laquo;الاقتصاديةraquo; من بيروت

مع اشتداد الأوضاع سوءاً ومع اقتراب مرحلة الإعصار الدموي، تفكر سورية في تشتيت جهود المعارضة والجهد الدولي للضغط على دمشق، الأول عبر مساهمة إيران في شحن الأجواء الطائفية في مصر وشد الأطراف في لبنان واليمن، وثانيا عبر أوامر بفتح جبهة داخلية في إسرائيل تبدأ من الجولان السورية التي ستقدم دعمها لنظام الأسد الآيل للسقوط، وثالثها دعمها لحزب العمال الكردستاني للتهديد باحتجاجات شعبية خلال فترة الانتخابات التركية وإعلان زعيم الحزب عبد الله أوجلان في رسالة موجهة للحكومة التركية ''إما مفاوضات جدية تبدأ بعد 15 يونيو (حزيران) أو تبدأ حرب كبرى.. وتأتي القيامة'' وإعلان الحزب مسؤوليته عن محاولة اغتيال أردوغان الفاشلة والتي اتهمت فيها أنقرة المخابرات السورية، فهذه اللحظات والطلقات الأخيرة، في جعبة الرئيس السوري بشار الأسد، فالحوار الوطني فقد شروطه والقوى السياسية السورية لم تعد تأمن الرئاسة السورية، فقد وعدت كثيرا ونفذت قليلا.

والتقديرات الاستراتيجية الإسرائيلية تشير إلى أن حزب الله لن يجرؤ على إطلاق قذيفة على إسرائيل لانها لن تعتبر ذلك قراراً من حزب الله، بل قراراً سورياً بالدرجة الأولى وسيكون قصر الأسد أول أهدافها، وتضيف الدوائر الإسرائيلية أنها لن تمنح الأسد طوق النجاة ولن تمكنه من إشعال جبهة خارجية، لكي يقوم بتصفية معارضيه بحجة أن الواجب الوطني يتطلب تجيير إمكانات البلاد وقدراتها لخدمة الجبهة العسكرية، وأن لا مجال للإصلاحات السياسية في ظل حرب مع الأعداء، وأكد الموقع الإلكتروني ''ديبكا فايل'' أن دمشق تكون قد حفرت قبرها بيديها إن هي خططت فعلا لمثل هذا السيناريو.

وبحسب شخصيات سورية، فإن دمشق وصلت إلى نتيجة تفيد بأن التغيير حاصل لا محالة، وأن التنازلات لن تتوقف والمطالب الشعبية مهما تم إحباطها فإنها ستصل إلى مرادها بسورية حرة غير مقيّدة وسورية لشعبها لا لأقلية لها تحالفات تضر بالمكونات الطبيعية والأساسية للمجتمع السوري، وأضافت هذه الشخصيات أن جبهة الجولان كانت وظلت آمنة طوال 40 عاما، غير أن ما جرى ليس قناعة استراتيجية بضرورة تحرير الأرض المغتصبة وإنما استُخدم اللاجئون الفلسطينيون لتحرير دمشق مما هي فيه من مأزق، وترى هذه الشخصيات أن الأسد وشقيقه سيرتكبان مجزرة مشابهة لحماة وحلب مستغلين الأحداث الأخيرة في مارون الراس في لبنان، والجولان وانشغال الرأي العام العالمي بما يجري هناك، وهي الرسالة التي أبلغها رامي مخلوف لتل أبيب عبر الصحافة الأمريكية، فاهتزاز نظام دمشق يعني لا أمن لإسرائيل، وهنا نكتشف كذبة الممانعة والصمود والتصدي، والمقاومة.

وبالنظر لتصريحات أردوغان لوكالة أنباء الأناضول، بأنه يرى أن سورية ماضية نحو الحرب المذهبية والانقسام ''لدينا مخاوف من احتمال اندلاع صدامات مذهبية في سورية قد تؤدي إلى انقسام البلاد. لا نريد أن نرى هذا الأمر يحصل'' ومعلومات أردوغان ليست صحافية وليست سياحية، وإنما معلومات وتقارير أمنية، فقد أعلن سابقا قوله لدينا وسائلنا التي نعتمد عليها لمعرفة ما يجري في سورية، في إشارة إلى النشاط المعلوماتي والاستخباري.

دمشق تطلق النار في جميع الاتجاهات، وهذه المحاولات في علم النفس تعني إشهار حالة الإفلاس السياسي، فقد بدأت المخابرات السورية عملها في عمليات التسميم الإعلامي عبر محاولاتها تعكير صفو العلاقات الخليجية ــ الخليجية، ومحاولاتها الرامية النيل من العلاقة الراسخة بين دول مجلس التعاون الخليجي، عندما بدأ الحديث عن الدور القطري ومحاولة شيطنته، وأعطيت تعليمات لوحداتها الخارجية بالإساءة لهذه العلاقات واستهدافها وطرح الأسئلة حول الدور القطري فيما يتعلق بالأزمة الليبية، والحديث عن أجندة قطرية تستهدف الدور السوري التقليدي، من خلال الأداء الإعلامي لقناة الجزيرة وكيف ضغطت دمشق على عدد من المذيعين في القناة لتقديم استقالاتهم كغسان بن جدو وزينب اليازجي، والحديث عن التطبيع الإسرائيلي ــ القطري، وكأن قطر تخفي علاقاتها الدبلوماسية غير المباشرة مع تل أبيب، وأن هناك سعيا قطريا حثيثا من أجل القضاء على أهمية العواصم الشرق أوسطية الرئيسة الثلاثة: (دمشق ـ الرياض ـ القاهرة) وترى دمشق أن هذا الأمر يثير الهواجس الخليجية من بعضها بعضا، وهي لعبة مكشوفة فقدت معناها بسبب الشفافية التي يمارسها قادة دول مجلس التعاون الخليجي بين بعضهم بعضا، وبسبب عدم تدخل دول الخليج في الأزمة السورية لمصلحة الرئيس السوري بشار الأسد، وعدم طرحها أي مبادرة في هذا الخصوص.

