لوبان يدافع عن انتمائه ويبرر كراهيته الأجانب

نجاة عبد النعيم 

عاد جان مارى لوبان،الرئيس السابق للجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة إلى الساحة الإعلامية والسياسية بفرنسا من خلال كتاب جديد كرسه لتسجيل الجزء الأول من مذكراته.

وأحدث الكتاب الصادر لتوه دويا شديدا ليس فقط لما يحتويه من ذاكرة مليئة بالكراهية والحروب والرغبة فى التدمير، وانما ايضا لاختياره التوقيت المناسب لضرب ابنته «مارين لوبان» فى مقتل، حيث أراد أن يفسد عليها التجمع السياسى السنوى للحزب.

اختار لوبان الزعيم السابق لحزب الجبهة الوطنية المتطرف لكتابه عنوان «ابن الأمة «، والمدهش ان الطبعة الأولى نفدت قبل طرحها فى الأسواق، ويعتزم الناشر طبع النسخة الثانية بسبب التهافت على اقتناء الكتاب فى كافة أرجاء البلاد.

 

ولا يخلو» ابن الأمة «من الإسقاطات والاعترافات معا، وبادئ ذى بدء أراد المؤلف من اختيار عنوان «ابن الأمة» لمذكراته التأكيد على كونه أكثر وطنية من أى فرنسى اخر حسب قوله. يسرد لوبان، ابن شيخ الصيادين تفاصيل كثيرة عن حياته، منذ ولادته 1928، وطفولته وصباه، حتى إنشاء الجبهة الوطنية فى عام 1972، ويصف لوبان يوم ميلاده بأنه كان « يوم الزلزال» ، حيث ضرب فرنسا آنذاك زلزال حقيقي، قاصدا الربط بين هذا الزلزال وبين ما أحدثه هو من زلزال فى الحياة السياسية الفرنسية فيما بعد، متسائلا ..هل شاءت الأقدار أن تبعث برسالة وقت ولادتي؟ كما يصف لوبان طفولته بأنها كانت سعيدة فى بلدته الصغيرة وفرنسا الكبيرة. يقول جان مارى لوبان إن عائلته كانت صغيرة التكوين ككثير من العائلات بفرنسا فى ذلك الوقت حيث كانت البلاد تعانى من جراء الحروب فترة الأربعينات، وكان لوبان الولد الوحيد لعائلة مكونة من الأب والام وبنتين، وهنا يقول الزعيم المؤسس لحزب «الجبهة الوطنية اليمنية» المتطرف، إنه انحدر من عائلة صيادين ميسورة الحال حيث كان والده وجده من قبله رئيسا للصيادين.

وفى هذه الجزئية يروى انه كان ينعم بالهدايا الثمينة فى أعياد الميلاد المجيدة، وذلك فى الوقت الذى كان لا يحصل فيه غالبية أطفال قريته من أبناء جيله إلا على هدية رمزية كتقليد ديني، موضحا أن معظم العائلات كانت تستبدل الهدية التى لا تقوى على شرائها ببرتقالة، لذا كان معظم أبناء قريتى يأتون للعب معى.

ويشير إلى أن أجداده ربما كانوا يجهلون القراءة والكتابة ولكنهم كانوا يعرفون كيفية إعطاء أبنائهم حياة كريمة، كانت امى فلاحة أنيقة، وبالرغم من قلة الإمكانيات المتوفرة لنا آنذاك حيث كان بيتنا متواضعا بدون مياه جارية، الا اننا كنّا نحب عائلتنا، ووطننا، الله، إضافة إلى حب بلدتنا النائية «موربيان»، الواقعة فى إقليم بروتاني، مع جزرها وسفنها.

ويرى الكثيرون فى تلك الجزئية إسقاطا من جانب لوبان المعروف عنه عنصريته تجاه الأجانب العرب والأفارقة على أبناء المهاجرين الذين أصبحوا فرنسيين بدون أى انتماء للبلد الذى عاملهم كمواطنين أصليين.

ويركز لوبان، فى معظم فصول كتابه على إظهار الجانب الوطنى له ولعائلته «ابى كان يعمل شيخا للصيادين منذ ان كان عمره 13 عاما أثناء الحرب العظمي، وكان يطعم أهل قريتنا من الفرنسيين وليس كحال البعض الذى كان يبيع او يعمل لحساب المحتل الألماني.

