إنها أزمة نظام في الجزائر

خير الله خير الله

الراي

تعكس الاحداث التي تشهدها الجزائر ازمة عميقة للنظام اكثر من اي شيء آخر. لو لم يكن الامر كذلك، لما كانت شوارع العاصمة ومدن ومناطق اخرى وصولا الى وهران شهدت اعمال عنف يقف خلفها شبان لا هدف لديهم سوى التخريب. انه تخريب من اجل التخريب تعبيرا عن حال من اليأس اوّلا. لم يستطع النظام الجزائري، على الرغم من كل الاحتياط المالي لدى خزينة الدولة والذي يقدر حاليا بنحو مئة وخمسين مليار laquo;بليونraquo; دولار، الاستثمار في التنمية وحتى في الانسان الجزائري القادر على تحقيق انجازات كبيرة مدى توفر له الجو المناسب والظروف الملائمة داخل البلد او خارجه.
لعلّ اول ما يتبادر الى الذهن في ضوء المشاهد، التي بثتها الفضائيات العربية والاجنبية هل تتكرر تجربة العام 1988 التي انهت عمليا حكم الشاذلي بن جديد وفتحت الابواب امام سنوات طويلة من الحروب الداخلية راح ضحيتها عشرات الآلاف؟ لا شك ان المشاهد التي نراها مطلع العام 2011 تشبه الى حد كبير ما رأيناه في خريف العام 1988 مع فارق كبير، يتمثل في ان الدولة الجزائرية في العام 1988 كانت مفلسة بسسب هبوط اسعار النفط والغاز، في حين ان الدولة، تعتبر حاليا غنية بفضل ارتفاع اسعار النفط والغاز. في العام 1988، اعتقد الشاذلي بن جديد بفضل عقله التبسيطي ان في استطاعته حلّ مشكلة الجزائر عن طريق التصدي لمشكلة السكن، فراح يبحث عمن يبني احياء جديدة لتوفير مساكن للطبقات الفقيرة. فاته ان المشكلة كانت مختلفة تماما وان السكن ليس سوى جزء بسيط منها. اكتشف لاحقا، بعد فوات الاوان، ان الاسلاميين تغلغلوا في كل المجتمع وانهم وفروا بؤرة صالحة لنمو الحركات المتطرفة التي تستخدم الارهاب وسيلة لتحقيق اهدافها.
ما انقذ الجزائر واخرجها من محنتها ابتداء من العام 1999 عوامل عدة بينها الحرب على الارهاب التي شنتها الاجهزة الامنية الجزائرية من جهة والانفتاح الداخلي، اقله ظاهرا، من جهة اخرى. مع الوقت، تحولت الجزائر من بلد يحكمه حزب واحد الى بلد فيه تعددية حزبية وعشرات الصحف والمجلات. انها مجرد مظاهر ديموقراطية يتأكد يوميا انها ليست موجودة عمليا.
في السنة 2011، يمكن القول ان الجزائر تغيّرت ولكن من دون ان تتغيّر. ما لم يتغيّر هو عقل متحجر يعتقد ان تجربة هواري بومدين كانت ناجحة وان في الامكان تكرار التجربة متى توافرت الايرادات المالية اللازمة التي يوفرها النفط والغاز. بعد ذلك، يصبح كل شيء قابلا للحل. لم يقم المسؤولون الجزائريون الكبار بعملية نقد للذات تقودهم الى اكتشاف ان في اساس المشكلة التي يعانون منها فشل النظام في بلدهم، وهو قبل كل شيء فشل لمؤسسات الدولة. اسس لهذا الفشل عهد هواري بومدين الذي حكم بيد من حديد بين العامين 1965 و1978. فشل بومدين في كل الميادين. فشلت ثورته الزراعية التي قضت على الزراعة. وفشلت ثورته الصناعية التي لم تنشئ صناعة، رغم كل ما صرف من اموال هائلة على بناء مصانع. وفشلت عملية التعريب التي قادها. نسي الجزائريون الفرنسية ولم يتعلّموا العربية. كان الهرب الى التطرف الاسلامي من بين ما ادى اليه انهيار النظام التعليمي من جهة ونشوء طبقة صغيرة مستفيدة من النظام. تشكلت تلك الطبقة من تحالف بين افراد الحلقة الصغيرة المحيطة بالرئيس الجزائري ومجموعة من البيروقراطيين والحزبيين والعسكر وقادة الاجهزة الامنية والتجار داخل الجزائر وخارجها من جهة اخرى.
