David Lesch Financial Times


سيأمل الأسد أن يؤدي القمع إلى إخماد حمى الثورات التي أطاحت بالنظامين في مصر وتونس. وكما حصل في الماضي، سيظن أنه قدم تنازلات مهمة وكافية، لكن الشرق الأوسط يختلف الآن عما كان عليه سابقاً، إذ يصعب اليوم عكس وتيرة التغيير على المدى الطويل... فهو قد يواجه معارضة أشرس في وقت أقرب مما يظن.

بعد أن التقيتُ الرئيس السوري بشار الأسد، في مناسبات عدة، يمكنني القول بكل ثقة إنه ذُعر عندما امتدت الاضطرابات السائدة في العالم العربي لتصل إلى بلده. فقد كان، مثل غيره من الحكام الاستبداديين على مر السنين، يظن أنه بأمان أو أنه يتمتع بشعبية واسعة.

كان يتباهى بأن بلده 'مختلف' عن غيره. وكان يعتبره محصناً ضد الانتفاضات التي تجتاح البلدان الأخرى. وكان المسؤولون في نظامه يرددون هذا الكلام، مع التشديد على أن الحكام المسنين في تلك الدول فقدوا مصداقيتهم وأصبحوا مجرد أتباع فاسدين للولايات المتحدة. نتيجةً لذلك، كان الأسد- الذي يبلغ 45 عاماً ويُعتبر شاباً نسبةً إلى نظرائه من الحكام- يفهم الشباب العربي، فهو واجه الولايات المتحدة وإسرائيل ورفع شعارات تلقى ترحيباً واسعاً في الشارع العربي.

منذ شهر فقط، ساد جدل في الغرب حول ما إذا كان الأسد سيشن حملة قمعية، بما أنه حرص سابقاً على تقديم نفسه بصورة مختلفة عن والده المتشدد. لقد تبخرت هذه الآمال الآن. فقد اتكل الأسد على الدبابات والقوات العسكرية لقمع المحتجين، ما أسفر عن مقتل حوالي 600 شخص، وفقاً لجماعات حقوق الإنسان.

نظراً إلى مسار الأحداث في السنوات الأخيرة، لا يُعتبر الوضع الراهن مفاجئاً. اكتشفتُ الكثير عن بشار الأسد خلال أحد لقاءاتي به. حصل اللقاء في عام 2007، خلال الاستفتاء العام الذي كان يهدف إلى تحديد ما إذا كان سيفوز بولاية جديدة مدتها سبع سنوات. (كان اسمه الاسم الوحيد المطروح في صناديق الاقتراع). بعد ذلك، وفي أجواء تذكرنا بالاحتفالات التي كانت تُقام لصدام حسين، شعرتُ للمرة الأولى بأنه استسلم لنشوة السلطة. فأقنعه المتملقون من حوله بأن راحة سورية هي مرادفة لراحته، وبالتالي يجب أن يتمسك بالسلطة بأي ثمن.

لذا يبدو الابن الآن أشبه بنسخة من والده حافظ الأسد الذي أمر بشن حملة قمعية على المقاتلين الإسلاميين في عام 1982، لكن بعد أن استرجع بشار الآن ثقته بإعادة السيطرة على الوضع، أشك في أنه مقتنع بقدرته على النهوض من حالة العزلة التي يواجهها. لا ننسى أنه صمد في وجه تداعيات مقتل رفيق الحريري في لبنان، عام 2005، بعد أن اتُّهمت سورية بالضلوع في الجريمة.

حتى الآن، اكتفى الأسد بالاحتماء وراء حصنه الطائفي، وهو ينوي على ما يبدو إبقاء أقليته في السلطة. في الأوقات الحرجة من عهده الرئاسي، لطالما استسلم لمطالب المتشددين، وتحديداً جنرالات النظام الذين يسيطرون على الجهاز الأمني.

كيف يستطيع إذن استعادة شعبيته بين الناس مع استمرار الحملات القمعية؟ منحه المجتمع الدولي فسحة من الحرية خوفاً مما يمكن أن يحصل في سورية وفي المنطقة في حال سقوطه، لكن يبدو أنه يستغل الوضع لشراء الوقت بهدف قمع الانتفاضة.

sect;في حال صمود النظام، أتوقع أنه سيحاول تطبيق بعض مستويات الإصلاح، بعد أن يعود الجنرالات إلى ثكناتهم، لكنني أخشى أن يستمر في التركيز على الإصلاحات الاقتصادية، وأن يمنح المحتجين حداً أدنى من الإصلاحات السياسية التي لا ترقى إلى مستوى مطالبهم، ويمكن أن يتقرب النظام أكثر من إيران في هذه الحالة.

إذا ساهمت هذه الخطوات في إرجاعه إلى الوضع الذي كان عليه قبل تصاعد وتيرة الانتفاضات، فهو سيشعر بالرضا حتماً. فالدولة الاستبدادية التقليدية هي، في نهاية المطاف، الوضع الذي يحبذه النظام. ويضمن الفساد والعجز المؤسساتي والجهاز القمعي العودة إلى النمط الذي يرسخ صمود النظام. سيأمل الأسد أن يؤدي القمع إلى إخماد حمى الثورات التي أطاحت بالنظامين في مصر وتونس. وكما حصل في الماضي، سيظن أنه قدم تنازلات مهمة وكافية، لكن الشرق الأوسط يختلف الآن عما كان عليه سابقاً، إذ يصعب اليوم عكس وتيرة التغيير على المدى الطويل. فهو قد يواجه معارضة أشرس في وقت أقرب مما يظن.

لقد ظن بشار الأسد أن سورية كانت مختلفة عن غيرها، لكن سرعان ما تبين أنه على خطأ. ربيع العرب يعني فعلياً أن الناس سئموا الحكّام الاستبداديين. ربما سيضطر الغرب، لأسباب متعلقة بمصلحته العليا، إلى ادعاء القبول بإصلاحاته، ولكن شعبه لن يقبل بها. هو صامد حتى الآن ولكنه لا يتحكم في مسار الأمور، وسرعان ما سينضم إلى لائحة الحكام الديكتاتوريين العرب السابقين.

* أستاذ متخصص في تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ترينيتي في سان أنطونيو، تكساس. وهو مؤلف كتاب 'أسد دمشق الجديد: بشار الأسد وسورية المعاصرة' (The New Lion of Damascus: Bashar al-Assad and Modern Syria).