عبدالله بن بخيت

الجواب بديهي مع ذلك نحتاج إلى شروحات. تونس هي الدولة العربية (الإسلامية) الوحيدة التي يتهم دستورها بالعلمانية الصريحة والعلنية. يرى الإسلاميون أن الحكومة التونسية تعطل الصلاة وتطارد العلماء (الدين) وتلغي الأحكام الإسلامية وتشجع على خروج المرأة وتمردها.

وجد سقوط الطاغية ترحيبا عظيما من كل الصحويين في بلادنا والاخوان المسلمين. بحثت عن بواعث فرحتهم فلم أجد لها سببا واحدا. لم يشر أي منهم في مقالاته المبتهجة إلى أي بعد ديني في ثورة الشعب التونسي لكي يتمسح به, مع ذلك لا تفتح موقعاً من مواقع إخواننا الصحويين إلا وتسمع الأهازيج بسقوط الطاغية. الأخبار لم تنقل لنا أي مطالب تونسية شعبية تتعلق بتغيير الدستور، المتهمبالعلمانية أو إشارة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية. في آخر خطابات بن علي الموجهة للشعب التونسي التي قدم فيها كل التنازلات، لم نسمع فيه أي تودد للشعب التونسي بوعود دينية.

إذا جلنا في تاريخ الثورات الشعبية في البلاد الإسلامية لن نجد في هذا التاريخ أن الشعوب الإسلامية ثارت وأسقطت حكوماتها لأسباب دينية.

لا شك أنه جال في أذهان بعض الأخوة قصة الثورة الإيرانية. لا تختلف الثورة الإيرانية عن الثورة التونسية في مبادئها. ما كان يجرى في الشارع الإيراني, قبل أن يغدر الخميني بحلفائه (العلمانيين), هو نفس ما يجري اليوم على الأرض التونسية. ما فعله الشاه في الأشهر التي اهتز فيها حكمه هو نفس ما فعله بن علي في شهره الأخير، وتكاد تتطابق تنازلات الشاه مع تنازلات بن علي في محاولته الأخيرة لحماية كرسيه. حتى قرارات الشاه الاخيرة لإرضاء شعبه في أيامه الأخيرة تكاد تكون نسخة من قرارات بن علي.(لا وجود للتودد الديني فيها). ما يعني أن سقوط الطاغيتين لا علاقة له بالدين، والشعبان الإيراني والتونسي لم يضمنا مطالبهما أي مطالب دينية.

كان الفساد هو المحرك الأساسي والوحيد للشارع الإيراني مثل الشارع التونسي اليوم. كان الخميني زعيما سياسيا ورجل دين في نفس الوقت. كانت أطروحاته قبل أن يحكم قبضته الدينية على البلاد تتصف بالتوازن السياسي. كان يقود المعارضة بكل أطيافها بما فيهم مجموعة العلمانيين والشيوعيين. أخفى أثناء الحشد للثورة برنامج ولاية الفقيه، الذي ظهرت بوادره في محاضرته قبل سنوات, بل تجاهل علمه بالكتاب الذي أصدره حول الموضوع وكأنه لم يكن. كان رجل دين سياسي من الطراز الأول. حتى عندما وطئت رجله أرض طهران زعيما لم يتسرع ويعلن برنامجه الديني. كل الذين عينهم في الحكومة الانتقالية كانوا من المعتدلين. عندما كسب ثقة حلفائه وثقة الشعب استغل الاندفاع الشعبي الثوري ليصفي- بكل دموية- حلفاءه الوطنيين. إذا قارنا بين مطالب الشعب التونسي(التعددية والحزبية وإزالة الفساد والاحتكام للدستور العلماني !) وتصرفات الطاغية بن علي ( تكميم الأفواه وسحل الخصوم والتفرد) سنجد أن الطاغية كان أقرب إلى مبادئ الصحويين من الشعب التونسي. لم الفرح إذا؟ّ!

من واجبنا جميعا أن نناشد الإخوة الصحويين والإخوان المسلمين الاحتفاظ بفرحهم ودساتيرهم الدينية بعيدا عن تونس, فمساحتها صغيرة لا تحتمل الاستفتاء على تقسيمها جنوباً وشمالاً.