عبدالرحمن صالح الحريّص

في زمان غابر ولّى، كان بعض الزعماء العرب عندما يتحدثون لوسائل إعلام أجنبية يتحدثون برؤى وأفكار مختلفة كثيراً عمّا يقولونه للداخل وعبر وسائل الإعلام الحكومية، وهذا بالضبط ما قام به عمر سليمان في حديثه لقناة laquo;ABCraquo; الأميركية، فالرجل يعلم أنه لا أحد من المصريين يصدق ما يقول، كثير من الأمور الغريبة والتناقضات العجيبة وردت في حديثه والتي لا أستطيع تفهُّمها أو على الأقل فَهْمها، ربما كان ذلك بسبب حالة الارتباك والضعف التي يعيشها النظام، كلام الرجل أيضاً يوحي بأن النظام الحالي غير جاد أبداً بما يعِدْ به من إصلاحات، وأنه ما زال يفكر بنفس الذهنية الدكتاتورية التي يحكم بها طيلة الثلاثين سنة الماضية.
عمر سليمان يقول: إن من يدفع هؤلاء الشباب للخروج والمطالبة بإسقاط النظام هو laquo;التيار الإسلاميraquo;، لست أدري كيف يفكر سيادة النائب، أليس ذلك التيار -شاء النظام أم أبى- هو جزء مهم من التركيبة المجتمعية والسياسية بالبلد؟ أليس الشعب وحده هو من يمنح الشرعية وهو من ينزعها؟ واضح جداً أنه يستخدم هذه الفزاعة لإخافة الغرب من أنّ الإسلاميين قادمون وبالتالي فمصالحهم وأمن إسرائيل في خطر، وهذه فزاعة مللنا من سماعها من الدكتاتوريات العربية وهي عبارة مهترئة يردّدُها هؤلاء، ولم تعد تنطلي على أحد حتى في الغرب، والدكتاتوريات العربية تتفنن باستخدام الفزاعات الموجهة للداخل أو الخارج، فعندنا فزاعة إسرائيل وبالمقابل فزاعة إيران وفزاعة الإسلاميين وكلٌّ يغني على ليلاه.
عمر سليمان قال أيضاً كلاماً غريباً أدان به نفسه، فهو يقول: إن الشعب المصري غير جاهز للديمقراطية الآن لأنه لا يملك laquo;ثقافة الديمقراطيةraquo;، دعني أُسلّم بهذا المنطق ndash;رغم اعتراضي عليهndash; وأتساءل أسئلة منطقية: ألستم من تحكمون البلد منذ ثلاثين عاماً؟ ألستم من تزوّرون الانتخابات منذ ثلاثين عاماً؟ ألستم من تؤمنون بالتزوير و laquo;البلطجةraquo; كمرتكزات مهمة لبقائكم؟ من الذي يحكم بقانون الطوارئ.. منذ عقود.. أليس أنتم؟ وإذا كان الشعب لا يمتلك ثقافة الديمقراطية.. أليس ذلك بسبب ديكتاتوريتكم المقيتة؟
سيدي النائب: إذا كنت تعتقد بهذا، فرحيل نظامكم هو أول خطوة في طريق الإصلاح الديمقراطي وبناء laquo;ثقافة الديمقراطيةraquo;، بقاء دكتاتورية نظامكم كل هذه المدة هو ما دمّر الحياة الديمقراطية في مصر، وهو سبب انتشار كل العلل من فساد سياسي ومالي وإداري ورشوة ومحسوبيات وبطالة.
أعتقد أن النظام يخشى كثيراً من البرادعي، فالبرادعي وجه مقبول لدى الغرب وهذا ما يربك النظام، لذلك كان لا بد للسيد سليمان أن يلفّق تهمة ارتباط البرادعي بالإخوان المسلمين، وهي استمرار للفزاعة المملة التي يرددها زبانية هذا النظام الفاسد.
أستغرب كثيراً من بعض الشخصيات المصرية التي تسمي نفسها لجان حكماء وغيرها والتي تطرح فكرة تنحي الرئيس وتحويل صلاحياته لنائبه، هذا كلام غير منطقي جداً، وفيه استهانة بدماء الشهداء الذين سقطوا، وفيه استخفاف بملايين المصريين الذين خرجوا يهتفون بـ laquo;الشعب يريد إسقاط النظامraquo;، هؤلاء يمثلون أنفسهم فقط، فسليمان لا يختلف أبداً عن مبارك، وكلامه للقناة الأميركية لا يوحي أبداً بأن الرجل يحمل أي نفس ديمقراطي، المظاهرات خرجت لهدف واحد، هو إسقاط النظام، والتفاوض يكون على هذا الأساس فقط، أما الذين laquo;يفزعونraquo; للنظام بحلول ترقيعية هم جزء منه.
مطالب المتظاهرين واضحة، وليسوا في موقع ضعف حتى يبحثوا عن إنجاز شكلي يظهرون به انتصارهم، ولكل هؤلاء أقول: من يبحث عن الحكمة الحقيقية يجدها مكتوبة على لافتات المتظاهرين في ميدان التحرير.