ويحتاج إلى مساعدة الدولة للعلاج، فأرسل المحجوب له سكرتيرا في اليوم التالي استمع إليه وأعطاه مظروفا به 500 جنيه وأخبره أن laquo;معالي الوزيرraquo; سيحضر للاطمئنان عليه في المستشفى أو المنزل. و laquo;من يومها لم يحضر لأنه من الواضح أن المرور فيه أزمة والوزير مش عارف يوصلّيraquo; على حد تعبيره!
وقال الشوان إنه اشتكى مراراً لجميع مؤسسات وهيئات الدولة، ليحصل على أبسط حقوقه كمواطن عادي وليس كبطل قدم لمصر أعمالا جليلة، لكن لم يهتم به أحد.
وتوجه بعدها الرجل لمستشفى مصطفى محمود الخيري وأجرى العملية التي تكلفت 45 ألف جنيه، وعرض شقته التي يسكن بها هو وأولاده لسداد ثمن العملية الذي حصل عليه كسلفة من بعض معارفه. وأكمل الشوان أن هذه ليست المرة الأولى التي تتنكر له مصر وتتركه في لحظات احتياجه، فقد سبق أن قدم أوراق أبنائه للمحجوب بناء على طلبه بعد تخرجهم لتوظيفهم ولم يحدث، بالإضافة إلى أنه ليس له معاش ينفق منه حتى الآن رغم بلوغه الثانية والسبعين.
ولأن الرجل أعطى بصدق لبلده فقد كان حتمياً أن تجد كلماته الصدى الذي يستحقه، ووجد من يستجيب له ويتكفل بنفقات علاجه.. لم يكن المستجيب اللواء المحجوب بالطبع بعد كل ما ذكره الرجل، ولم يكن وزير الصحة أو المالية، كما لم يكن -حتى من وازع إنساني- الفنان عادل إمام الذي زادت شعبيته وجماهيريته في العام العربي بعدما جسد شخصية الشوان في مسلسل laquo;دموع في عيون وقحةraquo;. كل واحد من هؤلاء لديه مشاغل أهم من هذا البطل الوطني.. فالمحجوب كان مشغولاً بانتخابات مجلس الشعب ليضيف كرسي البرلمان إلى كرسي الوزارة. أما وزير الصحة فلم يعالج الرجل على نفقة الدولة مثلما سبق وعالج زوجته laquo;الوزيرraquo; في الولايات المتحدة، بينما مسؤول laquo;الماليةraquo; مهموم بجمع الضرائب وفحص عينيه باستمرار وعلى نفقة الدولة أيضا. وبالنسبة لعادل إمام فهو يقوم بمهمة وطنية تتمثل في توسيع نفوذه وزعامته لمنطقة المنصورية بالجيزة الكائن بها قصره.
أما الجهة الوحيدة التي استجابت بالتكفل بعلاج الرجل فكانت القوات المسلحة الباسلة، التي كعادتها لا تتأخر أبداً في أي موقف وطني أو إنساني.
للأسف ما حدث مع جمعة الشوان، قبل أن تنشله القوات المسلحة من بؤرة الإهمال، سبق وأن عانى منه نفر من خيرة من أنجبتهم مصر، ذاقوا الأمرين في مرضهم قبل أن يلقوا وجه أرحم الراحمين، بينهم شخصية فذة مثل عبدالوهاب المسيري، والذي تكفل بمصاريف علاجه أمير سعودي، كما مات المفكر الدكتور محمد السيد سعيد والكاتب مجدي مهنا بعيداً عن اهتمام الدولة، والتي تكون حاضرة بقوة لو كان المريض فنانا، أو على شاكلة نائب يمثل دور المعارض في مجلس الشعب، والذي أرسلوه فورا إلى ألمانيا للعلاج، وبعد شفائه هناك طلب من المستشفى بالمرة أن يعطوه علاجا -على نفقة الدولة طبعا- يزيد من قدرته الجنسية التي طالها العطب، فلما فعلوا حاول النائب تجربة نفسه فلم يجد غير الممرضة ليتحرش بها، وكانت فضيحة هزت السماوات الألمانية.
من الآن فصاعدا وحتى لا يتعرض أحد رموز الوطن في مختلف المجالات، لأي تجاهل عند المرض، عليه أن يغير بطاقته الشخصية ليكتب في خانة المهنة: laquo;راقصةraquo; أو laquo;ممثلraquo; أو laquo;ممثل دور المعارضraquo;!!