كريستوفر بوسك

رغم قرار المجتمع الدولي بالتدخل عسكرياً، وفرض منطقة حظر طيران في ليبيا، فإن قوات القذافي، وقوات المتمردين الليبيين تبدو عالقة في صراع ليس بمقدور أي منهما حسمه حالياً. لكن ذلك ليس مصدر القلق الوحيد بشأن ما يدور في ليبيا: فرغم أن هناك سجالاً دولياً محتدماً حول ما الذي يتعين فعله، فإن التهديد الذي يمثله الإرهابيون هناك غير ملحوظ لحد كبير. فالإرهابيون الإسلاميون الذين كانوا معتقلين في سجون القذافي، والطلقاء الآن، باتوا قادرين على استغلال الفوضى في ليبيا والعمل دون خوف، وتهديد المصالح الأميركية مباشرة.


وعلى خلفية أبحاثي العديدة عن الإرهابيين، وجهود فك الاشتباك في المشرق العربي، دعتني quot;مؤسسة القذافيquot; لزيارة ليبيا العام الماضي برفقة مجموعة من الصحفيين والباحثين، للإطلاع على التجربة الليبية المسماة quot;برنامج إعادة تأهيل المتطرفينquot;. كان المفهوم المتبع في ذلك البرامج بسيطاً نسبياً، وهو أنه بمقدور المقاتلين الإسلاميين السابقين المسجونين في المعتقلات الليبية، الحصول على حريتهم مقابل الاعتراف بشرعية الدولة الليبية، ونبذ العنف.

وأثناء وجودي في ليبيا، زرت سجن quot;أبو سليمquot; سيئ السمعة، في نفس اليوم الذي أُفرج فيه عن 200 معتقل، ولاحظت أن تلك العملية اتسمت بالفوضى، حيث تُرك المعتقلون يخرجون من أبواب السجن ليذهب كلٌ منهم إلى حال سبيله. لم تكن هناك أي إجراءات لتجهيز السجناء للإفراج عنهم، كما لم تكن هناك أي إجراءات للمساعدة على إعادة دمجهم في المجتمع، ولا خطة لمراقبة أنشطتهم المستقبلية للتأكد من أنهم لن يرتكبوا أي أنشطة إرهابية.

كان ذلك خياراً سياسياً من جانب القيادة الليبية لتسريح مقاتلين سابقين، وإقناعهم بعدم المشاركة مجدداً في أنشطة إرهابية، ولم يكن برنامجاً لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع كما قيل. والشيء الذي كان لافتاً عند الإفراج عن المعتقلين أنه لم تكن تبدو عليهم أي علامات، كما لم تكن هناك أي مؤشرات على أنهم ينوون التخلي عن معتقداتهم السابقة.

وخلال الفترة التي قضيتها في ليبيا التقيت بأمير الجماعة المقاتلة الليبية التي كانت قد نفذت حملة تمرد عنيفة في أواخر الستعينيات وحاولت اغتيال القذافي عدة مرات. ومثلت هذه المجموعة أخطر تهديد لنظام القذافي حينذاك. وهذه المجموعة تتكون من قدامى المحاربين في أفغانستان، وبعضهم كان مقرباً من بن لادن. وهناك تقارير بأن المجموعة قد دربت نحو 1000 ليبي في معسكرات للتدريب في أفغانستان قبل الحادي عشر من سبتمبر، وأنها تعد أخطر الجماعات الإرهابية وأكثرها دموية في شمال إفريقيا.

والليبيون مشاركون بقوة في شبكات الإرهاب الدولية. ففي القتال الذي خاضه العراقيون ضد الجيش الأميركي، لم يكن يفوق الليبيين في العدد سوى السعوديين. وهناك عدد من الليبيين الذين شغلوا مواقع قيادية في تنظيم quot;القاعدةquot;.

من هنا، فالقرار الخاطئ وغير المتروي الذي اتخذه القذافي منذ عامين بالإفراج عن المقاتلين الإسلاميين، بات يمثل الآن مصدراً رئيسياً لقلق المجتمع الدولي، لأن المفرج عنهم كانوا يضمون مقاتلين محترفين، شاركوا في عمليات قتالية من قبل.

وعدد الإسلاميين الذين كانوا في السجن ذات يوم، وتم الإفراج عنهم، أكبر مما هو معروف، خصوصاً إذا ما عرفنا أن النظام أقدم على الإفراج عن مزيد من السجناء هذا العام، في محاولة لقمع الانتفاضة قبل أن تبدأ... كما أن العديد من المقاتلين الذين كانوا في السجون فروا منها في جو الاضطراب والفوضى الذي أعقب اندلاع الانتفاضة، والفئتان تشاركان في الحرب المحتدمة في ليبيا حالياً.

وليس للدولة الليبية الآن سوى سيطرة محدودة على مجال متسع تنتشر فيه الأسلحة الصغيرة، وكميات كبيرة من المواد التي يمكن استخدامها في الحرب الكيماوية والمخزنة في مستودعات غير آمنة.

أين هؤلاء الإسلاميون الآن؟ وما الذي يفعلونه؟ إنهما السؤالان الأكثر أهمية وإلحاحاً أمام واشنطن حالياً. ورغم أنه لا يوجد دليل على أن جميع الإسلاميين الذين أُفرج عنهم يشكلون تهديداً للولايات المتحدة، فهناك حاجة لنظام أفضل لتقاسم المعلومات حول المفرج عنهم، والسبب الذي دعا لاعتقالهم أصلاً.

وواشنطن بحاجة لبذل كل ما بوسعها لضمان أن أي حكومة ليبية قادمة سوف تكون شريكاً لها في محاربة الإرهاب. وفيما وراء ليبيا، يجب على إدارة أوباما بذل مزيد من الجهد لضمان التزام الدول الأخرى بأفضل الممارسات المتبعة في تنظيم وإدارة برامج إعادة تأهيل العناصر المتطرفة، والتي تشمل مراقبة، ورصد تحركات المفرج عنهم، مع العمل على تقديم الدعم اللازم لإدماجهم في المجتمع... وهي ممارسات بعيدة كل البعد عن الممارسة الليبية التي كانت مدفوعة بدوافع سياسية في الإفراج عن الإسلاميين الذين يهددون أمن ليبيا والولايات المتحدة حالياً.

كريستوفر بوسك

زميل بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة quot;كريستيان ساينس مونيتورquot;