سوسن الشاعر

سيكون‮ ‬يوماً‮ ‬حزيناً‮ ‬في‮ ‬تاريخ الإعلام البحريني‮ ‬لو أغلقت أي‮ ‬صحيفة في‮ ‬البحرين،‮ ‬والمحزن أكثر إذا كانت هذه الصحيفة تمثل فئات معينة في‮ ‬مجتمع تعددي؛ فالخسارة أكبر‮.‬ لا‮ ‬يعتقد أحد أن الخسارة بإغلاق صحيفة الوسط فيما لو وقعت ستكون على القائمين على الصحيفة فقط؛ بل هي‮ ‬خسارة على المستوى العام والمستوى السياسي‮ ‬بالأخص،‮ ‬حتى لو اختلفنا للعظم مع تلك القوى أو صحيفتهم‮.‬ فالوسط كانت كفة في‮ ‬الميزان الاجتماعي‮ ‬البحريني‮ ‬لا‮ ‬يستقيم الميزان إلا بها،‮ ‬تعبر عن مجموعات وكيانات لها وجود وحضور سياسي‮ ‬قوي،‮ ‬وذلك كان مهماً‮ -‬ومازال مهماً‮- ‬أن تجد لها منفذاً‮ ‬تعبيرياً‮ ‬لتوازن بين الآراء توازناً‮ ‬تحتاجه كل المجتمعات وبالأخص المجتمع البحريني‮.‬ فكما إن كل قوة تحتاج أن تتوازن بقوة أخرى كي‮ ‬تستقيم الأمور ويتحقق العدل؛ فإن كل رأي‮ ‬يحتاج كي‮ ‬يتوازن إلى رأي‮ ‬معاكس ومضاد له في‮ ‬الاتجاه حتى تكتمل الصورة‮. ‬ إنما ما قامت به الوسط مسألة خارج نطاق الرأي‮ ‬والرأي‮ ‬الآخر،‮ ‬إنها مسألة تتعلق بمصداقية المعلومات،‮ ‬إنها عبثت في‮ ‬مصداقية التمييز بين الحقائق والكذب،‮ ‬إنها أجازت كل الوسائل لتحقيق‮ ‬غايتها حتى‮ ‬غير المشروعة منها وتلك جريمة مهنية لا تغتفر‮.‬ فالمعلومة مؤثرة في‮ ‬تحديد اتجاهات الناس وردود فعلهم،‮ ‬ومعلومات كالتي‮ (‬لفقتها‮) ‬الوسط كانت بالتأكيد ذات أثر على مجريات الأمور من خلال تأجيجها للمشاعر وإثارتها للنفوس مما‮ ‬يدفع الشباب لمزيد من أعمال العنف ضد السلطة،‮ ‬خاصة وأنت تكرر لهم عبارات‮ (‬العنف ضد الأطفال والنساء والعوائل والبيوت الآمنة و‮.. ‬و‮.. ‬و‮..) ‬اسمح لي‮ ‬أنت لم تعد مصدراً‮ ‬للمعلومة؛ بل أصبحت مصدراً‮ ‬للعنف،‮ ‬وأجزت من أجل أهدافك كل الوسائل حتى‮ ‬غير المشروعة منها‮.‬ ولا‮ ‬يمكن حين‮ ‬يتعلق الأمر بالصحافة أن تجيز لنفسك مبدأ‮ (‬الغاية تبرر الوسيلة‮) ‬ونحن هنا لا ننزه أي‮ ‬صحيفة من الأخطاء أو من حجب المعلومات أو من أية وسيلة قد تكون‮ (‬مجازة‮) ‬إلى حد ما في‮ ‬الأعراف الصحافية؛ لكن التلفيق والتحريف وتغيير أو اختلاق الأحداث فذلك فتق لا‮ ‬يمكن ترقيعه‮.‬ ولو اتخذت السلطة إجراءات ضد الصحيفة بسبب آراء معارضة لدافعنا عنها وعن حقها في‮ ‬الوجود،‮ ‬أياً‮ ‬كانت درجة اختلافنا معها،‮ ‬لكننا أمام جرائم لا مخالفات،‮ ‬فالمعلومة الخاطئة في‮ ‬زمن الاستقرار واستتباب الأمن لا‮ ‬يعدو أثرها نطاق من مستهم المعلومة،‮ ‬وتعد مخالفة تستوجب التصحيح؛ إنما المعلومة الكاذبة في‮ ‬زمن الأزمات الأمنية وزمن الاضطرابات التي‮ ‬أوشكت أن تتحول إلى حرب أهلية هي‮ ‬جريمة بكل ما تعني‮ ‬الكلمة بل هي‮ ‬خيانة عظمى‮.‬ فإن كان لنا كلمة فإننا نؤكد أننا لا نريد أن نخسر صحيفة تعارض أفكارنا،‮ ‬نريد أن نكسب صحيفة تزيدنا فهماً‮ ‬وتعد مصدراً‮ ‬موثوقاً‮ ‬للمعرفة،‮ ‬نحن مجتمع تعددي‮ ‬ولكل منا رأيه ومصالحه ورغبته ولابد أن تجد كلمة الجميع مكاناً‮ ‬بيننا،‮ ‬وقد كانت الوسط إحدى تلك الوسائل رغم اختلافي‮ ‬مع طرحها ورغم ما أصابني‮ ‬منها في‮ ‬كثير من المواقف إساءات من أشخاص بعضهم اعتذر وبعضهم لم‮ ‬يعتذر،‮ ‬لكن في‮ ‬نهاية المطاف نحن نحتاج لمن‮ ‬يتحدى أقوالنا ويشكك في‮ ‬أفكارنا،‮ ‬نحتاج لمن‮ ‬يفند آراءنا فتلك ظواهر صحية لا تخيفنا‮.‬ لذلك أتمنى أن تظل الوسط صحيفة‮ (‬المعارضة‮) ‬التي‮ ‬تختلف معنا،‮ ‬أتمنى أن تبقى على تميزها واختلافها،‮ ‬فلها قراءها ولها خطها دون أن تكون لها حاجة لخرق شرف المهنة وأخلاقها