ياسر الزعاترة

لم يثبت حتى الآن وجود نوايا حقيقية للوحدة الخليجية رغم الحديث الذي دار حولها عشية القمة الخليجية الأخيرة، كما لم يثبت أن حديث الوحدة السعودية البحرينية على درجة عالية من الجدية أيضا، أعني لجهة اقتراب التنفيذ، لكن إيران التي لم تتوقف عن تأكيد روحية استخفافها، بل استفزازها للمحيط العربي، وربما للجار التركي أيضا، لم تمرر حديث الوحدة إياه من دون ردود فعل استفزازية، أكان عبر تصريحات صادرة من طهران تؤكد أن البحرين مقاطعة إيرانية، أم عبر كلام مستفز عن سرقة السعودية للبحرين إلى غير ذلك من الكلام المشابه.
الأسوأ هو تنظيم تظاهرات في طهران ضد تلك الوحدة، وهي تظاهرات محدودة كان واضحا أنها من إنتاج النظام، لأن الشارع الإيراني المطحون بالبؤس الاقتصادي الناتج عن الإدارة السيئة والعقوبات الدولية لا يبدو معنيا بمصير البحرين، هو الذي سبق أن تظاهر قطاع عريض من أبنائه ضد المساعدات للبنان وغزة، أعني مظاهرات المعارضة خلال الانتخابات قبل الماضية وما تبعها من احتجاجات، ما يؤكد المسافة الكبيرة بين برنامج النظام وبين اهتمامات الذي لا يبدو معنيا بطموحات التمدد الإقليمي، ولا حتى بالطموحات النووية، ولو أجري استفتاء حقيقي لتقدمت الهموم المحلية على ما عداها.
وفيما كانت المظاهرات ضد الوحدة بين البحرين والسعودية محدودة وشكلية ومبرمجة في طهران، فقد كانت غير ذلك في المنامة التي خرج فيها عشرات الآلاف من الشيعة منددين بالتوجه، الأمر الذي مرَّ بهدوء ملحوظ؛ حيث لم تحدث احتكاكات بين المتظاهرين وقوات الأمن (خرج السنّة بمظاهرات مقابلة تؤيد الوحدة).
المتظاهرون في المنامة من شيعة البحرين كانوا يعبرون عن رفضهم الوحدة مع السعودية، ويعتبرونها بيعا للبحرين، الأمر الذي لا يمكن قراءته خارج سياق الحشد المذهبي الذي عمَّ المنطقة ووجد صداه الأكثر وضوحا في البحرين (دخل لبنان على الخط) التي يرى شيعتها أنهم الأحق بالحكم نظرا لكونهم الأغلبية، فيما لا يتوقفون (ومعهم حزب الله وسائر أركان التحالف الإيراني) عن التنديد بجريمة الصمت التي تتعرض لها ثورتهم، مع أننا لا نجد صمتا بالمعنى الحقيقي؛ حيث تغطي الجزيرة فعاليات الحراك هناك بشكل دائم، لكن القوم يريدون المساواة بين مسلسل القتل اليومي في سوريا، وبين حراكات شعبية عادية في البحرين، الأمر الذي لا يمكن أن يكون منطقيا بلغة الإعلام. أما التنديد بمواقف القوى الشعبية العربية (بخاصة الإسلاميين) من ثورة البحرين وردها إلى نفس مذهبي، فيستدعي سؤالا عن المقارنة بين من يؤيد مجرما مثل بشار الأسد يعبر عن نظام أمني طائفي، وبين من يسكت (مجرد سكوت) على الحراك الشعبي في البحرين، لا يؤيده ولا يدينه. هل يستويان مثلا؟!
ونذكر هنا بأن الفارق كبير بين ما يجري في سوريا وبين ما يجري في البحرين، لأن الأخيرة لا توجد فيها أقلية وأغلبية محسومة بشكل واضح (45 إلى %55 تقريبا)، خلافا للحال في سوريا. ومع ذلك فنحن لم نتردد في الإقرار مرارا وتكرارا بوجود مطالب محقة لشيعة البحرين ينبغي الاستماع إليها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ماذا لو قررت السعودية فعلا تحقيق الوحدة مع البحرين؟ هل يمكن لشيعتها إفشال التوجه بالفعل؟ مع العلم أن تلك الوحدة هي مصلحة بحرينية من الناحية الاقتصادية؛ لأن البحرين هي أفقر الدول الخليجية، ومعدل دخل الفرد فيها هو الأدنى بين دول الخليج.
وحدها المشكلة المذهبية (ومن ضمنها الموقف الإيراني) التي تجعل تلك الوحدة مرفوضة في عرف شيعة البحرين، ولو ساد التسامح المذهبي في المنطقة بشكل عام، لما كانت هناك أية مشكلة في الوحدة، بل لكانت مرغوبة، ليس بين البحرين والسعودية فقط، بل بين جميع دول الخليج. الأهم من ذلك هو سيادة منطق التعددية والحرية والمشاركة السياسية، ولو سار الخليجيون نحو وحدة تطبق تلك المعايير كما ذهب رئيس مجلس الأمة الكويتي، لما كان من حق أي أحد الاعتراض عليها، بل لكان مدانا بالكامل بصرف النظر عن الشعار الذي يطرحه.
معضلة كبيرة تعيشها المنطقة وسط هذا التصاعد في الحشد المذهبي، الأمر الذي لا يمكن أن ينتهي من دون تفاهم عربي إيراني تركي على أسس للجوار، لكن طموحات إيران الزائدة عن الحد ودعمها لنظام المجرم بشار واستحواذها على العراق ما زال يؤجج الصراع في انتظار سقوط بشار الأسد، كجزء من تحولات عربية ودولية وإقليمية تقنع الجميع بضرورة البحث عن مخرج معقول يقي المنطقة شرور نزاع باهظ التكاليف.