نائبة رئيس ldquo;الدستورية العلياrdquo; بمصر تطالب بالقائمة النسبية غير المشروطة

القاهرة - غريب الدماطي


وصفت نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشارة تهاني الجبالي المشهد العربي الحالي، لاسيما ما يصاحبه من ثورات شعبية، بالإرهاصات لمرحلة جديدة ستصبح فيها الجماهير العربية هي ldquo;السيدrdquo; وتملي إرادتها على حكامها . وقالت الجبالي في حوار لrdquo;الخليجrdquo; إن ثورات الشعوب العربية هي أكبر رد اعتبار للفكر القومي وقيمة العروبة ووحدة الشعب العربي .

وحول الشأن المصري قالت إن النخبة المصرية في طريقها إلى تشكيل مجلس وطني انتقالي يفتح حواراً واسعاً حول آفاق المستقبل، وما يمكن بناؤه خلال الفترة الانتقالية . ورأت أن مصر بحاجة إلى نظام حكم مختلط، وكذلك نظام انتخابي يأخذ بالقائمة النسبية غير المشروطة، وتالياً الحوار:

ماذا عن المؤتمر الوطني المقرر عقده في 27 الشهر الجاري ومن الجهة الداعية إليه؟

بعد انتصار الثورة كان الجميع يشعرون بضرورة الإطاحة بأركان النظام الأسبق، ولم يحدث عقب الثورة أن تكون أي شكل من أشكال تنظيم صفوف القوى الوطنية والديمقراطية، بما يسمح لها بالاتفاق حول عقل سياسي واحد، يمثل وثيقة الثورة ويعكس إعلان المبادئ السياسية والاقتصادية والدستورية التي تتحلق حولها كل القوى الوطنية والديمقراطية المعنية بمستقبل مصر، ومشروعها النهضوي المقبل .

ظل هذا الأمل خلال الشهرين الماضيين يتنادى إليه البعض، لكنه لم يتحقق إلى أن اجتمع ما لا يقل عن 70 من رموز العمل الوطني بكل تياراته السياسية، في محاولة لكسر حدة البداية، بعمل منظم يعكس وجوداً قوياً لتلك القوى، لإدارة حوار مع مؤسسات صناعة القرار سواء كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو الحكومة، واستقر الأمر على الدعوة لمؤتمر وطني أطلق عليه ldquo;مؤتمر مصر الأولrdquo;، مكوناته ذات طابع سياسي وجغرافي وفئوي، ويضم أيضاً الأحزاب والمنظمات والائتلافات والنقابات الحكومية أو المستقلة، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات العامة التي تمثل مدارس فكرية وثقافية متنوعة، يلتقون جميعاً بقاعة الاجتماعات الكبرى بمدينة نصر يوم 27 إبريل/ نيسان الجاري .

يناقش المؤتمر أوراق عمل أولية تتضمن البعد السياسي والاقتصادي والإعلان الدستوري والإصلاح التشريعي المقبل، وهذا من شأنه فتح آفاق الحوار المنظم، لأن كل الجهود التي بذلت منذ الثورة كانت منعزلة، وغير قادرة على فتح قنوات التواصل في ما بينها، وهو أمر خطير على الواقع السياسي المصري الآن، في ظل غياب القوى السياسية المنظمة والداعية للدولة المدنية الحديثة، الخاضعة للدستور والقانون، التي يمكن أن تنقل مصر إلى مشروع قومي نهضوي شامل، ونحن نعتبر هذا المؤتمر هو الأول ويمكن أن يعاود الاجتماع مرات أخرى، وهذا يمكننا من التوصل إلى مجلس وطني انتقالي، يشكل آلية، ويحمل رؤى تلك القوى، والمشاركة في صناعة القرار .

وما آلية عمل المجلس الوطني الانتقالي المقترح؟

لا يزال محل نقاش، لكن المجلس الوطني الانتقالي، يعد أحد المضامين الأساسية للمؤتمر، وسيتأتى بالتوافق على أعضائه سواء من حيث التشكيل وآلية العمل وكيفية إدارته للحوار مع كافة المؤسسات والهيئات والمشاركة، وأتمنى أن يعكس هذا العمل تنظيم صفوف القوى الديمقراطية في مؤتمرات تأسيسية في المحافظات، كي يصبح هناك بعد جغرافي له في القضايا المطروحة، لاسيما أن مصر مقبلة على تأسيس دستور جديد، وترتيب أوضاع القوى السياسية، والانتخابات البرلمانية المقبلة، وكيفية إدارتها، وتحقيق أمن الوطن من خلال مشهد وطني واسع للبرلمانيين المنوط بهم وضع دستور جديد للبلاد، ونحن نسعى للاجتهاد في ترتيب تلك الأوضاع من خلال العمل الجماعي، وكيفية الخروج من الفراغ الذي عكس نفسه على المرحلة السابقة في كثير من القضايا والموضوعات التي لم يتم التوافق بشأنها مع صانعي القرار، ما عكس نفسه على قوى الثورة أيضاً .

