وحيد عبد المجيد
أثار أداء المنتخبات العربية الأربعة التي شاركت في مونديال روسيا، وخروجها المبكر بعد دور المجموعات، جدلاً واسع النطاق حول دلالات الضعف الملحوظ في هذا الأداء.
لم يكن أداء المنتخبات العربية في دورات المونديال السابقة قوياً، لكن جديد الجدل الراهن كونه لم يعد مقصوراً على اختلالات المنظومة الرياضية في هذا البلد أو ذاك، وكيفية معالجتها أو إصلاحها، بخلاف الحال في مرات سابقة.
يشمل الجدل الآن مشاكل أخرى تدخل في نطاق ما يمكن تسميته فرقاً حضارياً يعود إلى اختلاف مستوى تطور المجتمعات في العالم العربي، وطبيعة الثقافة السائدة فيها، مقارنة بمجتمعات أخرى نجحت في تحقيق تقدم متزايد في قطاعات أساسية وفق نظرية مراكز التميز، أو القاطرة التي تشد المجتمع إلى الأمام.
ومن أكثر المشاكل التي أُثير جدل حولها مشكلة ضعف إدراك قيمة الوقت، ومحدودية احترام قيمة العمل، وعشوائية الإدارة في كثير من المجالات، والقصور في تعاملنا مع كرة القدم التي أصبحت علماً بكل معنى الكلمة، وأحد أهم مجالات الاستثمار في العالم.
كما أُثير جدل بدأت مقدماته عشية المونديال، وقبل أن يظهر مدى هشاشة الأداء، حول مشكلة ضعف ثقة اللاعبين العرب في أنفسهم، وشعورهم بالرهبة والخوف، ومعاناة أكثرهم من ضعف اللياقة الذهنية، التي لم تعد أقل أهمية من اللياقة البدنية، رغم أن عدداً معتبراً منهم يلعبون في أندية أجنبية. وكانت محصلة هذه المشاكل افتقار المنتخبات العربية المشاركة في مونديال روسيا إلى شخصية تُميز كلاً منها، وافتقادها ما يُعرف بـ«ثقافة الفوز»، أي ذلك النوع من الأداء القوي والواثق والمخطط في إطار عمل منظم ومتكامل.
ويعود هذا النوع من المشاكل إلى بعض أنماط الحياة التي أصبح تحديثها ضرورياً في مختلف المجتمعات العربية، وإن بدرجات متقاربة، حيث بدأت بالفعل جهود من أجل هذا التحديث في عدد منها، وقُطع شوط يُعتد به في هذا الاتجاه في بعضها.
لا يكفي، إذن، إصلاح المنظومات الرياضية في الدول التي شاركت منتخباتها في مونديال روسيا، وتطوير مثيلاتها في دول عربية أخرى. غير أن هذا الإصلاح والتطوير يمكن أن يسهما في الإسراع بتجاوز الفجوة الحضارية التي تفصلنا عن الدول الأكثر تقدماً، وغيرها من الدول التي حققت مستويات متفاوتة من التقدم. ويتطلب ذلك ربط إصلاح المنظومات الرياضية، وتطويرها، بتغيير في ثقافة من يمارسون الألعاب الرياضية، اعتماداً على خطط «قاعدية»، تبدأ من قاعدة المجتمع في الأندية الصغيرة، ومراكز الشباب، فضلاً عن المدارس والجامعات بطبيعة الحال. فهذا هو السبيل إلى تحقيق التقدم في الألعاب الرياضية، وفي غيرها أيضاً، بخلاف ما يترتب على التحايل والتوسل بوسائل غير مشروعة لتنظيم مسابقات دولية، كما حدث بشأن تنظيم مونديال 2022، أو «السطو» على رياضيين من دول أخرى ومنحهم الجنسية، كما تفعل الحكومة القطرية مثلاً منذ نحو عقدين من الزمن، وتحديداً منذ أن نام أحد أبرز العدائين في سباق الحواجز في العالم خلال العقد الماضي ذات ليلة في أغسطس 2003، وهو يحمل اسم ستيفن تشيرونو، واستيقظ في اليوم التالي وقد صار اسمه سيف سعيد شاهين، وأصبح عمره أكبر بأربعة أشهر في جواز سفره الجديد الذي صار منذ ذلك اليوم قطرياً، بعد أن كان كينياً.
وبعيداً عن مثل هذه الأساليب التي لا يُعنى من يمارسونها إلا برسم صورة زائفة مناقضة للحقيقة، يمكن أن تكون الرياضة مركزاً جديداً من مراكز التميز التي توجد الآن في بعض الدول العربية، وتصبح قاطرة تأخذها في طريق التقدم. لكن المهم أن نوفر الضمانات اللازمة لاستمرار أي مركز تميز نتمكن من إيجاده، ونعمل من أجل تطويره بشكل مستمر لكي لا يتجمد ويتجاوزه التقدم الذي يحدث في العالم بمعدلات سريعة، خصوصاً في مجال الألعاب الرياضية التي أصبحت المشاركة والفوز في مسابقاتها الدولية أحد أهم مقومات القوة الناعمة للدول.
فليكن التحرك في هذا الاتجاه هو الدرس الذي نستوعبه من تجربة المشاركة العربية في مونديال روسيا.
التعليقات