علي حماده

كثيرون يعرفون ما يعيشه النائب وليد جنبلاط راهنا، وما يعانيه من جراء quot;الضغوطquot; التي تعرض ويتعرض لها على اكثر من quot;مستوىquot; من اجل ان يستكمل اصطفافه بجانب مشروع الوصايتين الداخلية والخارجية. وكثيرون يدركون اتساع مروحة quot;الضغوطquot; التي يمكن ان تبدأ بالسياسة ولكنها حتما لا تنتهي بها. ومن تابع بتمعن وقائع المؤتمر الصحافي للنائب جنبلاط بالامس، لا بد انه لاحظ وجه الزعيم الدرزي المتجهم لأنه وهو يقرأ بيانه المكتوب الذي اعلن فيه موقفه الشخصي والحزبي السياسي مع سوريا وquot;حزب اللهquot; كان يوحي ربما من غير ان يعلم انه مكره على اتخاذ موقفه الذي من خلاله سيتم اخراج ابن رفيقه، رفيق الحريري من الحكم ومعه الاستقلاليون الذين قدموا دماءهم من اجل ان يكون وطنهم وطنا يفتخر به اللبناني حرا سيدا مستقلا، بعد اخراج الوصاية السورية سنة 2005، وكان وليد جنبلاط قائدا للثورة على الوصاية آنذاك، فإذ به وبـquot;الضغوطquot; يشرف مرغما على الاسهام بعودتها، مما يعيد لبنان الى الوراء ليسقط مرة جديدة في براثن الوصاية السورية مشفوعة بوصاية quot;حزب اللهquot; مع كل النتائج الكارثية التي ستصيب لبنان الكيان في صيغته ونظامه وسلمه الاهلي.
ليس المهم تعداد الاصوات من هنا او من هناك. وليس المهم القول ان ثمة quot;ضغوطاًquot; لا تحتمل تجري ممارستها على كبير كوليد جنبلاط. ونزعم ان السلامة الشخصية التي جرى الحديث انها مهددة هي الاخرى ليست مهمة قياسا بما سيصيب لبنان اذا ما نجحت الوصايتان في الاستيلاء على البلاد بطرق يقال انها دستورية، في حين انها تقوم على التهديد بالسلاح والفوضى، فتضع المسدس على الطاولة. حتى ان الاكثرية اذا ما تشكلت بإنتقال النائب جنبلاط ستكون اكثرية شبيهة بتلك التي تم تكوينها في ايلول 2004 لفرض قرار التمديد المشؤوم بقرار سوري مباشر.
ان ما يفوق الضغوط والخوف على السلامة الشخصية صعوبة، هو ما يحاك للبنان، والوجهة التي ستنقل اليها البلاد. وفي الحقيقة سيكون التحوّل التاريخي الذي لا عودة عنه في حال حصوله، وسيجعل لبنان وطنا لا يأمن اهله العيش فيه بعد ما يكون quot;المطلوبون quot; ضربوا آخر قلاع الحرية في المشرق العربي. وطن كهذا لن يكون آمنا لوليد جنبلاط ولا لابنائه، لأنه لن يكون ثمة مكان له ولهم في quot;جمهورية الظلامquot;. وهذا ما اظن ان النائب وليد جنبلاط يدركه، حتى انه لم يخف تجهمه البارحة لمعرفته بالمصير الاسود الذي يحضر للبلد اذا ما اتى الثلثاء المقبل وقد صار لبنان، لبنان آخر مختلفاً.
انا لست من الذين ينهالون بالملامة على وليد جنبلاط، ولن ألومه، فقد نشأت على التطلع اليه كمثال وما زلت - مثال في الجرأة والاقدام والشجاعة الادبية والمعنوية والميدانية حتى عندما وضع جانبا الاعتبارات الشخصية في قضية كمال جنبلاط في مرحلة الحرب الاهلية. يكفي وليد جنبلاط انه في ثلاثة وثلاثين عاما لم يمنح مرة قتلة كمال جنبلاط صك براءة: سامح ولم ينس، ثم سامح ونسي ولكنه ما من مرة فرّط بصك البراءة.
لا اسمح لنفسي بأن ألوم وليد جنبلاط المثال، ويبقى مثالا. وانما اكتفي بأن اقول له: عسى أن يبقى شيء من لبنان الذي يتمناه لنا ولنفسه.
هذا للتاريخ !