لم يكن العقيد الشاذلي بن جديد الذي خلف بومدين سوى احدى واجهات الطبقة الحاكمة. اكد العسكر وقادة الاجهزة الامنية بعد رحيل بومدين آخر العام 1978 انهم الجناح الاقوى في السلطة. فرضوا احدهم وهو قائد منطقة عسكرية على حساب كل من المدني عبدالعزيز بوتفليقة والحزبي محمد صالح يحياوي. في السنوات الاولى من عهد الشاذلي، لعبت الاموال المتوافرة من النفط والغاز دورا في تغطية فشل السياسة الاقتصادية والاجتماعية المتبعة منذ وصول هواري بومدين الى الرئاسة في العام 1965. انفجر الوضع في العام 1988 بعدما تبين ان الاسس التي تقوم عليها مؤسسات الدولة هشة الى حدّ كبير.
بعد عشرين عاما من استبعاده عن رئاسة الجمهورية، احتل عبد العزيز بوتفليقة الموقع الذي كان يحلم به. يريد ان يكون بومدين آخر في حين ان العالم تغيّر جذريا، بما في ذلك الجزائر نفسها. وصل الى الرئاسة بعدما استطاع الجيش الجزائري القضاء على القسم الاكبر من الارهابيين الذين كانوا يقتلون الناس باسم الدين الحنيف الذي هو براء منهم. ولكن بعد ما يزيد على عشر سنوات من حكم بوتفليقة، يتبين ان العائدات المالية ليست بديلا من الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وانفتاح حقيقي على الجوار والعالم من دون عقد. ليس كافيا التعاطي مع الاميركيين من تحت الطاولة لتبرير أي سياسة من أي نوع كان، بما في ذلك العداء لفرنسا التي يحلم معظم الجزائريين بالانتقال اليها. هذا لا يعني ان السياسة الفرنسية من دون شوائب، خصوصا لدى التعاطي مع دول شمال افريقيا. فقد تخلى الاعلام الفرنسي مثلا عن الحد الادنى من الموضوعية لدى تغطيته الاحداث الاخيرة في تونس وغرق في معظمه في مبالغات عكست جهلا بتونس اكثر من اي شيء آخر.
ليس مستبعدا كليا ان تشهد الجزائر انتفاضة جديدة شبيهة بتلك التي حصلت في العام 1988، على الرغم من ان قوات الامن قادرة على السيطرة على المدن كما ان الدولة تملك ما يكفي من المال لتوفير بعض المسكنات للمواطن العادي، خصوصا للشبان العاطلين عن العمل الذين يمضون يومهم مسندين ظهورهم الى الحائط يتفرجون على السيارات الفارهة التي تمر امامهم، خصوصا في المدن الكبرى. البلد في ازمة عميقة هي ازمة نظام عاجز عن فهم خطورة استمرار الوضع الراهن على الصعيد الداخلي في المدى الطويل.
يبقى مصدر الخوف كل الخوف، من عدم قدرة النظام على الاستفادة من دروس ما حدث في الايام القليلة الماضية واستيعاب كبار المسؤولين، على رأسهم بوتفليقة، ان الازمة ازمة نظام لا يمتلك سياسة اجتماعية او اقتصادية او تعليمية. نظام يعتقد ان في استطاعته حل مشاكله عن طريق عائدات النفط والغاز وممارسة سياسة الهروب الى امام في الوقت نفسه. يحصل ذلك عن طريق رفع شعارات طنانة لتبرير الحرب التي تُشنّ على المغرب بواسطة اداة اسمها جبهة laquo;بوليساريوraquo; مثلا... او افتعال ادوار مثل التوسط بين اريتريا واثيوبيا كما حصل قبل سنوات قليلة.
في النهاية مشكلة الجزائر في الجزائر وليس خارجها. لا يمكن لنظام ستاليني في العمق وديموقراطي من ناحية المظهر ان يستمر طويلا من دون سياسة اصلاحية تخرج الجيل الشاب من حال اليأس التي يعاني منها والتي تجعله يقبل على العنف كلما سنحت له الفرصة!