تأطير القوى الثورية

هل حدث اتصال مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو الحكومة بهذا الشأن؟

هناك فكرة لدعوة المجلس الأعلى والحكومة للحضور وسماع المناقشات والحوارات .

كيف نضمن علاقة متوازنة خلال المرحلة الانتقالية بين الثوار والقوى الوطنية وبين المجلس العسكري؟

هذا هو التحدي الأساسي بأن يتم تأطير القوى الثورية والقوى الوطنية والديمقراطية في أدوات فعل منظمة قادرة على إدارة مهام المرحلة الانتقالية، لذا فأمر المؤتمر الوطني، لا يحتمل التأجيل، لأن التأجيل معناه المزيد من الارتباك الذي يحدث، ولعل آخر جمعة في ميدان التحرير التي عرفت بجمعة المحاكمة والتطهير ومحاولات دخول قوى الثورة المضادة إلى الميدان بهدف إحداث الوقيعة بين الجيش والشعب، دليل على أن هناك مخاطر من استمرار الأمر على ما هو عليه الآن، وأن هناك ضرورة للخروج من المؤتمر بآليات منظمة تستطيع أن تمارس الضغط الشعبي بشكل منظم، وتمارس دورها في ترشيد القرار الذي يحكم الفترة الانتقالية .

كيف تنظرين إلى مستقبل مصر السياسي بعد ثورة 25 يناير؟

أنظر إليه برجاء وتطلع وأمل، أن تكون الثورة وما صاحبها من تضحيات ودماء الشهداء، وشعور بالمسؤولية تجاه الوطن ومستقبل الأمة، مدخلاً لتحقيق حلم مصر في مشروع نهضوي يشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من أجل أن تقوم مصر من عثرتها، وتقوم معها أمتها العربية، وأنظر إلى ثورة 25 يناير كمحطة انتقال لمستقبل مصر والأمة العربية .

نظام مختلط

ما النظام الأنسب لطبيعة الحكم في مصر، هل النظام البرلماني أم الرئاسي؟

النظام المختلط هو الأنسب، لأن مصر لم تعتد على وجود رئيس بلا صلاحيات أو اختصاصات، وأعتقد أيضاً أن نضج الحالة السياسية والأحزاب والتقاليد البرلمانية لم تصل إلى مرحلة قبول النظام البرلماني منفرداً، ولأننا مازلنا في مرحلة مخاض لتشكيل القوى السياسية والديمقراطية بعد مرحلة التجريف الواسعة التي جرت على القوى الليبرالية والاشتراكية والقومية الناصرية بتاريخها، وجعلتها في أضعف لحظاتها الآن، فنحن في مرحلة تتطلب التقاط الأنفاس لترتيب الأوضاع بما يسمح القول إن لدينا حياة سياسية مكتملة وحياة برلمانية راسخة، لذلك أرى أن النظام المختلط الأشبه بالنظامين الفرنسي والبرازيلي هو الأنسب لنا، وأن يكون رئيس الجمهورية فيه مقيداً بسلطات من خلال مجالس عليا تحكم معه في ثلاث مهمات: هي الدفاع، والعلاقات الخارجية، والأمن القومي، وتكون بجواره مجالس عليا تتخذ معه القرار الذي لابد أن يراقب من قبل البرلمان وجهات عليا أخرى في بعض الأحيان، بالإضافة إلى إمكانية أن يكون هناك تداول للسلطة في إطار برلماني حول قضايا الوضع الداخلي، وإمكانات النهوض بالمجتمع في إطار الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية .

أيهما أفضل لمصر في ما يتعلق بنظام الانتخابات، النظام الفردي أم القائمة النسبية غير المشروطة؟

هناك ضرورة موضوعية وسياسية للانتقال من النظام الانتخابي الفردي إلى نظام الانتخاب بالقائمة النسبية غير المشروطة، لأنه سيكون هناك تطور للوضع السياسي، ويخرج معه من أسر أمراض الانتخابات بالنظام الفردي، وفي مقدمتها استخدام المال والعصبية والقبلية، لاسيما أن هناك حالة من التباطؤ الأمني، والأخذ بالقائمة النسبية غير المشروطة سيدفع الانتخابات إلى الأخذ ببرامج المرشحين، وكذلك الاحتشاد حول القوائم بين القوى السياسية أكثر منه على النظام الفردي .