وعن صباه يقول لوبان انه أصبح ولداً للأمة الفرنسية منذ عرف اليتم وهو فى سن الرابعة عشرة، إثر انفجار لغم حربى تحت سفينة الصيد العائدة بأبيه على الساحل الغربى لفرنسا.

ويسترجع الزعيم السابق والمؤسس لحزب الجبهة الوطنية المتطرف جان مارى لوبان -المحب للغناء -ذكرياته الدراسية التى كانت بمدرسة مسيحية، قائلا.. «نهلت العلم على يد الكاهن» مؤكدا انتماءه الشديد وتمسكه بديانته المسيحية التى هى ديانة الدولة الفرنسية.

وفى فصل آخر يستعرض المؤلف ما اسماه جروح فرنسا، بوفاة والده، وحلول الحرب العالمية الثانية، حيث تناول فيه فترة حرب الجزائر، كاشفا النقاب عن كراهيته الشديدة للرئيس الفرنسى السابق الجنرال شارل ديجول الذى تعتبره الأغلبية من الفرنسيين زعيم حرب ومناضلا، إلا أن لوبان يعتبره قبيح الوجه، وسببا رئيسيا فى معاناة الفرنسيين، معتبرا انه تسبب فى اكبر كارثة للوطن بتخليه عن الجزائر وإعطائها حق الاستقلال.

ففى الوقت الذى تعتبر فيه فرنسا ديجول بطلا فى تاريخ فرنسا المعاصر، جاءت مذكرات لوبان مغايرة وصادمة، لتحطم ما اسماه بالأسطورة الكاذبة. فهو يرى ان ديجول لايشبه الأبطال الحقيقيين، وأن البطل لابد وان يكون حسب مخيلته للأبطال «وسيماً» مثل القديس ميشال أو الماريشال بيتان.ويتذكر لوبان أول لقاء بينه وبين ديجول قائلا : «كنت محبطا لأن هذا الرجل كان يمثل بالنسبة لى مصدرا رهيباً لمعاناة فرنسا»...و«كنت فى السابعة عشرة حينما ذهبت لرؤية هذا الرجل الكبير .. ويقول عنه، لم يكن قد تعلم بعد مهنة الوجود وسط الجماهير والتفاعل معها، وصافحنى دون اهتمام، وبدا لى بشعاً، ونطق ببضع عبارات عادية وهو على منبر موشح بالعلم ثلاثى الألوان، ولم يكن يحمل سحنة بطل، فلا بد للبطل من أن يكون جميلا حسب ما نرى فى صور وتماثيل الأبطال.

ويذكر لوبان ان هذا اللقاء كان فى عام 1945، حين كان الجنرال شارل ديجول فى زيارة لمنطقة «موربيان»، جنوب مقاطعة بروتاني، مقر إقامة ومسقط رأس لوبان وعائلته.

كانت نقطة الخلاف المحورية بين المؤلف والجنرال ديجول قضية استقلال الجزائر عن فرنسا. وانتهز لوبان الفرصة للدفاع عن نفسه من الاتهامات الموصوم بها منذ عام 1985، والتى تؤكد على أنه مارس التعذيب فى الجزائر ضد مجاهدى «جبهة التحريرالجزائرية» حينما كان يعمل ضمن قوات الجيش الفرنسى بفرق المظلات. وفى هذا السياق يقول ان الجيش الفرنسى كان عائداً من الحرب فى شرق آسيا، حيث لاقى عنفاً يتجاوز الخيال، وكان قلع الأظافر يعتبر عملاً شبه إنساني، وتوجب علينا -آنذاك- وضع حد لذلك العنف. وبناء عليه، فقد مارس الجيش الفرنسى أموراً للحصول على اعترافات خلال معركة الجزائر، لكن الوسائل كانت بأقل ما يمكن من العنف. ومن دون شك انتهز لوبان كتابة مذكراته كفرصة للرد على ما اسماه ادعاءات سياسية هادمة، حيث رد على الاتهامات التى نشرتها ضده صحيفة «لوموند»، فيما يتعلق بمسألة التعذيب قائلا أنها لم تكن أكثر من مناورة سياسية ضد حزبه «الجبهة الوطنية «كونه حزبا صاعدا.

وبعيدا عن السياسة والمناحرات الحزبية، خصص الزعيم العنصرى -الذى يبرر عنصريته بأنها حب للوطن- جزءا من هذا الكتاب للحديث عن علاقاته النسائية، التى انشغلت بها وسائل الإعلام كثيرا، وكيف مكنته وسامته وطول قامته الى جانب زرقة عينيه وشعره الأشقر من أن يكون جذابا للسيدات.

