محمد لطف الحميري

مما لاشك فيه أن النظام اليمني ورئيسه قد حشر في زاوية ضيقة جدا وهو اليوم في حال من الضعف لم يعشها طول سنوات حكمه الثلاث والثلاثين، ولذلك نراه يتخبط في خططه وقراراته والغريق كما يقال يتعلق بقشة.. ولتجنب الغرق ولو مؤقتا يسعى لتفجير الموقف عسكريا لتطبيق مقولة quot;علي وعلى أعدائيquot; ليصبح الوضع كالتالي فبدل أن تطالب ثورة الشباب السلمية بمحاكمته بتهمة قتل المئات تتحول هذه القضية إلى خبر كان عندما يتعلق الأمر بإشعال حرب أهلية لتوزيع الأوزار على كل الأطراف، وما الحملة العسكرية الظالمة للحرس الجمهوري على قبائل يافع بالحد بمحافظة لحج وقصف القرى المسالمة بالطيران وقصف قبائل نهم التي تصدت لبعض مخططاته سوى مقدمات لإستراتيجية النظام المجنونة التي تنفذ الآن بتوزيع الأسلحة على المؤيدين في أحياء العاصمة وبقية المدن تصعيد الفتك بالمتظاهرين السلميين وذلك لعمري الانتحار السياسي بعينه الذي علق عليه أحد اليمنيين قائلا الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز يوزع مليارات الريالات على أبناء شعبه والرئيس علي عبد الله صالح يوزع الأسلحة ليقتل أبناء شعبه وتلك مفارقة ستعمل بلا شك على ترجيح كفة المطالبين برحيله مهما حاول المراوغة وتغيير مواضيع الحديث والكتابة.
الضغط الشعبي والخليجي ربما يجبر الرئيس على توقيع المبادرة في نسختها الخامسة خلال هذه الأيام هذا إذا تخلى عن شرطه في أن تحل المعارضة مشكلتي الجنوب وصعدة التي لم يستطع حلهما وهو يتبختر بصولجان الحكم؟ لكنه بما أوتي من قدرة كبيرة على نكث العهود مستعد بعد ذلك لإفشالها عن طريق إثارة موضوعات أخرى، منها اللجوء كما أسلفت إلى استخدام العنف وتصعيد استفزاز شباب الثورة السلمية حتى ينجرفوا إلى حمل السلاح وبالتالي يصبحون سواء في البضاعة؟ لقد ملأ الرئيس العاصمة بالأسلحة كما تقول تقارير متطابقة وهو يريد أن يحقق ما خوف به الشعب منذ زمن عندما قال ستكون الحرب من طاقة إلى طاقة أو ربما اقتداء بالعقيد الليبي الذي جعل الحرب في ليبيا من زنقة إلى زنقة لكن ذلك ربما يبدو بعيد المنال بعد أن اخترع وسائله الناجعة التي لا يتقنها النظام.. أما المنتفعون من بقائه والخائفون على مصالحهم ومن الملاحقات الجنائية لهم فقد عمدوا إلى دفع مبالغ مالية لمن يريد النوم في الطرقات فنصبوا الخيام على طول الشوارع المؤدية إلى القصر الجمهوري بهدف حماية الرئيس من الثوار quot; المارقينquot; الذين يتنكرون للوطن المختزل في شخص الرئيس الزعيم فارس العرب.!
يسعى الرئيس إلى الاستفادة من عامل الوقت خصوصا وأنه نجح في تحويل الثورة الشبابية السلمية إلى أزمة سياسية طرفاها سلطة عتيقة فاشلة ومعارضة محنطة تقليدية لا تستطيع التحرك من دون عكاز.
هناك اجتماعات في قصر الرئاسة شبه دائمة للذين quot;يوشوشونquot; في أذن الرئيس ويرون في استمراره لبضعة أشهر أو أيام نصرا لاستراتيجياتهم التي يورطون فيها الرئيس بمسح الجزء الإيجابي من تاريخه والاشتراك في تبيض صفحاتهم السود وبالتالي يدفع الرئيس بنفسه قسرا إلى النسيان الذي سيطويه بمجرد خروجه من قصر السبعين ولن نجد ربما من يرفع صورته بعد ذلك كما هو حال الرئيس السابق إبراهيم الحمدي الذي رغم سنوات حكمه الثلاث ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على اغتياله إلا أنه لا يزال حاضرا في الذاكرة الجمعية للشعب ونرى صوره ترفع في مظاهرات الثورة الشبابية السلمية في اليمن.
يبدو أن الرئيس اليمني قد هوى من شاهق عندما اختار أن يقترن اسمه بنكرات في اليمن فبات يسمع لهم عندما يتفانون في جمع آلاف من البشر الفقراء المعدمين لكنه لا يأبه لحالهم المنكسر ولا كيف أتوا حبا أم رغبة فيما يسد الرمق ولو ليوم واحد بل يتوجه إليهم بخطاب الشكر على تجشمهم عناء السفر من قفار وفيافي تهامة وأدغال ريمة ويناديهم بشعبي العظيم وأنا بصراحة رغم إيماني بعظمة الشعب اليمني إلا أني لم أر في سياسات الرئيس اليمني ما يدل على أنه سعى لجعل شعبه عظيما إلا إذا كان يعتقد أن العظمة في الفقر والحرمان والحاجة إلى جمعية الصالح الخيرية أو إرسال رئيس حكومة تصريف الأعمال إلى بعض دول الخليج للتسول فذلك لعمري عمل غير صالح وقد أورده مورد سوء الخاتمة ومن مآلات ذلك أن ترى الملايين تصوم كل يوم خميس وتدعو عليه بالويل الثبور لأنه حول حياة اليمنيين إلى جحيم بعد أن كانت بلادهم طيبة لكن ربهم غفور رحيم ومن رحمته أن جمع شمل اليمنيين ووحدهم باتجاه انتزاعه من كرسي الرئاسة الذي لو عرف طريق المحاكم لفر إليها شاكيا... نصيحتي للرئيس علي عبد الله صالح أن يعلم أن الحيلة هي في ترك الحيل ومن الحيلة ألا يعاند شعبه الزاحف حتما إلى قصره وأن يستمع لصوت العقل والحكمة ويتشبث بطوق النجاة الذي منحته إياه مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عدلت وبدلت وصيغت بنودها وإضافاتها لحفظ ماء وجهه وليعلم أن إرادة الشعوب لا تقهر وأن الموضوع الرئيسي الذي يريد الشعب سماعه بلهفة وفرح هو خطاب الاستقالة أو التنحي وبداية عهد جديد يعيد لليمن سعادته.