Jon Tobin
بدل أن تكون تلك المبادرة أشبه بالتسونامي، شكّلت مساعي الفلسطينيين الرامية إلى حسم مسار عملية السلام إخفاقاً تاماً، فقد تخلت عنهم أيضاً بعض البلدان الأوروبية ودول العالم الثالث التي لا تتعاطف أصلاً مع إسرائيل.
قد يظن البعض أن الفلسطينيين تعلموا درسهم بعد أن ركزوا جهودهم كلها في السنة الماضية لمحاولة حث الأمم المتحدة على إصدار اعتراف أحادي الجانب باستقلالهم. توقع الكثيرون أن تؤدي تلك المبادرة إلى إنتاج ldquo;تسونامي دبلوماسيrdquo; من شأنه زعزعة إسرائيل وإضعاف مكانتها السياسية حول العالم، وحتى في الولايات المتحدة، لكن تبين أن تلك التوقعات لا تمت إلى الواقع بِصلة، وقد سخر منها البعض قبل انعقاد الجمعية العامة في شهر سبتمبر الماضي. بدل أن تكون تلك المبادرة أشبه بالتسونامي، شكّلت مساعي الفلسطينيين الرامية إلى حسم مسار عملية السلام إخفاقاً تاماً، فقد تخلت عنهم أيضاً بعض البلدان الأوروبية ودول العالم الثالث التي لا تتعاطف أصلاً مع إسرائيل.
لكن بدل المضي قدماً بعد ذلك الفشل والسعي إلى إيجاد مسار دبلوماسي لإقامة الدولة المنشودة، صرّح كبير المفاوضين باسم السلطة الفلسطينية، صائب عريقات، لصحيفة ldquo;تايمزrdquo; بأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سيعود إلى الأمم المتحدة في الخريف المقبل لإطلاق محاولة جديدة في ملف إقامة الدولة الفلسطينية. يجب أن يفهم المراقبون معنى هذا التحرك بوضوح: هذا الموقف يعبّر صراحةً عن لامبالاة الفلسطينيين بعقد السلام مع إسرائيل وفق أي شروط كانت.
كشف الفشل الفلسطيني في الأمم المتحدة عن أمور متعددة عدا الأحكام الخاطئة التي تطلقها القيادة الفلسطينية، فهو أثبت أن المجتمع الدولي، الذي يستطيع دوماً انتقاد إسرائيل، يدرك أن اتفاق السلام يجب أن يسبق قيام الدولة الفلسطينية. لطالما كانت فكرة منح السيادة، ولو كانت رمزية، إلى حركتي ldquo;فتحrdquo; وrdquo;حماسrdquo; شرطاً غير مقبول. لذا أوضح المجتمع الدولي للسلطة الفلسطينية أن التفاوض مع إسرائيل هو الطريقة الوحيدة لقيام الدولة المنشودة.
لم تلقَ هذه الرسالة آذاناً صاغية في أوساط الفلسطينيين، لكن لا يعني ذلك أن قيادة السلطة الفلسطينية لا تدرك أنها خسرت كل فرصة للحصول على تأييد الأمم المتحدة، تماماً مثلما فقدت فرصة إقناع الإسرائيليين بالتخلي عن دولتهم أو تفكيكها. إذا كان الفلسطينيون يفضلون التعرض لإهانة أخرى في الأمم المتحدة على التحاور مع الإسرائيليين، فلا يعود ذلك إلى أن الإسرائيليين لا يريدون التفاوض (كانت حكومة نتنياهو تدعو السلطة الفلسطينية إلى استئناف المحادثات من دون شروط مسبقة منذ أكثر من ثلاث سنوات)، بل إلى أن المفاوضات هي الأمر الوحيد الذي يخيف الفلسطينيين فعلاً.
كشف المخطط الفلسطيني في الأمم المتحدة واقع أن الثقافة السياسية الفلسطينية تمنع السلطة الفلسطينية حتى الآن من الاعتراف بشرعية الدولة اليهودية بغض النظر عن حدودها (سواء كانت السلطة تخضع لإدارة عباس أو حركة ldquo;فتحrdquo; وحدها أو بالتعاون مع عناصر حركة ldquo;حماسrdquo;). إن الاتفاق الوحيد الذي يريده الفلسطينيون أو يمكن أن يقبلوه هو قيام دولة فلسطينية لا تفرض عليهم التعهد بإنهاء الصراع والتعايش بسلام مع اليهود، حتى لو مُحيت جميع المستوطنات في الضفة الغربية عن الخارطة.
سيتابع عريقات والمدافعون عن نهجه لوم الإسرائيليين واعتبار أن المستوطنات هي العائق الفعلي أمام السلام مع أن نتنياهو أشار إلى أنه مستعد للتنازل عن بعض الأراضي إذا كان ذلك الأمر يضمن إرساء سلام حقيقي ودائم. لكن تكرار التجربة الفاشلة في الأمم المتحدة يثبت أن الفلسطينيين يفضلون التعرض للإهانة من حلفائهم الأوروبيين بدل العودة إلى طاولة المفاوضات. لا يزال السلام في الشرق الأوسط ممكناً نظرياً، ولكنه سيبقى مجرد حلم مادام الفلسطينيون يفضلون الفشل الدبلوماسي المؤكد على التفاوض.
التعليقات