خليفة راشد الشعالي

يقوم جزء كبير من البحوث العلمية على الفرضيات، مثل الفرضية الصفرية وفرضية العدم والفرضية البديلة، كنقطة انطلاق تسمح للباحث بعدها بالوصول إلى الحقيقة بعد أن يقارن ويعلل ويختبر، أو يقوم بدراسات جزئية تثبت الافتراض المبدئي أو تنقضه، ومن هذه الخطوة الأولى تنشأ دراسات وبحوث يستفيد منها المجتمع البشري .

ويرى البعض أن الافتراض لا يعدو أن يكون جدلاً ذهنياً وفكرياً أقرب ما يكون إلى العصف الذهني يمهد لولادة الفكرة الأساس التي ينطلق منها البحث .

سيراً على هذا النهج؛ نفترض جدلاً ضمن الفرضية البديلة- قلب المعادلة السائدة هذه الأيام، والسير بعكس مضمون الشعار المتداول في بعض وسائل الاعلام، شعار: ldquo;الشعب يريد إصلاح/ تغيير/ إسقاط النظامrdquo;، حيث لا بد من التسليم أن هذا الشعار فيه ما فيه من صحة وفيه مافيه من المغالطات، وأن رافعيه في بعض الأحيان يرفعونه كستار لغايات لا تتفق مع ظاهره وحسن نوايا تابعيهم، وهو في هذه الحالة شعار حق يراد به باطل، ينساق تحت لوائه كثير من بسطاء الشعوب الذين يسيرون بحسن نية خلف رافعيه بغير وعي أو إدراك، وغير مقدرين لما سيؤول اليه الوطن والمجتمع من رفع هذا الشعار وإسقاط النظام .

الافتراض البديل ليس افتراضاً من عدم بل إنه يقوم على حقيقة مفادها أن وباء الفساد يصيب الشعوب مثلما يصيب الأنظمة، لا بل من المتيقن أن بعض الأنظمة تفسد لأن الشعوب التي خرجت من رحمها هذه الأنظمة فاسدة، وفق مبدأ ldquo;كل إناء بما فيه ينضحrdquo; أو ldquo;كما تكونوا يولى عليكمrdquo; . لما كان الحال كذلك، فإن الشعار في هذه الحالة هو: ldquo;النظام يريد إصلاح/ تغيير/ إسقاط الشعبrdquo; . هذا الشعار يفترض أن ترفعه أنظمة الحكم الصالحة الرشيدة، أو يرفعه نظام حكم منفرد يطالب فيه بإصلاح أو تغيير أو إسقاط الشعب، لما ظهر فيه من فساد . وحيث إننا سلمنا بحقيقة أن الشعوب معرضة للفساد، وأنها قابلة للإصلاح أو التغير، فإنه من المحتم التسليم بحق الأنظمة عبر برامجها الثقافية والتعليمية والصحية والجزائية، من حقها بل من واجبها إصلاح الشعوب وتأهيلها، إلا أن هذا الإصلاح والتأهيل يتم بطرق تدريجية ووفق خطط وتشريعات يوافق عليها الشعب أو على الأقل النخب في الشعب، حيث لا يمكن فرض الإصلاح والتأهيل بطرق تعسفية وقمعية، تسلب الشعب كرامته وحريته .

لهذا يثور سؤال في هذه الحالة، إذا كان من مهام النظام السياسي إصلاح الشعب وتأهيله، فهل يجوز للأنظمة أن تطالب بتغيير الشعوب أو استبدالها أو إسقاطها؟ بالطبع، لا يمكن لعاقل أن يخول أنظمة الحكم إسقاط الشعوب أو ترحيلها أو نفيها، فهذا الافتراض يبدو من الوهلة الأولى مستحيلاً، وهو في نفس الوقت عمل إجرامي مستهجن في ما لو قام به نظام حكم بطريقة مباشرة مكشوفة، فزعيما قبيلتي الهوتو والتوتسي في رواندا عندما يصل أحدهما إلى الحكم كان يقوم بإسقاط نصف الشعب تقريباً ويخرجه من البلاد عنوة عن طريق القتل والاغتصاب والتنكيل . عندئذ، قام العالم ولم يقعد وخصص لرواندا محكمة جنائية دولية تحاكم من ارتكبوا جرائم حرب هناك او جرائم ضد الانسانية .

تجنباً لاستنكار الرأي العام، وللتغطية على فجور مثل هذه الأعمال، تتبع الميليشيات التابعة للأنظمة أساليب خاصة عندما تريد إسقاط الشعوب وتهجيرها خارج وطنها، وهي طرق يمهد لها في وسائل الإعلام ويجند لها العلماء والساسة والخبراء ورجال الدين، بحيث تبدو أمام الرأي العام وكأنها حركة انسانية وتطور طبيعي للديموغرافيا والجغرافيا والتاريخ، أو أنها محاولات أمنية للقبض على ldquo;الإرهابيين والتكفيريين والجرذان والخارجين على القانونrdquo;، بحيث يقتل أو يعتقل أو يطرد أو يخرج من الوطن كل المناوئين للنظام والمعارضين له، مع تأييد أو على الأقل سكوت أممي عن الجريمة، والدليل على ذلك، أن شعوباً كثيرة في فلسطين وأمريكا واستراليا ونيوزلندا وسنغافورة وغيرها، لا وجود لها في المجتمع الآن بعد أن احتلت أوطانها فصار البقية الباقية منهم يعيشون على هامش المجتمع .

قد يقول قائل: إن هذه الشعوب قصرت في الدفاع عن حقها في الوجود وقصرت عن الوجود الفعلي في المجتمع والحكم، أو أنها فرطت في حقها، ولم تشارك في رسم مستقبلها، إلا أن النتيجة المشاهدة حالياً هي خروج هذه الشعوب أو سقوطها في درك سحيق، وأنه من الصعب بل من المستحيل عودتها إلى مسرح الوطن قائدة له كما كانت .