فهيد البصيري
من يسمع الأخبار ولا يعرف البحرين يعتقد بأنها مملكة باتساع كندا، وأن شعبها يفوق الشعب الهندي أو يقل قليلا والحقيقة أن مملكة البحرين ليست سوى جزيرة لا تتجاوز مساحتها 700 كم مربع، أي أقل من مساحة جزيرة بوبيان الكويتية laquo;وعليكم الحسابraquo;، وعدد سكانها لا يتجاوز السبعمئة الف مواطن، ورغم ذلك لم يستطع أهل البحرين أن يتفقوا، رغم قلة عددهم وقلت حيلتهم، ومن سوء طالع البحرين أنها مع ضآلتها فقيرة، فلا نفط، ولا غاز، ولا يحزنون، فقط laquo;سماء وماءraquo;، ولكنها استطاعت أن تتحول إلى مركز مالي وتعليمي يضم أكثر من 18 جامعة ومعهدا في غضون سنوات قليلة، وكان متوقعا أن تحقق الكثير لولا الأحداث الأخيرة.
ومع ذلك فإن تاريخ البحرين السياسي أكبر من حجمها ومن قدراتها، وقد نشأت أولى بذرات العمل السياسي في العام 1938 عندما طالب الشعب البحريني بمجلس شورى يحد من التدخل الإنكليزي في إدارة شؤون البلاد، ولكن البداية الحقيقية للديموقراطية كانت في العام 1973 عندما تم إعداد دستور يحدد شكل الحياة السياسية في البحرين وطبيعة المشاركة الشعبية، غير أن هذه التجربة الرائدة لم تستمر وتم حل المجلس الوطني المنتخب في عام 1975 لأسباب تتعلق بخوف الشيخ عيسى رحمه الله من تأثير العنف الطائفي الدائر في لبنان إلى البحرين، وازداد ذلك الخوف مع قيام الثورة الإيرانية، وبقي الحال على ما هو عليه، ولم تعرف البحرين عودة للحياة الديموقراطية إلا مع مجيء الملك حمد بن عيسى، عندما قام بحركة إصلاح كبيرة، وعفى عن جميع المعارضين السياسيين، وسمح بإنشاء الجمعيات السياسية في محاول لإعادة إحياء دور المؤسسات المدنية، ورافق ذلك إنشاء مجلس للشورى مواز للمجلس الوطني المنتخب، ورغم الاتفاق على التعديلات الدستورية من البحرينيين في الاستفتاء العام الذي تم لإقرارها، إلا أنها لم تقابل بالرضى التام من كل الأطراف السياسية في البحرين.
وسارت الحياة السياسية في البحرين هادئة وظن الجميع أن الأمور تسير على خير ما يرام، إلى أن فوجئ الجميع بعنف الحركة الاحتجاجية في البحرين وتطرفها في أحيان كثيرة، والسبب أنه ورغم وجود شكل مقبول من الديموقراطية إلا أن مشاكل البطالة والفقر بقيت على ما هي عليه، بل زادت مع ازدياد عدد السكان وساهم في تفاقمها الظروف الاقتصادية العالمية وسهولة انتقال الأيدي العاملة الرخيصة للبحرين، وعلى العموم هي مشاكل تعاني منها جميع دول العالم دون استثناء ومن الممكن اعتبارها ضريبة للعولمة والخصخصة وغيرها من الفكر الاقتصادي الحديث.
وحيثما يوجد الفقر والباطلة تجد الدعوات الدينية المتطرفة جنودها، ومن هنا سهل التفاف الشباب البحريني حول طوق النجاة، فالدين منجاة في كل الأحوال، ولأن البحرين ذات تركيبة طائفية واضحة فإن التحزب الطائفي يسهل تشكيله، وإذا علمنا أن الشرق الأوسط يعيش أصلا حالة من الاستقطاب الطائفي الحاد كما يحدث في لبنان والعراق والسعودية، وربما في الكويت مدعوما من إيران، فمن المتوقع أن تجد الطائفة الشيعية في البحرين نفسها جزءا من هذا الشرق المتطرف مادامت الديموقراطية لم تحل شيئا.
والفقر والبطالة ليست شيئا جديدا على دول العالم فالولايات المتحدة الأميركية تعاني من 9 في المئة من البطالة في عام 2010 وكل دول العالم لديها نسب من البطالة، قد تزيد أو تنقص حسب الظروف الاقتصادية في الدولة، ورغم ذلك لم تخرج ثورات تطالب برحيل النظام، وحتى في حقبة الكساد الكبير والذي فاقت فيه البطالة 24 في المئة في اغلب دول العالم وبلغ الفقر فيه درجة موحشة صمدت تلك الأنظمة الدنيوية! والسبب بسيط أن هؤلاء الفقراء العاطلين جزء من النظام القائم، فهم مشاركون بشكل أو بأخر في إيجاده، ولا يمكنهم تغييره إلا بالطرق الدستورية المتفق عليها من الشعب فخصمهم ليس شخصا بل شعبا بأكمله.
ورجوعا للبحرين فإن قدرات المملكة المالية ومواردها لا تتوافق ومشاكلها الاقتصادية، وفي الطرف الآخر كانت مطالب المعارضين لا تتفق ومنطق الحوار فالمطالبة بتغيير النظام تعني إغلاق باب الحوار laquo;بالكنكريتraquo; والدفع للمواجهة، وبالفعل حدثت المواجهة وخسر الجميع.
فالعنف لن يجلب سوى مزيدا من العنف، والتحزب لن يؤدي إلا إلى جر البحرين لحالة من التطرف، قد تسحب معها قدم المنطقة لحرب طائفية، واستخدام القوة هو إلغاء للعقل!، وإرسال درع الجزيرة للبحرين حل ناقص، والحلول المبتورة قد تفاقم المشكلة، وما يجب عمله هو أن تشارك الدول الخليجية بهيئاتها المدنية والسياسية في الحوار مع المعارضة البحرينية في خط متوازن مع الشق الأمني والشق الاقتصادي، وليس أمام البحرينيين بعد ذلك سوى الإنصات لصوت العقل وتقديم التنازلات من الطرفين فالتعنت سيغلق باب الحوار وغلقه يعني المواجهة والمواجهة تعني مزيد من العنف والعنف هو إعدام للحل وإعدام الحل يعني انعدام الحياة الطبيعية في البحرين، وحفظ الله البحرين وأهلها من كل مكروه.
- آخر تحديث :
التعليقات