الإعلان الدستوري حدد كيفية وضع دستور جديد ودائم للبلاد، وهناك تصريحات منسوبة إليك بشأن تشكيل هيئة لوضع الدستور، ما طبيعة هذه الهيئة وأين موقعها لما ورد في الإعلان الدستوري؟

لابد أن نعي أن فكرة الحوار الوطني بشأن وضع دستور جديد للبلاد، لا ترتبط ولا تتقيد بأدوات يمكن أن تفرض على المستوى الرسمي، لكن الحوار حق للشعب المصري كان يجب أن يمارسه الأمس، وليس اليوم، وهو يبني شرعية دستورية جديدة، ومن ثم التوافق الوطني عبر حوار وعملية سياسية كبرى، وقد تكون هناك مبادرات في إطار القوى الوطنية والديمقراطية تدير هذا الحوار، ويجب أن يتوازى مع هذا بعض الأدوات على المستوى الرسمي، وأعتقد أن الأمرين سيتقاطعان ويتكاملان ويتلاقيان ويؤثران في بعضهما بعضاً، وكلما كان الحوار واسعاً وعميقاً حول التوافق الوطني لوضع دستور، يمكن تقديم ما تتوصل إليه الحوارات من رؤى إلى البرلمانيين .

مواجهة المد المتشدد

هل تشعرين بخطر المد الديني في مصر، وهل ذلك يشكل ذلك عائقاً أمام التطور الديمقراطي؟

لابد أن نعترف بأن للحرية أثارها، وضمنها أن تخرج كل القوى والتيارات بما فيها المتشددة إلى النور، وهذا أمر صحي لأنه يمنحنا فرصة لأن نراها ونسمع وجهات نظرها وأن نحاورها ونعرف أين مكمن الخطر الذي نتحدث به، لكن أيضاً يجب ألا نعتبر أن مرحلة السيولة التي تحدث بعد الثورات هي المعيار لما يحدث على أرض الواقع، هذه مراحل انتقالية تبدو فيها بعض الأمور خطيرة ومفزعة، ولأنها في ما بعد يجب أن تحكم بسلطة القانون والضمانات المتعلقة بأسس الدولة، ومن ثم اخشى هذه التيارات، لكني اخشى أن تترك من دون حدوث تفاعل في مشهد وطني واسع، يحدد حجمها وكيفية ضبط إيقاعها كي لا تحدث شكلاً من أشكال الانتهاك للحقوق والحريات والدولة الديمقراطية، وبالتالي فالأمر يدخل في إطار الصراع السياسي الطويل تستدعى فيه كل قوى الوطن للمشاركة، ومحاولة ترشيد الحالة السياسية والثقافية في البلاد، كما أعتقد أن مصر تملك من المقومات ما يسمح لها بمواجهة المد المتشدد، بما لها من تاريخ في الوسطية المعهودة، وبما لها من فكر ديني مستنير، وحين تسترد مصر عافيتها أعتقد أن هذه الأفكار سيتم تحجيمها .

وحدة الشعب العربي

ما تقييمك للثورات العربية التي انتقلت من تونس إلى مصر ثم إلى ليبيا واليمن . . إلخ وما انعكاساتها على مستقبل الأمة العربية؟

هذا المشهد هو رد الاعتبار الأول للفكر القومي وقيمة العروبة ووحدة الشعب العربي، فها هو الشعب العربي ينتفض من المحيط إلى الخليج ليؤكد انه كالأواني المستطرقة، يتأثر ببعضه، وعلينا أن نستعيد الثقة بالبناء القومي العربي، وذلك من خلال الاجتهاد لإرساء مشروع قومي حقيقي يقوم على أسس سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية ليرد الاعتبار للأمة العربية التي كانت تبدو كأنها سقطت من عمر الزمن والعالم والجغرافيا والتاريخ، والمشهد الحالي هو إرهاصات لمرحلة جديدة ستصبح فيها الجماهير العربية هي ldquo;السيدrdquo; وستملي إرادتها على الحكام، وسيكون هناك استشراف لآفاق جديدة، وعلى النخبة المؤمنة بالعروبة والقومية ووحدة الشعب العربي أن تنتفض بكل قوتها الفكرية والثقافية والسياسية وبالفعل الجماهيري لالتقاط الخيط لإحياء الأمة العربية ومشروعها القومي الكبير .