أمجد عرار

لم يتح لكثير منا أن يعرف على وجه الدقّة، الخريطة التفصيلية للمساوئ التي تضخّمت في نظام القذافي خلال السنوات الاثنتين والأربعين . مواطنوه في الداخل لم يكونوا قادرين على قول شيء سوى ldquo;الفاتح ثورة شعبيةrdquo;، ومعارضوه في الخارج لم نكن لنثق بما يقولونه، كأي معارضة فندقية قابضة . لكننا لم نزر البرازيل كي نعرف أنها من بين أشياء كثيرة، بلد كرة القدم . لذلك نعرف أن في ليبيا حكماً برئ من الديمقراطية براءة الذئب من دم ابن يعقوب، ونستشف أن ثروة البلاد في منظومة بلا رقابة، ستجد طرقاً أخرى غير الشّعب . من هنا، على الأرجح، كانت للعقيد إطلالة على التونسيين قال لهم فيها إن بن علي هو الأفضل لكم، وعندما وجد أن بن علي فقد الرئاسة والمواطنة معاً، أطل على المصريين ليحاول أن يقنعهم بأن رئيسهم ldquo;فقيرrdquo; ولا يملك شيئاً . كان لسان حاله يقول ldquo;الحكي لك واسمعي يا جارةrdquo; . كان متأكّداً أن دوره قادم لا محالة . ولأن قوة العادة تتغلّب على التفكير، لا سيما إذا تجاوز التعوّد أربعة عقود، فإن العقيد فضل الهروب إلى الأمام وخرج يدعو الشعوب لاتباع طريقته ldquo;الجماهيريةrdquo; في الحكم، باعتبار أنه ليس رئيساً ولا زعيماً، لا شيء محدداً، أي أنه كل شيء . لم يقدّم لأبناء الشعب الليبي أي إشارة تدل على أنه استوعب درس العاصفة، أو أنه فهمهم، فلربما، من يدري؟، قد لا يعدّها الليبيون متأخّرة كما فعل التونسيون، لكنّه لم يفعل، فكان أن وصلته ارتدادات زلزال الفيسبوك ومازالت الصفائح تنزلق، فراح يقفز قفزات أطول للأمام، ويختلق أسباباً خرافية لثورة الأيام الأولى التي صبغها بالدم وتحوّلت إلى مواجهات مسلّحة غارقة بالدم .

خرجت ليبيا عن سكّة النموذجين التونسي والمصري وأخذت منحى تسارعت خطاه ليتطابق مع النموذج العراقي، وانتقلت من الفيسبوك إلى التوماهوك . كان الدكتاتور يعرف ذلك، لكنه لم يفعل أي شيء حتى من باب قطع الطريق على قوى إمبريالية تنتظر هذه اللحظة لتستنسخ أحلاماً ماضية وتفتح الفضاء لمطلع النشيد الرسمي للمارينز ldquo;من قاعات مونتزوما وحتى شواطئ طرابلسrdquo;، حيث جرت في ليبيا عام 1805 إبان الحروب النابليونية، المعركة البرية الأولى لقوات أمريكا خارج حدودها .

نحن أمام رسالة متعددة المضامين للثورات العربية بعد نموذجي تونس ومصر . ففي النموذج العراقي كان المحللون المتأمركون يملؤون برامجهم الحوارية صراخاً بأن إسقاط الدكتاتورية غير ممكن من دون تدخّل خارجي . جاءت تونس، ثم جاءت مصر وقالتا: خسئتم خذوا هذا الدرس . الغرب يريد أن يعيد شعوبنا إلى المربّع الأول: ldquo;لا منقذ لكم إلا نحنrdquo; . إلى أي مدى سينجحون أو يفشلون؟ هذا ما تأتي به النهايات لأن العبرة بها، لكننا مع حرية كل طفل في هذا العالم ومع استقلال كل شبر في أرضنا العربية . لن نكون مع الدكتاتور لمجرّد أن الغرب يحاربه، ولن نكون مع الاستعمار لمجرد أننا نريد إسقاط الدكتاتورية .