ولم يغفل -دونجوان عصره ـ أن هذه المغامرات كانت سببا فى هروب بييريت لآلان، وهى زوجته الأولى ووالدة بناته الثلاث، بعد أن ملت من مغامراته النسائية، التى كانت مدوية فى الثمانينات من القرن الماضي، ليتزوج بعدها من جينى لوبان التى ترافقه حتى الآن.

والكتاب لا يستعرض بوضوح علاقته ببناته الثلاث اللاتى احتفظ بحضانتهن. حيث اعتبر المؤلف أن الوقت ما زال مبكراً على التطرق إلى علاقته بهن، لكنه لم يغفل التنويه إلى انه قد يسيء لهن حين يحاول البعض استفزازه لأنه لا يفهم كل ما يبدر عنهن من تصرفات، كما لا يفهم انتقاداتهن له، معترفا بأنه لم يكن حاضراً فى حياتهن بشكل كاف فى أثناء طفولتهن.

والجدير بالذكر ان انفصاله عن الزوجة الأولي، كان له أثر سلبى على علاقته النفسية ببناته، والتى تبلورت بوضوح بعد مرور الزمن فى اندلاع مشاكل وصلت إلى حد اللجوء إلى القضاء مع ابنته الصغري، مارين لوبان بعد ان تولت زعامة الحزب خلفا له فى 2011، ووصل هذا الخلاف الى حد ان الأب المؤسس للحزب كان يتمنى الاخفاق والفشل لابنته فى الانتخابات الرئاسية التى خاضتها بضراوة شديدة امام الرئيس الحالى ايمانويل ماكرون.

ونشتم رائحة الشماتة الشديدة لهذا الاخفاق بين سطور مذكراته، وبالطبع كان لا يمكن للأب أن يمر مرور الكرام على علاقته بمارين، ولا على رئاستها حزب «الجبهة الوطنية» التى انشقت عن سياسته ولو ظاهريا، فيكتب بالقسوة المعروفة عنه: «لقد عوقبتْ بما يكفى لكى لا أزيد فى إرباكها. وعندما أفكر فيها، يستولى عليّ شعور بالرثاء لها لأنها فشلت فى خطتها، وفشل من خطط معها. لقد سعت لأن تجعل منى مبتذلاً، فغرقت فى سعيها وفشلها، والأخطر أنها أغرقت الحزب معها».

ويوضح ان الخلاف المفصلى بينه وبين مارين هو انها امرأة وهو رجل، ليعود ويقول هذا لا ينقص من قدر المرأة عندى قائلا: لقد تربيت على أيد ارملة عظيمة وتعلمت منهاالكثير.

وفيما يخص جزئية فقدان لوبان للنظر فى عينه اليسري، سنة 1970، وحسب ماذكر هو فى مذكراته، فانه فقد عينه فى حادث تعرض له أثناء مشاركته فى تحضيرات الحملة الرئاسية لمرشح اليمين المتطرف جان لوى تيكسييه فيانكور. ونقل على اثرها للمستشفي، وكان تشخيص الطبيب واضحاً، بوجود نزف داخلي. ورغم خضوعه لعملية جراحية،فإنه فقد النظر فى عينه التى اعتاد أن يغطيها، آنذاك ، بعصبة سوداء. وفى سنة 1980، استبدل لوبان هذه العصبة بعين زجاجية. وكانت قد ترددت اقاويل كثيرة فى الموضوع ذاته حيث شاع فى الصحف أن الإصابة جرت فى أثناء حرب الجزائر.

وفى محاولة لتجميل صورته فى أعين ناخبيه، كشف لوبان عن حب كبير للموسيقى والغناء، ويقول إنه يغنى فى كل مكان . وتتراوح أغنياته بين الترانيم التى حفظها من والدته وجدته وأناشيد البحارة وأغنيات سيلين ديون، لكن النمط الموسيقى الوحيد الذى لا يتجاوب معه هو «الراب»؛ (الموسيقى الشبابية المنتشرة فى ضواحى المهاجرين).

ويكتب: «نسبوا لى القول إن هذه الموسيقى الاحتجاجية هى اعتداء وحشى على الشعر الشعبي.. وهى بالفعل كذلك؛ أغنيات مليئة بالحقد ضد فرنسا والفرنسيين، وتشوه انسجام لغتنا».