عوني صادق

في الوقت الذي كانت تستعد وتدعو فيه ائتلافات شباب الثورة وقوى سياسية مصرية للمشاركة في مليونية ldquo;جمعة تصحيح المسارrdquo;، احتجاجاً على ما شهدته ldquo;المرحلة الانتقاليةrdquo; من انحرافات عن المسار الصحيح، أعلنت الجهات الرسمية تحديد اليوم نفسه ك ldquo;يوم الفلاح المصريrdquo; ودعت إلى الاحتشاد في ستاد القاهرة الرياضي، في محاولة تبدو لإفشال الدعوة إلى المليونية، بينما يحتدم الجدل على قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، على نحو يلقي ظلالاً كثيفة ويطرح علامات استفهام كثيرة عن ثورة 25 يناير ومساراتها في ضوء القوانين والقرارات والإجراءات التي صدرت واتخذت في الشهور السبعة المنقضية من المرحلة الانتقالية .

ومن دون الدخول في جدل ldquo;فقهيrdquo; عما إذا كان الذي وقع في مصر ثورة أو انتفاضة شعبية، فإن أحداً لا يتوقع أن تنجز أية ثورة أهدافها بضربة واحدة . لكن ذلك لا ينفي أنه يجب أن تكون الخطوات المتخذة ثابتة وفي الاتجاه الصحيح، وأن تكون الأعين كما العقول مشدودة إلى الأهداف التي تحركت الجماهير من أجلها . من دون ذلك تذهب الثورة إلى دروب تؤدي إلى التوهان والضياع، وتنتهي بعد أن تفشل في تحقيق التغيير المطلوب .

وهناك اليوم في مصر، من تبدو له ldquo;الصورة وكأن هذه الثورة لم تحدثrdquo;، وأنه ldquo;في ظل الأوضاع المضادة لكل ما نادت به الثورة وقامت من أجله، يمكنك أن تسميها المرحلة الانتقاميةrdquo; . وهؤلاء يرون أن قانون تقسيم الدوائر الانتخابية يؤكد المقولة السابقة، وأنه ldquo;لو جرت الانتخابات البرلمانية في ظل هذه الأوضاع المقلوبة، فكل المعطيات المتوافرة حالياً تؤدي إلى إعادة إنتاج النظام السابق بكامل تشكيلاتهrdquo; .

ويكاد تجمع القوى السياسية في مصر، القديمة منها والجديدة، على أن هذا القانون هو ldquo;خطوة إلى الوراء ولن يسهم في تقدّم الحياة السياسيةrdquo;، كما رأت التيارات الإسلامية، بينما رأت أغلبية الأحزاب الجديدة التي تأسست عقب الثورة أنه جاء مناقضاً لمطالب القوى السياسية المصرية، وأكدت أن مجلس الشعب المقبل لن يعبر عن يناير، وأنه سيكون مفتتاً بين التيارات الدينية وبقايا الوطنيrdquo; .

والحقيقة أن الدكتور حسن نافعة كان قد رأى مبكراً مثالب القانون الجديد الذي يدور عليه الجدل اليوم، مباشرة بعد أن أصدر رئيس المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة مرسوماً بشأنه، حيث تساءل في ما يشبه الاستنكار: ldquo;هل يمكن لانتخابات تجري وفقاً لهذا القانون أن تفرز برلماناً يليق بثورة 25 يناير؟rdquo; واستغرب الإصرار على إبقاء السلطة التشريعية طبقا لقواعد نظام سياسي قديم قامت الثورة لإسقاطه، مفسراً ذلك بقوله: ldquo;لا يوجد في تقديري من تفسير لهذا الإصرار إلا أحد أمرين، الأول: غياب الرؤية القادرة على التفكير خارج الصندوق وسيطرة منهج إصلاحي ينطلق من ضرورة الإبقاء على بنية النظام القديم كما هي دون تعديل، وقصر الإصلاحات المطلوبة في أضيق الحدود وبما يكفي لإخراج النظام الذي سقط رأسه من أزمته الراهنة . والثاني، الحرص على أن تظل المؤسسة التشريعية ضعيفة كي تتمكن السلطة التنفيذية المنتخبة، خاصة رئيس الجمهورية، من صناعة السياسات واجبة التطبيق في المرحلة المقبلة بما يتناسب ومصالح نفس النخبة الحاكمة المرتبطة بالنظام القديم والشرائح الاجتماعية التي شكلت ولا تزال تشكل العمود الفقري لهذا النظامrdquo; . ويضيف: ldquo;من الطبيعي أن يؤدي وجود برلمان ضعيف إلى ترجيح كفة رئيس الجمهورية القادم في صياغة الدستور الدائم، خصوصاً أنه بات من المؤكد أن تجري انتخابات رئاسة الجمهورية قبل أن تكون الجمعية التأسيسية قد أكملت مهمتها وفرغت من صياغة الدستور، ويبدو أن هذا هو بيت القصيدrdquo; . ويختم الدكتور نافعة مقاله بالقول: ldquo;إذا صح هذا التحليل، فمعنى ذلك أنه يراد للنظام السياسي الجديد لمصر ألا يكون مختلفاً كثيراً عن نظامها القديمrdquo; .

في ضوء ذلك محق من يعد المرحلة الانتقالية كانت ldquo;مرحلة انتقاميةrdquo; من الثورة، ويصبح من الضروري إخراج ما دعت إليه الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية من إحياء ldquo;القائمة الوطنية الموحدةrdquo; إلى حيز الواقع لخوض الانتخابات، لتفادي التشرذم والانقسام ولإفشال النوايا المختبئة وراء إصدار قانون الانتخابات ldquo;الجديدrdquo; . لكن في حال عدم قيام مثل هذه الجبهة المتحدة، تصبح النتائج محسومة لمصلحة النظام القديم وأزلامه، وهو ما جعل البعض يدعو منذ الآن إلى مقاطعة الانتخابات (وكأن الثورة لم تكن وما زلنا في يوم قبل 25 يناير)، على أساس أنه ldquo;إذا كان اللاعبون في الانتخابات المقبلة رافضين للقواعد والإجراءات المنظمة للعبة . . . فلماذا الاستمرار في هذا العبث الانتخابي؟rdquo; .

ومما لا يجادل فيه أحد، أن مصير الثورة المصرية، في أن تستمر ثورة أو تكون انتفاضة، أو حتى أن تتحول إلى مجرد هبة شعبيه احتجاجية، يتوقف على الانتخابات المقبلة ونتائجها . وإذا كان القانون الذي ستجري بموجبه قد حسم لغير مصلحة الثورة، فإن كيفية التعامل معه وطرق سد ثغراته عبر جبهة وطنية موحدة، وتوعية الناخبين بكل السبل، وضمان منع آليات التزوير السابقة من العمل، هي ما تبقى أمام أنصار الثورة في مواجهة الثورة المضادة المصممة على اغتيال الثورة .