ولم تكتف دمشق بشيطنة دول الجوار واتهامها بأنها داعمة للاحتجاجات الشعبية، وأن هناك تنسيقا بين هذه الدول والمعارضة السورية لجأت دمشق لإطلاق دعايات كثيرة حول ارتباط المعارضة السورية بأمريكا والتنسيق معها، وان بعضا من قياداتها زار تل أبيب أخيرا، غير أن ما يحرج دمشق هو ارتفاع نسبة المعارضين في الداخل ومطالبتهم الأسد بإصلاحات سياسية حقيقية وكف يد الأجهزة الأمنية واستمرارها في دعم التحرك الاحتجاجي، وزادت مخاوف دمشق عندما بدأت المكونات السياسية السورية بالدعوة للإضراب العام والعصيان المدني وشل الحياة العامة، وقد بدأت نغمة الرفض الاجتماعي عامة حيث انتقدت إحدى سيدات تلكلخ الرئيس الأسد بقولها تهكماً ''هذا هو الحوار الوطني الذي يرغب فيه الرئيس''.

وتلكلخ بحسب أسامة الدندشي اغتيلت مرتين، ونقول نحن ثلاث مرات، مدينة اغتيلت سياسيا مرتين, مرة باسم الإقطاع, وإقطاعها عجز عن دفع الغرامات التي فرضتها فرنسا على ثوارها, بعد تشريدهم في الصحراء السورية, وعندما تدخل الملك فيصل آنذاك وعادوا إلى بيوتهم وجدوها فارغة, وأملاكهم وأراضيهم محجوزة إلى البنك التونسي, الذي بقي يبيع أملاك الثوار بالمزاد العلني, حتى جير بعد الاستقلال إلى المصرف الزراعي, ومن حينها وتلكلخ تعاني الفقر والجوع و''القولجي'' 1, ما لم تعانه مدينة في سورية، واغتيلت مدينة تلكلخ مرة ثانية باسم التهريب, الذي يكافحه أكثر من أحد عشر جهازا امنيا مقيما في تلكلخ ومحيطها, والمهرب الحقيقي طليقا يترع الويسكي في ميرديان دمشق وحلب واللاذقية، واغتيلت مرة ثالثة على أيدي قوات الجيش السوري ما دفع بأهلها للهجرة إلى القرى اللبنانية المجاورة ولقتل رجالاتها بحجة التهريب.

واليوم يفتح الأسد بوابة الجولان للمقاومة والممانعة والتحرير ويدفع باللاجئين الفلسطينيين لها بعد أن فرض عليهم الخروج بالقوة في ذكرى النكبة غير أن المتحدث باسم رئيس الكيان الإسرائيلي أوفير غِندلمان، قال إن الرئيس السوري، بشار الأسد، ''يحاول صرف الأنظار عن المجازر التي يرتكبها بحق شعبه''.

ولأن الموضوع السوري له ارتباطات عميقة بالموضوع الإيراني فإن الحزب الجمهوري يرى أنها فرصة تاريخية لتقليم أظافر إيران في المنطقة، فيما أكدت المعارضة الإيرانية شيرين عبادي الحائزة جائزة نوبل أن سقوط النظام السوري، الحليف الأول لطهران في الدول العربية، سيوجّه رسالة قوية إلى نظام الملالي في إيران. وأضافت عبادي أن أصبحت سورية ديموقراطية فستخسر إيران دميتها، وطرحت عبادي أسئلة عديدة على طهران تفضح سياساتها بقولها ''لماذا تلزم إيران الصمت عندما تقتل الصين المسلمين؟ في إشارة إلى منطقة شينجيانغ الصينية التي قتل فيها مئات المسلمين على أيدي قبائل الهان وسط صمت رسمي. ولِمَ تلزم إيران الصمت عندما يقتل مسلمو الشيشان على أيدي قوات روسيا حليفة إيران؟''. وقالت عبادي إن الوضع الملتهب في سورية سيحرق أقدام إيران فإيران كالجمر تحت الرماد.

إذاً ما يجري هو مرحلة انكشاف الأوراق، أوراق الممانعة والمقاومة التي كانت تتاجر بها دمشق وطهران، في وقت كانت دمشق تحمي الجبهة السورية مع إسرائيل، فسلاح المقاومة اليوم يوجّه لصدر الشعب السوري، وقوات القدس تهبط في دمشق لحماية النظام، واللاجئون الفلسطينيون المحرومون من حقوقهم في سورية باتوا الطلقة الرابحة في سلاح الدم السوري.