محمد عبيد

الجدل الدائر في تونس حول محاكمة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وخصوصاً المتعلق منه بجدوى محاكمته غيابياً من ناحية، وطبيعة الدعاوى المرفوعة والمنظورة أمام المحاكم التونسية من ناحية أخرى، يحمل وجهة أو وجهات نظر منطقية، ويضعنا داخل كواليس الحراك السياسي والاجتماعي التونسي الذي غاب كثيراً عن المشهد عقب إطاحة النظام السابق .

محاكمة مسؤول، أياً كان منصبه أو موقعه، ليست سابقة أو أمراً يحمل على الاستغراب، والمحاكمة كمبدأ أمر ضروري في سياق تحقيق العدالة ووضع الأمور في نصابها، لكن أخذ الموضوع على عموميته ومن دون فحص وتمحيص للحالة يخرجنا عن سياق ما يجري، ويجعل من الحكم على المسألة خارج إطار العقل والمنطق .

في الحالة التونسية تبدو المسألة مزيجاً من محاولات سلطات الحكم الانتقالي ldquo;بيع موقفrdquo; للشعب، وإرضاء رغبة الغالبية المطالبة بمحاكمة الرئيس السابق ورموز نظامه، للتماهي مع المزاج الشعبي، وتخفيف الضغط عن السلطة الحاكمة، في ما يخص الانتقال الديمقراطي، ونقل السلطة إلى أيدي ممثلين منتخبين بشكل شفاف ونزيه يعبر عن إرادة التونسيين .

أكثر ما يخشى في المسألة أن تكون فرقعة إعلامية فقط، ما يعبر عنه رأي ناشطين تونسيين بارزين يعتبرون أن ما يجري ldquo;مجرد مسرحيةrdquo;، ويلتقي معهم فيه محامو خصمهم، في مشهد مغرق في الكوميديا السوداء .

وتبرز مؤشرات على منطقية هذا الطرح، مثل التركيز على عدد القضايا المرفوعة ضد ابن علي وزوجته الذي يلفت نظر القاصي قبل الداني، فالحديث منصّب على تكرار أن ثلاثاً وتسعين قضية مرفوعة ضد هؤلاء، ويمتد إلى تأكيد أن القادم أكثر وأعظم، إضافة إلى أن المحاكمة تجري أمام محكمة محلية أدنى درجة، في ظل غياب المدعى عليه، كما أن مجرد التركيز على محاكمة النظام السابق من دون طمأنة الشعب إلى تحرك حثيث على صعيد تحقيق مطالب وأهداف ثورة التونسيين، يضع العديد من علامات الاستفهام، ولا يدع المجال سوى أمام المتشككين والمشككين بعزم السلطة الانتقالية على وقف المراوحة في المكان، وتركيز المشهد على قضية من المؤكد أنها جوهرية لكنها لا تشكل المشهد على تنوع لاعبيه وظروفه وبنيته .

المحاكمة وحدها لا تكفي، فهناك على الطاولة القضية الأهم، التي تشمل مسألة المحاكمة، وهي تحقيق الهدف من الثورة في نظام جديد، ديمقراطي تعددي، وتلبية مطالب العدالة الاجتماعية، إلى غيرها من المسائل العالقة والحيوية .

يجب ألا تصبح محاكمة النظام ستاراً لتعطيل وفرملة الجهد الشعبي التونسي، كما أنها لا يجب أن تصبح عائقاً أمام جهود التقدم، أو توضع نقطة بداية له، لا يتم تخطيها من دون إنهاء الملف، يجب ألا تحصر تونس ونضالات أبنائها في حديث مجرد عن محاكمة قد تؤتي أكلها، أو قد يتم تعطيلها بحكم غياب المدعى عليه، أو اتخاذ المحاكمة ذاتها وسيلة للتعطيل والمماطلة، وتأجيل الاستحقاق الكبير المؤدي إلى تونس مثل ما يراها أبناؤها .

لا بد من تكرار التحذير المرة تلو الأخرى، والتنبيه إلى أن الوضع في تونس ما زال هشاً، وغير مستقر بشكل كامل، ما يستدعي بالضرورة التنبه إلى ما يجري، وعدم التهليل والترحيب بخطوات تشكل جزءاً من كل، وقد تأخذ منحى شكلياً ودعائياً، مغطية بالتالي على مقدار التقدم المحقق على صعيد الانتقال إلى تونس جديدة، ناضل شبابها وشيبها، وتحملوا الكثير من أجل رؤيتها حقيقة على الأرض .