الفعل الغاضب.!

يوسف الكويليت

الرياض

في كل بلدان العالم تنشأ اضطرابات ومظاهرات تخالف السياسات والإجراءات الرسمية للدول وقراراتها، لكنها تختلف من بلد لآخر، ففي الدول الديموقراطية تقرأ وتحلل اتجاهات الرأي العام، وأسبابها، وخاصة حين ينفجر الغضب من المدارس والجامعات، بسبب تنافس الأجيال التي ترفض الركود في قوائم القوانين التي لم تعد تتناسب ومراحلهم الآنية، من أجل استصدار قرارات إصلاحية تراعي الواقع المستجد وتتعامل معه بعقلية العصر..

في العالم النامي أي حركة احتجاجية تُقمع بالشرطة، وتُعطى مسميات ترتبط في غالب الأوقات بمؤامرات الدول الخارجية، وهي عقدة لم تتعاف منها دولنا العربية، التي دخلت المعارك باسم اليسار واليمين، بينما كلا الاتجاهين يقعان خارج دول المنطقة وأنظمتها واتجاهاتها، وقد ذهب ضحية تلك السياسات الآلاف ممن سحلوا وأخذوا وجبات، يحصدهم رصاص الدول، وباسم القمع بالقوة تأخرت مصالح الشعوب، وصارت هجرة الكفاءات والأموال والعقول جزءاً من أزمات متوارثة..

الاحتقان الأيديولوجي انتهى، ولم يعد استيراد الأفكار والفلسفات قيمة في ذاتها، عندما تحول العالم كله إلى نهج الرأسمالية بتطبيقاتها المختلفة، ومعها رحل الصراع الأيديولوجي إلى صراع المعلومات وتطوير مدارس الاقتصاد والبحوث العلمية، ليدخل العالم مرحلة تنافس غير مسبوقة في التاريخ..

في وطننا العربي جرى العديد من الأزمات التي أجبرت الشعب على كسر حاجز قوة الشرطة، فحدثت مظاهرات تطالب برفع الرسوم على الأغذية، أو البطالة، أو تأمين السكن والاستشفاء، ومع محدوديتها إلا أن الضغوط- في غالب الأحيان- لا تعالج من جذورها، بل توضع على لائحة الإصلاحات المؤقتة التي تطفئ شرارة الاحتجاجات، غير أن تراكم القضايا وتطور الوعي الوطني وانتشاره، جعل المطالب معبرة عن خلل كبير في الأنظمة وسياساتها، ومن هنا لم يعد السجن أو العقوبات الحادة بما فيها الفصل التعسفي من الوظيفة أو المنع من السفر يتم وفقاً للائحة القديمة بالانتماء للأيديولوجية، أو العمالة لدولة أجنبية لأن تلك المبررات لم تعد صالحة أمام مشروعية تقاسم الثروة وتوجيهها لصالح البناء الشامل ومن دون تمييز المدينة عن القرية أو العكس، أو الفلاح والعامل..

في الأيام الماضية والتي لا تزال ذيولها قائمة، حدثت اضطرابات في تونس والجزائر، والبلدان لهما آلاف المهاجرين في أوروبا، ودواعي الجوار مع القارة المتقدمة أصبح تأثيره كبيراً، إذ إن المقارنة بين دول المغرب وأوروبا في حفظ الحقوق فوارقها كبيرة، وأصبحت المؤثرات تطغى على منهجية الحكم في تلك الدول، ولعل الجزائر التي تعد بمواردها الكبيرة النفط والغاز والزراعة، وموارد جالياتها في الخارج إلى جانب السياحة، غنية بكل المقاييس، إلا أن رفع رسوم الاحتياجات الأساسية لم يدرس كي يتجنب رد الفعل الشعبي، ونفس الشيء بالنسبة لتونس التي ليست كغنى الجزائر لكنها بلد ديناميكي، وحدوث هذه الصدوع لا بد أن تقرؤه بشكل متطور كل الدول العربية، لأن العدوى قد تنتشر، فالنار من مستصغر الشرر..